لا يُفوت حزب العدالة والتنمية الفرصة،بمناسبة أو بدونها ،دون أن يُذكرنا بفضله على البلاد و العباد في ضمان الاستقرار و في تجنيب المغرب أي هزة أو رجة تصيب ثبات كيانه.فرئيس الحكومة والمتحدثون باسم الحزب و من يجرون في فلكهم من التابعين و المريدين يمنون علينا بنعمة الاستقرار و الأمن و الأمان الذي ما كان ليتحقق لولاهم فأصبحوا بهذه النعمة محدثين و أضحت نعمة الشكر والعرفان علينا واجبة.
يحدثونك عن الاستقرار حتى يتهيأ لك أن المغرب قبل حلول حزب العدالة و التنمية كان يعيش حروبا أهلية مشتعلة بين عشائره فأصبحنا بنعمة قدومهم إخوانا،و يحدثونك عن دولة الإسلام حتى يبدو لك أن الناس كانوا بالأمس القريب يولون وجوههم صوب الكنائس .
إنه خطاب سياسي تمويهي يحاول إخفاء شمس حقيقة الفشل السياسي ،على مستوى الممارسة، بغربال المزايدات الكلامية،فما لم يتحقق على أرض الواقع يتحقق بالقوة على مستوى الخطاب ،تلك إحدى شطحات السياسة التي استوعب درسها الحزب المذكور.في حين أن الاستقرار الذي ينشده جل المغاربة هو تحسن أوضاعهم الاجتماعية و الاقتصادية و تحقق عيش كريم قوامه عمل مستقر وقار لا تنغصه مخافة الطرد أو التسريح،و مسكن لائق لا يخشون انهياره فوق رؤوسهم وهم نيام و لا تقض مضجعهم فيه دقات رب البيت مطالبا بسومة كرائية غالية ولا تتقاسم معهم البنوك أجرتهم أقساطا لسكن سيتملكونه بعد عمر مديد. إنهم ينشدون استقرار أسعار محروقات دراجاتهم و سياراتهم القديمة و زيت طعامهم اليومي وشايهم و سكرهم وحليب أطفالهم ومسحوق تصبينهم.... بما يتماشى مع الأجور الهزيلة التي ينتظرونها منذ منتصف الشهر أو الدراهم التي يجمعونها من مهن عرضية و موسمية.
الاستقرار الحقيقي يتحقق بضمان الأمن الصحي لفئات عريضة تضع يدها على قلبها مخافة الإصابة بمرض يجعلها تتنقل بين المستشفيات العمومية و المصحات الخصوصية فتبيع ما تملك و ما لا تملك لينتهي بها الأمر إلى تسول مقنع بقناع طلب المعونة من أصحاب القلوب الرحيمة.
الاستقرار الحقيقي يتنافى تمام التنافي مع تعطيل الطاقات الشبابية ومع تكميم الأفواه و مع تعنيف المتظاهرين الرافضين لخطاب ''كولوا العام زين'' ومع مواجهة الأصوات المنتقدة بخطاب ''التبوريدة'' و مع الهروب من المسؤولية بالاحتماء بكذ بة المؤامرة...
الاستقرار الحقيقي مطمح الجميع دون أن تكون ضريبته التطبيع مع الفساد و المصالحة مع التماسيح و العفاريت و إصدار العفو ممن لا يمتلك حق إصداره وقمع المظاهرات السلمية و الزيادة في الأسعار...
لعل الاستقرار الذي حققه حزب العدالة و التنمية و الذي لا يستطيع أحد إنكاره هو استقرار الوزراء في مناصبهم و تشبثهم بها رغم ‘’كيد الكائدين’’ و انسحاب المنسحبين و حتى لو اقتضى الأمر تصيير شيطان الأمس ''اللي كان ما فيدوش'' ملكا يوم الحاجة له حليفا اليوم.وإن كنتم معي في الرأي مختلفين -وكثيرون منكم سيختلفون معي- فالجواب الفصل عند نواب الشعب من الحزب الذين تيمهم حب العاصمة الرباط و أصبحت الطريق إلى المدن القصية التي بوأتهم المكان الذي هم فيه تبدو لهم بعيدة و نائية و مقفرة.
الإرادة و الاقتناع و النية الحسنة ليست هي أسلحة السياسة، إن سلمنا جدلا أن الحزب تسلح بهذه الأسلحة ،و استمراره في الممارسة السياسية يزيد في الكشف عن عوراته لعدم امتلاكه لرؤية واضحة و أولويات محددة ورهانات للتحقق. الديموقراطية يا سادتي الكرام ليست وسيلة حتى تظلون متشبثين بالحديث عن مشروعية صناديق الاقتراع، بل هي غاية يجب أن نلمس ثمارها على أرض الواقع..
مجرد وجهة نظر و النقاش مفتوح..