مولود بوفلجة

تخفي الدولة المغربية ضعفها و تخلفها الذي يعد واقعا لا يرتفع، بحجاب مسميات غامضة ضبابية لا يمكن أن تخفي فراغ جوف الحمار، من قبيل الثروة اللامادية و الرأسمال الرمزي و المخططات بكل الألوان و التنمية بكل التوصيفات. و يسوق المغرب نفسه على أنه بلد محسود على طبيعته و استقراره و طيب عيشه و ريادته عربيا و إفريقيا  و كل من تحدث ووصف الواقع بما فيه و الناس بما فيهم عد حاقدا و حاسدا، إن كان الصوت خارجيا، و عد عدميا و لا وطنيا، إن كان الصوت داخليا. فإما أن تمتدح المغرب أو اصمت. و الواقع هو أن هناك فعلا لبلدنا المغرب أوجه عدة للتفرد:

-  في المغرب فقط يبدأ الإصلاح بالعفو على المفسدين و بغض الطرف عمن تدنست أيديهم بأموال الشعب، سرقة و نهبا، و ينتهي بتفقير عامة الشعب بالزيادة في الأسعار و رفع الضرائب و تجميد الأجور...

-  في المغرب فقط استنفدت كل التجارب والمكونات السياسية يمينا و يسارا ووسطا و استغل الشعب تارة باسم الدين و تارة باسم الاشتراكية و مرات عديدة باسم الوطنية في تناوب مشوه مقيت.

-  في المغرب وحده أصبحت الانتخابات مكرورة رتيبة مملة بنفس الأوجه وبنفس البرامج و الخطابات التي لا يرجى تحققها. انتخابات يكون الفاعل الحقيقي فيها هو المال و الأعيان بمباركة المخزن و حليفته  الأمية.

-  في المغرب وحده قد يتحالف الإسلام مع الشيوعية و قد يتجاوران في المسجد كما في الحانة و في الحج كما في الكنيسة فالكل ملتئم حيث عنت المصلحة.

-  في  المغرب وحده يُقتسم البحر و البر و الرمل  و الجو و توزع المأذونيات على كل من غنى و من رقص و على كل من لعب كرة أو امتطى فرسا  أو  أو .

- في المغرب وحده تتحول قبة البرلمان إلى حلبة للصراع و السب و الشتم و ''تطياح الهدرة'' تارة،و إلى فضاء مكيف للنوم و تبادل كل أطراف الحديث و ''الشاط ''

-  في المغرب وحده قد تتفحم جثث الأطفال في الحافلات التي اشتعلت فيها النيران  و تستمر حفلات الغناء و الشطيح في تلفزتنا و تُقيد القضية ضد الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .

- في المغرب وحده تلد النساء في الشوارع و في أبواب المستشفيات و في طرونزيتات النقل القروي  و يصاب الأطفال و الشيوخ بأمراض بدائية تصيب وزيرة بنوبة ضحك هستيرية.

-  في المغرب فقط أصبح للفساد حاميه و المدافعين عنه من كل فئات الشعب فأصبحت المحسوبية  مطلبا يتمنى كل شخص ألا يعوزه وقت الحاجة و الرشوة حلاوة لا تفسد للدين و لا للمروءة قضية و أصبحت الانتهازية و الغش شطارة و نباهة و'' تمعلميت''.

-  في المغرب فقط  يستيقظ المواطن مع كل إشراقة صباح على زيادات في أسعار خبزه و زيته و حليب أطفاله دون أن يحرك ساكنا .فيلجأ إلى تدبير أزمته بالتقشف بدلا عن الأغنياء الذين يزدادون غنى و بدلا عن الدولة المصونة التي تدعي حماية مصلحته و استقراره.

-  في المغرب وحده يموت المناضل مضربا عن الطعام لرفع حيف أو ظلم و يلاقي النسيان من الأقرباء قبل الدولة و يموت ميتة المنسيين في جنازة بئيسة و تخلذ ذكرى مأتمه في برود  أكبر من المأتم.

-  في المغرب وحده قد يتخلى المرء عن كل تاريخه النضالي و عن سنوات جمر و قهر قضاها في السجون و يتقاضى مقابلها نقد مصالحة كاش أو منصبا يدر النقد دون أن يطالب بمحاسبة المسؤولين عن محنته.

-  في المغرب فقط يخرج المناضلون لنصرة فلسطين و العراق و اليونان و الموزنبيق و لا يحركهم قمع الدولة و لا تجويع الشعب و لا استشراء الفساد و لا غلاء الأسعار. في الوطن الحبيب يتوحد الناس لنصرة صاحبة تنورة أو مثلي  أو لقتل سارق دجاجة و يتخلفون في حال الاختلالات الكبرى  و اختلاسات الملايير.

- في المغرب فقط شاخت النقابات و فرخت ''نقيبات'' و أصبحت خاضعة طيعة مهرولة لا تمتلك رغبة أكيدة في الفعل و الرفض و أصبح قادتها بل قل شيوخها على استعداد لمواجهة دعاة التغيير من المناضلين قبل مجابهة المخزن..

-  في المغرب وحده مات المثقف وأصبح انتهازيا متجاوزا يسكن برج تخصصه العاجي يعمر المقهى أو الحانة أو المسجد يسبح بنعمة ربه وحمده.

- في المغرب وحده انفردت كل بلدة و مدينة بمهرجانها و كان لكل حيوان و فاكهة موسمها فللحمار يومه و للفرس أسبوعه و للطبل عيده و للغيطة و الطّر أيامهما التي لا تنقضي .

- في المغرب و حده تخلت الدولة عن دعم كل ما يرتبط بقوت المواطن الفقير لتتفرغ لدعم الأفلام الخليعة و مسرحيات كولو العام زين و مهرجانات العري و رياضات الهزائم ..

-  في المغرب وحده استعمرت كل القنوات التلفزية بالبرامج التافهة و السهرات البذيئة و برامج الطبخ المستفزة و مسلسلات الترك و المكسيك بآلاف الحلقات عن الحب لشعب لم يحقق الاكتفاء الخبزي.

- المغرب وحده ،''الله إعْمْرْها دار''، دون بلاد العرب و العجم،يشكل قبلة للراقصين و الراقصات و المغنين و المغنيات و الممثلين و الممثلات على طول أيام السنة ليعمروا جيوبهم بأموال الجياع مقابل دقائق معدودة على المنصات المبثوثة على طول خريطة الوطن

-  رغم كل ذلك و رغم أمور عدة لم يتسع المجال لذكرها ففي المغرب وحده استطاعت الدولة أن تقنع عددا من رعاياها أنهم يعيشون في أجمل بلد في العالم و استطاعت أن تقنع عددا من الذين يعيشون في هوامش القرى النائية خارج التاريخ بدون ماء ولا كهرباء ولا طريق و لا مستشفى ... أنهم ينعمون بنعمة الاستقرار...  

      هي مجرد وجهة نظر لن يشاطرني إياها كثيرون من أبنائك يا وطني