زايد جرو- الرشيدية / جديد انفو

كَد المعلم 'علي' طوال العمر بالمدارس الطينية وبالإعدادية والثانوية بجلبابه الصوفي النتن ليحجز مقعدا له في مدرج الامام مالك بمكناس بين طالبات وطلاب بلبسون  ويلبسن الجميل في الجميل، قاوم القهر بالتجاهل والتغاضي وربح بالكد مرة اخرى مقعدا بين صفوف المؤهلين لنقل المعرفة للآخرين.

عمل لسنوات بالصحة والجمال، والشمس تشيخ براسها وبجسدها ،ويموت النهار كل يوم من حوله فأحس مع السنوات المتكررة وعلى نفس الوثيرة ان التعب تسلل كثيرا لجسده ومن حين لآخر يتغوط الدود ويتجمع النمل من حوله حين يخلو لنفسه بعيدا حينها ادرك ان الموت يفوح منه وقريبا سينتهي كل شيء.

ادرك  'علي' ان جسده  يتحلل بين اعينه والعفن بدأ يخنقه، والذباب ينتظر، والديدان تعد ابناءها بقرب عشب للحياة ،والمعلم ' علي ' يرفض ان يكون رجلا تقتله الايام بالثواني ، ينظر  بأسف لسيقانه الطويلة التي اصبحت تشبه سيقان الضفادع  حتى يرحل النهار  ويغادر  ويدفع بالافق  نحو المجهول ليحول صمت هواجس  الليل اشراقة ضحك عميقة في غياهب الظلام..

أنهكه التعب وخرج لباب بيته الطيني القديم ،والكل منشغل بهمومه اليومية والذباب يحوم من حوله ويتكاثر رغم جهد الأهل في النظافة والتنظيف ،عاد القهقرى كثيرا ليحول الصمت  حلما ، وكم تذكر عبارة ابيه ' اعلم يا ابني ان الحلم يذوب كالشمع حين يقترب من الشمس ' فعلم ان كل شئ يدمره الخراب ويسقط كل الذكريات  وهو يراقب بعض الطيور التي  تقفز من شجرة لأخرى والتي اختارت الغناء للوطن.

كلما خرج علي لباب البيت يتذكر بعض الاصدقاء الذين طال غياب سؤالهم عنه خوفا من السؤال  من اجل جرعة دواء ،وتذكر الكثير من الأوغاد الذين يقصدونه  خلسة وتحت جنح الظلام من أجل تصحيح ' خربشاتهم' ليتباهوا بها في محافلهم ولقاءاتهم وينسبونها لأنفسهم تحت حرارة التصفيقات في المجامع ..المعلم المسكين ' علي '  مسكون الآن  بالعجز يمد يده لصفحات القرآن الكريم ويكثر من سورة ' قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق ' ليطرد بقايا الافكار الثورية وينظر ليديه المصفرتين اللتين تتناوبان على ذيل ' بغل  ' الاب  للنش وطرد جحافل الذباب الذي يحوم به كل صباح.

كل الاشياء الجميلة وكل الطيبين رحلوا عن 'علي  ' وهم جالسون في المقاهي بضوضائهم يحركون اياديهم لطرد ذبابة  واحدة فقط وبجوارهم اخرون يتحركون ،واخرون يعملون بانتظام يحكون الظهر والصدر والبطن واسفل البطن .. وعلي  المسكين تفوح رائحة الموت من داخله  ولم يبق له بيده  للأسف الا ذيل بغل ابيه  او  ‘ تشطابت نيزان‘  باللغة الامازيغية.