زايد جرو - الرشيدية / متابعة
التحولات المناخية التي يعرفها العالم في السنوات الاخيرة نال الجنوب الشرقي بالمغرب حظه الاوفر منها حيث دأبت الساكنة قديما ان تعيش الفصول الاربعة بطبيعتها الكونية فتعوّد الناس على الحر في وقته وعلى البرودة في وقتها وعلى الرياح والزوابع الرملية ايضا في زمنها فنظموا حياتهم المعيشية والاجتماعية على تناوب هذه الفصول وكان للحرث طقوسه الاحتفالية وللحصاد طقوسه الشعبية ايضا... لكن التداخل بين الفصول حاليا حول حياة الناس منحى أخر طابعه الخوف من دمار الفيضانات بداية الخريف وبالعطش والبحث عن قطرة ماء لمسافات طوال راكبين دوابهم او سائرين على أقدام العُري و" الحَفْي" بداية فصل الصيف .
طال الحديث هذه الايام على تنوع مصائب الجنوب الشرقي من مياه جادت بها السماء فدمرت الممرات والمساكن وجرفت الحافلات فكثرت الضحايا من الموتى والمعطوبين والمفقودين ولا على لسان الناس غير اللهم خفف ما نزل ،المياه بالمكعبات تضيع في وديان وشعاب منسية تتيه في الخلاء وكم طالب الناس بالسدود التلية لاختزان بعض المياه وكم طالبوا ايضا بسن سياسة مائية لتقوية الفرشة المائية رغم كلفتها ورغم ما تتطلبه من تنقية كل مرة، والمطلب لا يعد من المحال، فمدينة الأنوار والثقافة تتغير باستمرار، ومدينة العرفان تتحول كل يوم ،ومدينة اكادير ومراكش من المدن العالمية، ونالت فاس حظها من العلم والعلماء ،ولم ينس الله افران وبوأها المكانة ،وبقيت مدن الجنوب الشرقي تنعى موتاها كل حين ، مرة حافلة ،ومرة شاحنة، ومرة سياح، ومرة انجراف.. ومصيبة تتبعها مصيبة.
يحل موسم ويرحل ،ويطل سياسي ببرنامج ويرحل ، ويجتمع خيرة المنتخبين بالمجالس ويضربون بالجهد على الواح الجلوس، ويصوتون ويجلدون الناس بالخطب والبيانات التي فاقت في بلاغتها نثر ابي حيان التوحيدي والجاحظ وفاقت في بلاغة شعرها ما نظمه الاخطل والجرير والفرزدق ..هي مصائب تكالبت على الناس وشغلت الرأي العام وضربتهم ضربا مبرحا حتى نسوا السياسة والتعديلات الحكومية المنتظرة والمخططات التنموية الجديدة. وبعد اشهر سيخرج الناس من جديد في مسيرات العطش ابتداء من شهر ماي رافعين الشعارات وقاطعين المسافات صوب ابواب العمالات والولايات يستجدون المسؤولين الكبار والصغار رافعين شعار "حقنا في الحياة حقنا في شرب الماء". وهو مشهد يتكرر حتى أصبح مألوفا وحفظ المسؤولون في الاحواض المائية نفس عبارات الردود على الاسئلة ونفس التراكيب في أي تدخل او استجواب إعلامي.
الفيضانات مدمرة بداية الخريف والعطش المقيت بداية الصيف ، وهي مرتبطة بالتغيرات المناخية ومرتبطة أيضا بسوء تدبير الموارد المائية وبالسماح لكبار المزارعين بممارسة أنشطة زراعية تستهلك ما تبقى من الفرشة الباطنية ، والحل لتجاوز الأزمة هو تطبيق ما يتم التصريح به من التزامات واستراتيجيات ، بشكل يضمن الحفاظ على الموارد المائية ، ففيضانات الخريف سترحل قريبا وموسم الثلج سيحل لاحقا وسيبدأ موسم الجفاف والعطش في مابعد في السنة نفسها ، وبدل خلق صناديق لتعويض المتضررين وعوض البحث عن موارد مالية واصدار القوانين المنظمة لها فالأولى خلق صناديق لبناء السدود بشتى الانواع وتقوية البنية التحتية وتغيير كل القناطر التي تشكل خطرا على سلامة المواطنين وتكوين اطر من السائقين الشباب في معاهد وتغيير الحافلات المتأكلة ..
حافلة الموت بالرشيدية سيطويها الزمان كما طوى العديد من مصائب الافاعي والعقارب وستتكرر نفس المشاهد لاحقا ولا يكفي الكشف عن عدد الموتى والمفقودين والمعطوبين بل يجب متابعة البحث عن حلول هيكلية شاملة لحل الازمة والحد من الخسائر، فقد تعب الجنوب الشرقي من ويلات الزمن وويلات المسؤولين واعياهم الانتظار وعيونهم بصيرة واياديهم قصيرة فقد ضاع جزء من عمرهم في الحلم وقهرهم الصبر وعلى الله العوض ولا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون