زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
" تَخَامْتْ " أو الخيمة، القطعة السوداء المصنوعة من صوف الغنم وشعر المعز والتي تنصب في الصحراء بالأوتاد وتجهز بأفرشة تقليدية بسيطة كالحصير او " الحنبل " الصوفي الملون ، تجسد إطارا قويا للعلاقات الاجتماعية والعائلية بين الرحل، وهي فضاء للجود والصبر تعكس القيم والتمثلات الاجتماعية عند قبائل ايت خباش بالجنوب الشرقي .
تأوي الخيمة كل مستلزمات الحياة من أواني وأغطية وأفرشة ومواد غذائية ،ترتب بشكل يسمح باستقبال الضيوف وإطعام الوافدين وإيواء النازلين دون ضجر أو إزعاج ،في جو يطبعه الانسجام والبساطة التي تعكس المروءة والكرم ،ونصبها يستوجب قواعد حفظها الرحل بالتجارب الموروثة ، كأنْ يكون المكان بعيدا عن مجاري الشعاب وأماكن الرمال والرياح. وتنصب عادة في الصحراء في اتجاه يقل فيه هبوب الرياح وفي حال هبوبها يسدل ستار مدخلها ويُفتح في الاتجاه الآخر..
ينقسم فضاؤها الداخلي إلى فضاء للرجال وآخر للنساء ، وحين يحل االضيف يوضع حاجب غير مكشوف بين الفضاءين ،وقد ارتبطت الخيمة بالترحال، و روعيت فيها البساطة والسهولة في البناء والتركيب لتيسير الترحال ،وتنسج عبر مراحل دقيقة بدءا من " دزّ " صوف الماشية ،الفعل الذي له طقوس احتفالية خاصة الى النسج الذي تصاحبه أهازيج تعبر عن الرغبة في حياة أفضل، أو حِكم أو بطولات المحاربين بأعالي صاغرو أو أم المعارك ب "تنميمون " او معارك " تين إيخباض" ضد المستعمر الفرنسي ،أو للتعبير عن الشهامة والرجولة ،أو رثاء نساء ورجال وأطفال رحلوا عن حياة الترحال ،وقد يتم استدعاء " تِمْغارين" وهن نساء طاعنات في السن من رحل مجاورة أو بعيدة لهن دربة في النسج ،وتقام الوليمة في البدء وتذبح ذبيحة ايذانا بانتهاء العمل ، فتُمدّ الخيمة أرضا بمساعدة نساء أخريات لإزالة الشوائب لتطوى حتى موعد الاستعمال .
الخيمة سكن تقليدي يحمي من قسوة البرد شتاء ومن القيظ صيفا ، وتشكل وحدة للاستقرار المادي ، وتُعـدّ موضع حنين ورمزا للاستقلالية الاجتماعية، وتعد المرأة قلبها النابض وتقترن حياتها بها في الغالب حتى الابد .
الخيمة ارتبطت بها مجموعة من التمثلات القيمية والأدعية عند رحل آيت خباش ، والأمهات والجدات عند توديع أي عزيز يدعون له بالأمازيغية بما له علاقة بالخيمة فتقلن " أَدِيسْبَدْ ربي تَخَامْت ْ نْكْ " أي الدعاء ببقاء خيمة المدعو له عالية منتصبة واقفة دون ان تهوي او تنكسر، فسقوطها أو انحدارها فيه ذل ومهانة ،وهو دعاء قوي بالجنوب الشرقي توارثته الأجيال لقيمته الأخلاقية والاجتماعية والثقافية العالية بما معناه بالعربية " الله إعَلّي خيمتك " ،وفي ساعة الغضب أو التشنج ينقلب الدعاء إساءة، وله علاقة بالخيمة ايضا فتترددن " أَدِيخْلُو ربي تَخَامْت ْ نْكْ " وهو دعاء مشحون بالدلالة الرمزية القوية ذات الوقع السلبي الذي لا يُنسى مدى الحياة ، بما معناه الدمار لبيتك ولأهلك ولذريتك و بالعربية يقال " الله إخْلي خِيمتك " .. و الخيمة لها دلالات ورموز متنوعة ذات العيار الثقيل والتي يتوقف تفسيرها على الحالة التي شاهد فيها الشخص الخيمة، ساعة نصبها أو انهيارها أو الدخول اليها أو الخروج منها.. وكم شوهدت نساء وهن تبكين المرارة حين يحل الرحيل بحثا عن الكلأ في مكان آخر ، بل أصعب لحظة حين تهوي الخيمة ويغادر الرحل الفضاء المعهود فتنقلب النساء ذات اليمين وذات اليسار وإلى الخلف حنينا وارتباطا بالمكان كما تحن الإبل والنوق.
الخيمة بقيت عالقة في التمثلات الاجتماعية بالجنوب الشرقي ولا يمكن لقبائل آيت خباش ان تنصب الأعراس دون نصب الخيام سواء في قلب الصحراء أو في القصور والقصبات لمكانتها الاجتماعية حتى أصبحت رمزا عالميا يستهوي السياح الذين يفضلون في رحلاتهم عبر الكثبان على ظهور الجمال قضاء ليال في الخلاء للتمتع بجمال الصحراء وسكون الليل وفضاء الخيام .