مولود بوفلجة/جديد انفو
1- حلقة أخرى من مسلسل مآسي الحج
إن حادثة التدافع التي تلهج بذكرها الألسن لا تشكل استثناء و لا حالة خاصة بل هي مجرد حلقة أخرى من سلسلة الأحداث الدامية التي رافقت الحج و صاحبت حجاجه في السنوات الأخيرة. و للتمثيل فقط فقد مات أكثر من 400 حاج إيراني محتج بعد تدخل عنيف لرجال الأمن السعودي. و في سنة 1990 قضى ما يزيد على 1400 حاج في نفق بمنى على إثر عطل في نظام التهوية. وفي سنة 1997 قتل ما يقارب 400 حاج في حريق شب في خيامهم بمنى دائما. و في سنة 2006 انهار فندق على رؤوس قاطنيه و زادت الحصيلة عن مئة قتيل. فالقاعدة الثابتة إذن هي موت الحجيج في كل موسم و لأسباب متشابهة. و تبقى واقعة الرافعة التي تهاوت على أجساد الحجاح و جعلتهم رميما قبل يوم الحساب شاهدة على التقصير و سوء التدبير من لدن الدولة القائمة على تنظيم موسم الحج.
2- المؤامرة
يستكين المسلمون في كل ما يصيبهم -و هو غالبا من فعل أيديهم- من ضعف أو عي إلى مشجب المؤامرة يعلقون عليه فشلهم الدائم. و لأنه لم يكن هناك سبيل إلي تحميل أعداء الإسلام من الغرب تبعات ما وقع في الحج لأنهم غير معنيين به ،فقد سارعت السعودية إلى تحميل إيران و حجاجها مسؤولية ما وقع و لو كان القذافي حيا لنال حظه من الاتهام لأنه دعا قيد حياته إلى تداول الدول الإسلامية على تنظيم موسم الحج كما دعا إلى جعل الأماكن المقدسة مفتوحة في وجه كل المسلمين.
3-"فقهاء الأمة"
اغلب فقهاء المسلمين ممن يجتهدون في التحليل و التحريم و الإفتاء في الرضاعة و حكم مضاجعة الأموات و وظائف الجزر بلعوا ألسنتهم و لم يمتلكوا جرأة الحديث و إن تحدثوا فلتقديم مواقف مسايرة لرأي حكامهم لذلك أرجعوا الأمر في الحادثتين المشؤومتين –الرافعة و التدافع-إلى المشيئة الإلهية و بشروا الهالكين بالجنة و بأن موتهم بتلك الطريقة المهينة و الحاطة للكرامة الإنسانية هي الشهادة عينها و كأني بهم كانوا يحاربون في قلب إسرائيل ..و ما تلك إلا تبريرات لحجب الحقيقة و التهرب من مواجهة مدن الملح البترولية و عدم القدرة على تحميلها المسؤولية و محاسبتها هي التي تجني ملايير الدولارات من موسم الحج دون ان تسعى إلى حماية أرواح العباد وتهيئة ظروف إقامة صحية لهم.
4- الصور الفاضحة
سلطة الإعلام و حجية الصور المأخوذة من عين المكان و الحدث بكاميرات هواتف الحجاج لم تترك هذه المرة مجالا للتعتيم كما كان يحدث سابقا فصدمت العالم بمشاهد الأجساد المتراكمة و المكومة و بصور الدفن الجماعي كأننا في حرب ضروس. عدسات الحجاج نقلت لنا أيضا معاناة المغاربة و ظروف إقامتهم السيئة التي و صلت حد الشكوى من الجوع و العطش و من افتراش الأرض و التحاف السماء فنظموا وقفة احتجاجية و ليست حَجية. كما فضحت الصور فظاظة حراس الأمن و صفعهم للحجيج و ركلهم و سبهم لهم ، في مشاهد مهينة. كما عاينا عبر صفحات التواصل الاجتماعي ذبح الأضاحي المستوردة بأثمان زهيدة من أستراليا،بطريقة بربرية ،نحن الذين نصر على استهلاك "لحوم حلال "المذبوحة على الطريقة الإسلامية.
5- كثرة الحجاج لم تكن السبب
تحجج المتحججون بأن كثرة عدد الحجيج هي السبب الأول في ما وقع و هي حجة واهية مردودة لأن ملايين البشر و بأعداد هائلة يجتمعون في كثير من دول العالم في ملتقيات رياضية أو فنية و في قداسات دينية دون أن يحصل ما حصل و إن حصل فليس بالحدة ذاتها و تكون الحلول و المخارج أنية و سريعة و سبب ذلك هو امتلاك أولائكلثقافة تدبير الزحام و إستراتيجية تنظيم الحشود البشرية و ثقافة تقبل الأخر و ثقافة تدبير التعايش،و هي أمور تحتاج إلى شعوب واعية متعلمة متسامحة لا إلى أمة ألفت التزاحم و التضارب بالأكتاف و تلاصق الأجساد في الأسواق و الحافلات و في المدارس و في كل مكان.
6- تهافت الحجيج
يتصور الحاج الذاهب إلى مكة أنه سيلاقي هناك بشرا بأخلاق الملائكة و يتوجه غير واع بالمغزى من تواجده هناك و غير مستعد للتعرض للضغط و التعب لمدة زمنية طويلة مما يؤدي إلى عدم ضبط النفس و التحكم فيها مما يجعل الحاج -كما نقلت روايات معاينة -يخرج عن طوعه و عن اتزانه المفترض فيسب و يرفث و يتشابك بالأيدي. فلا يبحث عن الاندماج و الانسجام مع الجماعة كما تقتضي الحكمة من النسك بل يسعى إلى بحث عن ثواب و مغفرة شخصية له قبل كل العالمين، فتنطبق بذلك على كثير من زوار البيت حكاية طريفة رواها الأصمعي عن حاج أعرابي دخل مكة قبل الناس و تمسك بأستار الكعبة و قال :اللهم اغفر لي قبل أن يداهمك الناس
7-لا حزن و لا حداد
سارعت جل الدول الإسلامية إلى تعداد قتلاها بشكل منفرد و قدمت المعلومات و الإفادات بشكل متدرج و بتقنية التقطير للتخفيف من هول الفاجعة و لجعل الناس يستأنسون مع الموت و الفقد و ذاك ما حصل و تحقق فعلا ..فلم يعلن في أي بقعة من بقاع أرض العرب ،في حدود ما علمت عن حداد، أو حزن و ظلت القنوات التلفزية تبث أفلامها و مسلسلاتها و سهراتها هي التي تحزن لأيام و أيام و توقف بثها إذا مات قط أو فأر من بيت آل سعود . و لكم أن تتصوروا الحجم الذي كان سيأخذه الحدث و حجم تغطيته الإعلامية لو أنه وقع في أمريكا أو أوروبا.
8- تضامن المغاربة
نتساءل في السياق ذاته أين اختفت الجمعيات و الهيئات و الإطارات السياسية و الحقوقية و الدينية التي تتضامن مع كل الشعوب و كل القضايا و من أصم لسان الحكومة و أين اختفى الفنانون الذين ارتدوا أجمل الملابس بالأزرق و الأحمر و انبطحوا على بطونهم تضامنا مع الطفل السوري الذي لفظه البحر و أين هم أولائك الذين غنوا تضامنا معه .فغريب أن تتأجج مشاعرهم و مشاعر كل العالم لصورة الطفل و تتكلس و تتجمد تلك الأحاسيس حين يتعلق الأمربموت المئات بالطريقة المعلومة و في المكان الذي تعلمون..
9- الاحتفال بعودة حجاجنا الميامين
رغم موت عدد كبير من الحجاج المغاربة هده السنة فإن العائدين الذين ظفروا بالسلامة و أخطأتهم الرافعة و سلموا من التدافع ،و بمجرد ما وطأت أقدامهم أرض البلد ،نسوا أو تناسوا أنهم خلفوا وراءهم قتلى و مفقودين و انخرطوا في الاحتفالات و الولائم التي لا تختلف عن احتفالات الأعراس دون احترام لمشاعر العائلات المكلومة، منسجمين بذلك مع حكومتهم و تلفزتهم التي تعاملت مع الأمر و كأن شيئا لم يقع و انشغلت بتغطية لعبة الانتخابات بين فائز و راسب و راش و مرتش..
الخارجون عن الإجماع الوطني
للشباب الذين سولت لهم أنفسهم الخروج عن "الإجماع الوطني للصمت" فخرجوا منددين بما وقع في الحج و أعلنوا تضامنهم مع عائلات القتلى و المفقودين فإن الأمن كان لهم بالمرصاد تحت حجة أن وقفتهم غير قانونية و غير مرخص لها فأشبعهم ركلا و ضربا و سبا و إهانة ،في استعمال غير مبرر للقمع و العنف حتى بعد أن انسحب المحتجون . و للذين يحدثونك عن حرية التعبير فالإجابة تقدمها صور عميد الشرطة و هو يسب هذا و يركل ذاك و يلطم تلك على قفاها في سادية مرضية مقيتة.