زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
تتنوع الأمثال وتكثر الحكم بجهة درعة تافيلالت ،فتحمل هذه الامثال قيما ومعاني عميقة تصدر من أشخاص ليسوا بالضرورة علماء، أو مفكرين، أو ذوي ذكاء خارق، بل هم أشخاص بسطاء 'عاديون ' مألوفون عاركوا الحياة وعاركتهم، وعاشروا أصناف متعددة من البشر فنسجوا بالكلام المرصع الدقيق والموجز تجاربهم زجلا، و نثراً بعبارات دالة قصيرة، تعبر عن خبرتهم العملية بالحياة، وهي صالحة لكل زمان ومكان وبكل لغة .
علاقة المغاربة بالخبز علاقة وطيدة وعجيبة ومتفردة في العالم حيث انتقل المدلول من التداول البسيط الى تداول بابعاد دلالية عميقة تلخص تجارب انسانية وتموجات بشرية في علاقة ببعضها بالبعض ، فالخبز عادة يرمز للحياة و لاستمرارها والبيت الذي يخلو من الخبز والتمر بدرعة تافيلالت ،فهو بيت منهار ولا حياة فيها ولا قيمة لأهله بالوسط الواحي ،ويبدو عيبا ان يطلب الاطفال الخبز من بيت اخر مجاور لأن من أدنى شروط العيش ،هو توفر الخبز بالبيت سواء كان بإدامه أو حافيا على تعبير محمد شكري رحمة الله الواسعة عليه.
العلاقة بالخبز غريبة ووثيقة بالمغرب فمن سافر او خرج باكرا او غامر او هاجر الاوطان ينعت بانه سافر او خرج من اجل ' طرف د الخبز ' او بالتعبير المتداول ' مشار اصور طرف د الخبز ' ، ومن احتج او ثار في وجه مشغله او أي مسؤول ينعت بأنه ' شبع خبز ' ومن كان ظريفا الى ابعد الحدود الى حد السذاجة ينعت ب ' خبز ربي ف طبقو' بمعنى ' كامبو ' ومن كان شاطرا الى درجة عالية في المكر ، ويخادع الناس في صمت وحين يكشف امره ينعتونه ب " بخبيزتو ' ،ومن احتج مطالبا بتحسين وضعه يحمل خبزة في يده او يعضها بفمه ويدون في يافطته ' الاحتجاج من اجل الخبز او مطالب خبزية 'ومن وضع الخير في غير اهله او في غير مكانه وكان رجعه عليه بالذم يردد " ضربني اخبزي ' وتقول الام للابن من حين لاخر ' الله اسهل عليك ف شي خبيزة باردة ' وفي الحب والقناعة بالبسيط يقال ' خبز وزيتون الى جعنا 'وفي الاحياء بالمدينة تسمع المنادي كل صباح ' خبز كارم الله ارحم الوالدين ' وحين يجد المغاربة الخبز في الطريق ' يبوسونه ' ويضعونه في مكان بجنبات الطريق وبالمقابل يبذرون الماء دون استحياء عصب الحياة وحين تنطق كلاما غير لائف ينعتونك بأنك ' تتخبز او غي تتعجن ' ومن يأكل الخبز كثيرا ينعتونه ب' بوكرش ' ومن اشتهر بأكل خبزة يوميا في العمل ينعتونه ب ' بوخبزة ' حتى اصبح اللقب لأسر متعددة بالمغرب ولمشاييخ لهم مكانتهم العالية في العلم والفقه والدين وردد الرحالة الشيخ الصوفي المغربي عبد الحمان المجدوب في الرباعية الاشهر عنه قولا مأثورا عن الرسول (ص) ' لو ماكان الخبز ما تكون لا صلاة ولا عبادة ) ..
هذه الايام نعتوا الراعي موحا او امحمد المكي من تلمي باقليم تنغير ب ' بوخبزة ' او ' مول الخبزة ' فحورا الدلالة والعمل الانساني العميق والتمثلات الاجتماعية في دلالة ' نحن لا نبيع الخبز ' الى وصف قدحي ،واشتغلت عليه مواقع الكترونية ومحطات اعلامية وروجوا له من جديد باسم بعيد عن المتداول بالجنوب الشرقي واغلبهم لم يدرك ما قيمة ' نحن لا نبيع الخبز ' واكتفوا بالجانب القدحي دون القدرة على فهم العمق الدلالي الكبير لهذه القيمة الاخلاقية والانسانية المتجذرة بجهة درعة تافيلالت.
الخبز الحافي والخبز والزيت صنع الرجال بالمغرب ولمكانته وتداوله في المجتمع اصبحت له صور وقيم متعددة لكن ابخسها هو نعت الراعي امحمد المكي ب ' بوخبزة ' والمشتغلين في الحقل الثقافي والإعلامي لا يجب بالقطع تحوير المتداول النقي ومسخه بصور وقيم بديلة هي اقرب الى الاساءة للمتداول المتأصل.