عاد رشدي لينضم إلى "أولاد الدرب" من جديد ، ويلعب معهم كما كان يلعب من قبل ، و منهم من اعتبر العود محمودا ، فرحب به عضوا جديدا قديما في الفريق ، ومنهم من اعتبر عوده منبوذا : ـ لا ، لم يعد لك مكان بيننا ، فأنت أكبر منا ،"سير يا صاحبي تلعب مع أقرانك "...
ـ ما رأيكم أن نلعب "حابلة" ؟ قال لهم ، بعد أن أسند محفظته إلى أحد الجدران .
ضحكوا جميعا لهذا السؤال .
ـ لا شك أنك نسيت لعبة "حابلة" ياصاحبي ، ولا بأس أن نذكرك بها . إن "حابلة" يا صاحبي لا تلعب حتى آخر اللقاء ، وهي اللعبة التي نختم بها لعبنا ، وننهي بها لقاءنا ، ونفرق بها جمعنا ، نلعبها عندما يريد كل واحد منا أن يذهب إلى منزله ، فنستغلها فرصة للمراوغة ،والهروب ، و إلحاق الهزيمة بالآخر ، وإلصاق التهمة به ، وكأننا نقول لمن لا يستطيع أن يرد "حابلة" للآخر : إنك ضعيف ، وإنك تتحمل جميع الأخطاء التي قد تكون ارتكبت أثناء الإجتماع ، واللعب ...
ـ دعنا نلعب أولا ، ثم نختم بلعبة "حابلة" ، قال آخر .
........
لم يخضع "لقانون اللعب في الدرب "، ولم ينصع لقول الأطفال الآخرين ، فاستغل لحظة غفلة بعضهم ، وانقض على ظهورهم ، لامسا إياها بيده ، "حابلة" ، "حابلة" ...وفر هاربا منهم ، تبعوه جميعا ليردوا "حابلة" ... دلف إلى منزله ، وأوصد الباب خلفه بسرعة لكي لا يصل إليه أحد منهم ...
بحث عن محفظته ، فلم يجدها ، سأل إخوانه وأخواته ، عسى أن يرشده أحدهم إليها ، لم يهتد إلى ما يريد ... أطل من الشرفة ، رأى المحفظة مرمية " في الزنقة" ، فصاح مخاطبا إخوته : من منكم أسقط المحفظة ؟ لا شك أن منكم من تعمد إسقاطها ، فقد وضعتها بيدي هنا عالية في الشرفة ، ولم تكن لتسقط لو لم يتعمد ذلك أحد منكم ، إذن فلينزل من أسقطها فينتشلها ، ويأتيني بها ، قبل أن تدوسها الأرجل ...
ـ أنت السبب في سقوطها ، لأنك أهملتها ، ولو تأبطتها ، أو ضممتها إلى صدرك ، ووضعتها في المكان اللائق بها ، ما سقطت ، وما ضاعت ...
ـ المهم الآن أنها سقطت ، وضاعت ، وبما أن لا أحد يريد الإعتراف بأنه هو السبب في ذلك، فما رأيكم أن نلعب "حابلة" لتحديد صاحب الفعلة ، وتحميله مسؤولية انتشال المحفظة ...
ما ان أنهى كلامه حتى بادر بلمس ظهر أخيه :"حابلة" ، وفر للإختباء في إحدى الغرف . تبعه أخوه للرد ، لم يفلح مد يده إلى ظهر أخته القريبة منه : "حابلة" ، تبعته للرد ... ركضوا بين الغرف ، وتدافعوا ، وكل واحد منهم يحاول وضع يده على الآخر محملا إياه مسؤولية إسقاط المحفظة ، وفي نفس الوقت الهروب والمراوغة ، وتحاشي أن يلمسه الآخر على ظهره ، مما يعني إلصاق التهمة به ... تحول البيت إلى ملعب للجري والمراوغة من طرف جميع الإخوة والأخوات ، وكلمة "حابلة" تعلو في الفضاء ... والمحفظة ساقطة في "الزنقة" ، ولا أحد منهم يبادر بانتشالها منها...
تدخلت الأم لإيقاف الفوضى السائدة : ـ ما هذا يا أولاد ؟ أليست لكم دروس تراجعونها ؟ أليست لكم تمارين تنجزونها ؟ ماذا تقولون غدا أمام أقرانكم عندما تقفون أمامهم بين أيدي أساتذتكم ؟ ...
لم يعيروها اهتماما ، إستمروا في لعبهم ...
أعياه الجري وأحس بتثاقل رجليه ، وعدم قدرتهما على الجري والتقدم ، وكأنهما ملتصقتان بالأرض ، وأخوه يجري خلفه ،و يقترب منه ... شعر بالخوف من أن تلصق به تهمة إسقاط المحفظة ...
إستيقظ مذعورا من وقوع يد أمه على ظهره مربتة موقظة إياه ، بعد أن ربتت على ظهور جميع الإخوة ، وهي تحمل المحفظة : قم يا بني لتذهب إلى المدرسة ، فقد مضى الوقت ، وذهب أقرانك يحملون محافظهم ، ولم يبق لذيك وقت للنوم .