زايد جرو- تنغير / جديد أنفو
بداية الأسبوع الماضي دونت بوشم الإبر مسارا مؤلما في وجود الأنا المتفردة والنحن الجماعية، فلم أذق ولم أتذوق طعم الحنظل منذ سنين إلا في ذاك الإثنين الذي كانت جرعة مرارته أقوى مما كنت أظن وأعتقد، فلم أكن أتصور أثر الموت ووقعه كما يقنته وعَلِمته في اللحظة، فيا ما تفلسفت في الاستخفاف بأثره فنقلت لكل المتلقين ما الموت إلا الحياة، وما الموت إلا التجدد، وما يموت إلا من اكتملت معرفته، والموت طريقنا للحياة ووسيلة للاغتسال والتطهر من أدران الحياة، والموت قدرنا المحتوم .... دونت وحررت وصُلت وجُلت مزهوا بمعرفة حقيقة الموت عند اليونان، والفرس و الهنود والرومان ويا ما شغفت بأسطورة تموز وعشتار وطائر الفنيق، والعنقاء والحلاج وأسطورة الخضر وأسطورة بنلوب وعوليس، والسندباد، حتى تولد بداخلي منهجا أسطوريا أقتات به لتوليد معاني التجدد والبعث والانبعاث، ويا ما حفظت من أشعار ومازلت حول جدلية الحياة والموت عند المهجريين وعند الشعراء المحدثين فجننت بشعرية أدونيس وأسلوبية خليل حاوي وإنشائية عبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب ومحمود درويش وكل الذين صوروا الانهيار والانكسار الذي يجوب الشوراع التي تجر خرقا كأنها لم تذق فحولة الزمان في الكون ، فتولدت في الأعماق معاني الولادة والتجدد بعد الفناء فهذبتْ إحساسي ولينتْ مشاعري وأذكت بداخلي عشق الأدب حتى الثمالة أو بتعبير هِيكَل حتى العمى.
دقت ساعة الحِمل فسرت مع السائرين خلف النعش فراودتني بعض معاني درويش ببعض التحوير: من أم على عرش إلى أم على نعش، سبايا نحن في هذا الزمان الرخو، أسلمنا الموت لمخلوقات نورية ونارية وصلصالية هناك، فتزايد إحساسي بالهرم والشيخوخة، فطقطقت مفاصل عظامي في المشي، فعجزت النفس عن التنفس وتحمل النبذ والوحشة والصمت، فعايشت الموت للحظات، وخبرت قسوته فتنفسته واقتسمت معه كسرة خبز ونتف خبر ....
ردد الفقيه بعد سرعة المشي تعجيلا بإكرام الميت تكبيرات وكل مرة أردد مع القوم كالببغاء الله أكبر ولم تخطر ببالي إلاعبارة الجنة تحت أقدام الأمهات وأمك ثم أمك ثم أمك..
حملوها من جديد و هي طيعة طائعة ،ولم تبدِ نفورا كعادتها وهي بين الرجال، ولم تقاوم خشونة أياديهم، فمددوها على اليمين على مرآى من العين الدامعة ، والقلب المكلوم، في جدث ضيق لا يصلح اقتسامه مع أحد ،رقدت تحت الحصى والتراب في ظلمة بلهاء وفي لحد بارد على الجسد، فسرت رعشة الموت الأكيد في خلايا العظام ...
نامت وسيمتد لا محالة صوتها حتى حدود الخيال ، من قبر مستوحد عن القبور بفرادته في الجدة ، فعاد أحفاد أوديب الضرير يطلبون المغفرة والتوبة بموت شهريار ويطلبون الفضيلة ونزعة الحق بموت السندباد ،وبقيت الحيرة والتردد والنحب والتساؤل صحبتي ومواساة الخلان الذين يكلمون ويسلمون ويهاتفون تكبيرا واحتراما صيانة للود ساعة الانكسار.
فلكل المسؤولين بعمالة الإقليم والمجلس العلمي المحلي وبرلماني المدينة وموظفي بريد المغرب ومفوضية الشرطة وبعض رؤساء ورئيسات جمعيات المجتمع المدني والنيابة الإقليمية التي أصدرت تعزية خاصة ولكل المؤسسات التعليمية التي فعلت الفعل ذاته وللجريدتين الالكترونيتين : جديد أنفو وناس هيس اللذين نشرا تعزية على صفحاتهما ، ولكل الذين كاتبوني على صفحات العالم الأزرق والذين تحملوا حرارة التنقل من تنغير والرشيدية والرباط وفاس ومكناس وأكادير وطانطان وسوق أربعاء الغرب كامل الشكر والامتنان ولا يفوتني الإجلال والتقدير أيضا للذين خانتهم عضلات الوجه في التعبير عن الحزن أو الذين جفت أقلامهم وأسعفهم الكأس ولم تسعفهم العبارة ،أو الذين قصُرت ألسنتهم وما كنا إلا شاهدين لهم بطولها في مناسبات عديدة من كتاب وشعراء ومخربشين في الإعلام الورقي والإلكتروني .
فالموت هو طريقنا السهل والصعب فشمر أخي عن ساعديك واجمع تلابيب جلبابك وانفض عنك غبار الهزائم ولا تقطع أرحامك، فيومك ويومي ويوم الآخر ليس ببعيد... وأسأل الله العلي القدير ألا يري الجميع مكروها وإنا لله وإنا إليه راجعون. وإليكم فيديو الجنازة وشكرا كبيرا عظيما للذي اقتنص الحدث لتخليده عبر التاريخ .