مولود بوفلجة - تنغير / جديد انفو

 أخيرا انتهت  الامتحانات مع ما صاحبها من جدل و اختلال عرى المستور، و كشفت التسريبات أن مطمح تكافؤ الفرص بين التلاميذ أصبح من الصعب تحققه . فتسريب الامتحان و إتاحته لمترشحين دون آخرين هو وجه من أوجه الفساد الذي ينخر المنظومة التعليمة و الذي تحميه و تستفيد منه التماسيح و العفاريت.فلم تعد هناك مصداقية لعملية التقويم على أهميتها و دورها الحاسم في تحديد مستقبل التلاميذ و تحديد  المدارس و المعاهد التي سيلجونها و المناصب التي سيشغلونها.و قد أطلعنا الإعلام على أن الغش في الامتحان أصبح مطلبا شعبيا لدى كثير من الآباء و التلاميذ على حد سواء و حقا مكتسبا لا يمكن التنازل عنه ،لذلك ينخرط الجميع في إبداع أشكال و طرائق جديدة للاستفادة من هذا الحق.

   لقد كشف التقدم التكنولوجي و الاعلامي عورة تعليمنا و أصبح ما كان يتم في الخفاء و بين فئات محدودة محظوظة معمما ،فتحققت بذلك ديمقراطية الاستفادة من الغش و الامتحانات المسربة بين كل من يرتاد عالم الانترنيت ،و عجزت الوزارة الوصية عن تنظيم الامتحان في ظروف صحية رغما إعمالها للمقاربة الزجرية و رغم استعانتها بجهاز كاشف المعادن العجيب كأننا في منجم لاستخراج الذهب أو الفضة ،فلم يبق أمامها إلا دس رأسها في الرمل.

   خصوصيات التسريب هذه السنة تتجلى في أن المتهم الأول فيه هو الإدارة ذاتها لذلك لم تجد الوزارة بدا من إعادة امتحان مادة الرياضيات التي كانت متاحة للجميع على صفحات الفضاء الأزرق ساعات قبل اجتياز الامتحان ،و لم تجد حلا سوى الاعتراف بالواقعة و بعجزها عن تنظيم الاستحقاق بما يضمن تكافؤ الفرص و يعطي لشهادة البكالوريا المصداقية و القيمة الأدبية المفترضة فيها. و أصبح القائمون على الإجراء في وضع كاريكاتوري مخجل و هم يفتحون الأظرفة و يوقعون محاضر التأكد من كونها محكمة الإغلاق ،و التلاميذ يعلمون علم اليقين أن الأسئلة قد باتت بين أحضانهم منذ البارحة. و لكم أن تتصوروا نفسية أولائك المجدين الذين يحاولون الاعتماد على مؤهلاتهم بعد علمهم بالخبر .

   وبعد تأكيدها مضطرة الخبر، وعدت الحكومة،كما هو الحال كلما حل خطب بهذا الشعب،بفتح تحقيق و بالضرب على يد كل من سولت له نفسه المس بأمن الوطن، و اعتبرت العملية مؤامرة سياسية مقصودة للمس باستقرار بلد الاستثناء..و مسار التحقيقات في المغرب معروف حتى قبل بدايتها ،فقد تسجل القضية ضد مجهول أو ميت أو يعلق كبش فداء و يسلخ أمام الملإ و تستمر الحياة  كأن شيئا لم يكن ،عند شعب ذاكرته قصيرة  قاصرة ،و لا يهمه من الحدث إلا لحظات التشويق ،و لنا أمثلة جلية في تحقيقات الفواجع و الفضائح المتناسلة التي عشناها مؤخرا و التي  سرعان ما يلفها النسيان و لا يحس بها إلا من اكتوى بنارها عن قرب..فالملاحظ أن هناك إعداد للرأي العام لتقبل أن المسئول عن التسريبات هو الأستاذ رغم أن المعطيات تؤكد غير ذلك. فالأستاذ هو اخر من يتوصل بأسئلة الامتحان و هو عندهم موضع شك و شبهة دائمة إلى درجة أن الأستاذ المداوم نفسه لا يطلع على الأسئلة و يوقع على ظرف مغلق لا يمكن فتحه إلا في حال اتصال من الأكاديمية في حال اكتشاف ما يستدعي التدخل.فرغم أن الأستاذ هو العنصر المحوري في العملية التعليمية و في محطة الامتحانات خصوصا:فهو مقدم المادة الأولية و ميسر فهمها للتلاميذ ،و هو واضع الامتحان، و هو المراقب، و هو المداوم ،و هو المصحح ،و هو الأكثر حرصا على نجاح العملية إلا أن الاصرار دائم على أن يكون هو المتهم الأول و الأخير عند كل فشل أو اختلال،رغم أنه لا يتلقى تعويضا في كل أطوار العملية إلا على التصحيح إن كان من المصححين.

و الخطير في الأمر في واقعة خميس الرياضيات المعلوم هو أن قرار إعادة الامتحان خلف ارتياحا بين التلاميذ و أولياء أمرهم و كان الفرح كبيرا بالتخلص من صعوبة الامتحان المسرب الذي عوض بامتحان سهل للترضية و جبر الخواطر و إخماد الاحتجاج . و تحور النقاش و لم يعد من المهم الكشف عن المسئول عن الفضيحة، و لم يعد أحد يسأل عن إمكانية أن تكون قد سربت مواد أخرى في نطاق محدود.و الأمر يعكس انتهازية و أنانية واضحة للإنسان المغربي تعكسها سطحية نظرته للواقع و شخصنته لقضية عامة من خلال سعيه إلى تغليب مصلحته الشخصية و التطبيع مع الفساد و اعتباره قدرا مغربيا محتوما ،فأصبح كل واحد منا يبحث لنفسه عن مركب  نجاة يوصله بمفرده إلى ساحل آمن و ليكتسح الطوفان الأرض و من عليها بعد ذلك.