لا يفوت المخزن في المغرب المناسبات الدينية دون استغلالها و توظيفها لترسيخ سياسته و تحقيق مراميه في بسط سطوته و سلطته المطلقة بحضوره و تحكمه في كل جزئيات الحياة اليومية ‘’لرعاياه” فالمخزن حاضر بامتياز في شهر رمضان من خلال إعلامه المسخر و من خلال منابر المساجد و ندوات التضليل و رشاوى الإفطار و قفة المذلة…
1-الإعلام في خدمة الإخضاع و التبليد
في كل شهر رمضان تطالعنا قنوات التلفزة المغربية - وكلها رسمية في خدمة المخزن - بسيل من الإنتاجات المسماة درامية أو كوميدية بغرض التسلية و الترفيه، و هي تفتقد لكل شروط العمل الفني الهادف لأنها طبخت على عجل و تحت طلب المستشهرين، فيعلن الشهر شهر تفاهة و ضحك على الذقون و دعوة إلى لإقبال على الاستهلاك و الأكل و التبضع و تسليم مصير العباد إلى أباطرة العقار و صناع وهم الفوز بالسيارات و الشقق و الذهب.
إن تكثيف الأعمال المسماة فنية في رمضان، و بأوجه مملة مكررة تحاصرك كلما وليت وجهك صوب صندوق العجب، غايته التبليد و شغل الناس بتوافه الأمور و صرفهم عن قضاياهم الحقيقية .فلا حضور لمواضيع الساعة كالإرهاب و الفقر و العطالة و الرشوة و الفساد و المحسوبية و هلم جرا. وما خلق قضايا واهية كصاية انزكان و مثلي فاس إلا جزء من هذه اللعبة التي تتفنن الدولة في اصطناعها بغرض الإلهاء. و البرامج التلفزية على تفاهتها تشكل ضرعا حلوبا تستفيد منه جماعة محصورة تستغل المناسبة لملء جيوبها من مال العامة. فدقائق من لعب الأطفال في ”بلادة الخواسر” و” الصالون” و” نايضة و هي ما نايضاش ” و أغاني مبتذلة طوعت لتصبح وصلات إشهارية لترويج منتوجات مصاصي الدماء و أباطرة المال ، تكلف الملايين في عملية إهدار لمال الشعب و صرفه لجماعة من الانتهازيين مقابل الاستخفاف بالقيم و الأخلاق و الفن في حد ذاته..
2-أبواق المخزن في رمضان:
شهر رمضان هو شهر تعبد بامتياز يعمر الناس فيه المساجد للاستماع إلى دروس الوعظ و الارشاد فتجند الدولة أئمتها و وعاظها الذين تحرص على اختيارهم وفق مواصفات الطاعة و الانصياع ، فيجدون ما استطاعوا ، في دعوة الناس إلى الصلاة و قيام الليل و يذكرونهم بفضل تعجيل الفطور و تأخير السحور، كأن الناس تصوم لأول مرة .و يذكرونهم أيضا بفضل نعمة الاستقرارو بضرورة السعي إلى الحفاظ عليه بالصبر و القناعة و طاعة اولي الأمر، دون أن تجد أثرا في هذه الدروس إلى ضرورة المطالبة بالحقوق و تحقيق العدل و العيش الكريم و توزيع الثروة بما يضمن المساواة بين الناس في الصوم و الإفطار ليكون العيد عيدا عند الجميع لا مناسبة للإحساس بالغبن و التمايز الطبقي.
جماعة من الأطباء بدورهم، ومن برجهم العاجي، يملؤون الفضاء الإعلامي يوجهون النصائح حول الصيام الصحي و ما يجب أن نأكله و ما لا يجب أن نأكله فيؤكدون في نكت سخيفة لشعب من الفقراء المعوزين على ضرورة الإكثار من الفواكه و الحليب و عصير الفواكه و التمر و العسل… فلينزلوا الى أحزمة الفقر و قرى الفاقة في كل أنحاء هذا الوطن ليخبروا المفارقة و ليلامسوا شروط الصيام و واقع الإفطار و حاجة الناس إلى الطعام و إقبالهم على الصوم و حزم البطن في رمضان و في غير رمضان.
3-المخزن كافل الصدقة و الإحسان
يقدم المخزن نفسه في كل الأوقات ، و خاصة في شهر رمضان، في ثوب الكريم المعطاء الساهر على هناء و راحة الرعايا و يختصر الرعاية الاجتماعية في قفة السكر و الزيت و الطحين تكريسا لرعايته للإحسان و الصدقة و مأسسته للتسول و مد اليد و انتظار العطية. فتتنصل الدولة من مسؤولياتها في التشغيل و محاربة الفقر و الهشاشة .. و ينافس”اصحاب الشكارة” المخزن في إعداد موائد الافطار الجماعية سعيا من الجميع إلى تبييض السيئات المتراكمة و إلى إعداد كتلة انتخابية تبيع أصواتها مقابل وهم الإطعام و الاستقرار المزعوم. و تخلع الأقنعة بانقضاء شهر الغفران و تعود الوجوه إلى سابق عهدها استغلالا و تسخيرا و تفقيرا.
4-المراقبة الرمضانية للأسعار و المواد الغدائية
في رمضان شهر البطنة و التبضع و الغفران تتجند الدولة في المراقبة و الكشف على المواد الغذائية الفاسدة التي تملأ المخازن، و تتكفل بمراقبة الأسعار ومراقبة المنتوجات الموحهة إلى الأسواق ، و الأمر في غاية السخافة و السخرية و الخطورة لأن الحرص على سلامة المواطنين أصبح مرتبطا بشهر واحد في السنة و في ما خلاه من الأشهر يكون ترويج المواد الفاسدة مباحا .و الحقيقة الصريحة هي أن السواد الأعظم من هذا الشعب لا يقبل على مواد أساسية كالحليب و العصير و التمر و غيرها إلا في رمضان و يكتفون في سائر أيامهم بما يسد الرمق من خبز و مرق حاف.
كل رمضان و أنتم بخير
للفقراء الذين صاموا رمضان ايمانا و احتسابا و استفاضوا في الأكل و الشرب نقول إن رمضان ليس سوى الشهر الأول من أشهر الانفاق فبعده عيد الفطر و العطلة و الدخول المدرسي و عيد الأضحى و انتظروا هذه المرة من المخزن وحكومته وتباعه أن يجودوا عليكم بكبش سمين أملح سيرا على نهج قفة القالب.