زايد جرو- جديد انفو

خولة اسم موشوم في الذاكر الشعرية العربية بأطلال  برقة ثهمد التي تلوح كباقي الوشم بظاهر اليد ،وهذه الأطلال التي خلدت وبقيت وعذبت الشاعر طرفة بن العبد في العصر الجاهلي، فرحل العصر، ورحل الشاعر ،وبقي الألم في الصورة الشعرية ممتدا يطوي الحقب، وكم تبدو الحياة قصيرة وساذجة ،وكم هي الصدف العجيبة التي تعيد اسم خولة  التاريخي ليبعث من جديد ولو بطريقة مختلفة.

خولة الجاهلية ،كسرت أنفة الشاعر الجاهلي العاشق الولهان ،فعذبته طول الحياة بالجري بنعال متأكلة في الصحراء ممتطيا ناقته عبر الفيافي  مترجيا اختلاس لمحة ليعيد لنفسه بعض التوازن، لكن الفعل لم يحدث ،وبقي  الفؤاد مكلوما لأن أنفته هوت ،وتمرغت بين الأقران ممن أحبوا وعشقوا حتى الموت.

وخولة البيضاوية بدورها عشقت العز والأنفة ،ولم ترض بالذل والهوان، فاختارت امرأة مثلها تحدت النظام والتنظيم وتطاولت على الأبعاد التربوية والأبعاد الحقوقية التي تربى عليها الجيل الصاعد في المدارس والجمعيات، وخولة لم ترتكب إثما أو جرما بل ترجلت  ضد " الحكرة " أمام الرجال والنساء لرد الاعتبار للذين ألجمهم الخوف والذعر وعشش في قلوبهم  الذل والهوان  من الأوغاد اللئام منذ عهد سنوات الرصاص والجمر.   

انتقمت خولة من الرعب الذي يمارسه العديد على العديد  لتطويعهم وجعلهم عجينا صالحا لكل القوالب ،وأبت أن تكون امرأة شابه قابلة لحمل المتاع والجير، فاختارت الضرب بقوة على الأنف لأنه يمثل العزة عند المغاربة وعند أهل الجنوب خاصة الذين يستجيبون بعنف شديد عند المساس بأنوفهم ،فكان بالإمكان تكسير الأسنان أو الضرب بالحذاء أو اليد ،لكن اختيار الأنف له دلالات عميقة ...فحين اختار الصحفي العراقي رجم  بوش بالحذاء في ندوة صحفية أثناء حرب الخليج  كانت  للفعل دلالات عميقة  أيضا فبإمكانه الرجم بآلة تصوير أو أي شيء أخر ، لكنه اختار النعل لثقافة العرب المتأصلة المتجلية في كون العقرب لا تستحق أن تضرب بأي شيء آخر غير النعل، لأنه الأقرب ولأن بوش لسع العرب ولا يستحق الضرب إلا  بالنعل وكان الاختيار صائبا وإن عاد بوش عاد النعل على غرار المثل المتداول :إن عادت العقرب عدنا لها والتعل حاضر "
خولة اختارت الأنف لكسره لأنه الأنفة ومرغت كل من يتطاول تحت ذريعة المهنة أو النسب أو السلطة ولو كثرت الضرْبات على الأنوف بدل الضرب على المؤخرات لاستقام المجتمع ،ولنا العبر الكثيرة  في هذه الأيام من قائد الدروة حتى قائد  بائعة البغرير بالقنيطرة وصولا لأنف الفنانة ،فكم من متهور يجب أن يكسر أنفه لتقويم بعض اعوجاج سلوكه ومرضه ، ويجب أن تتسع حملة كسر الأنوف الوطنية المتطاولة  داخل الوطن وتخصص لها الميزانيات الضخمة  كما تخصص  للانتخابات بل يجب تشجيع كل الجمعيات التي تود اختيار الاسم علّ الكثير يتعظ من ضربة خولة.

كسر الأنوف بيّن هشاشة البناء الفكري للعديد من المغاربة والمغربيات ،وقبل  الزج بالناس في غياهب السجون واللوم والتقريع والعنف والعنف المضاد ،يجب إصلاح الأفكار قبل التفكير في ترميم الأنوف لأن الديمقراطية سلوك وممارسة لا شعارا يرفع في المناسبات وأمام عدسات التصوير في البرامج والمسلسلات.