ذهب إلى الحمام، كعادته نهاية الأسبوع ، يوم الأحد ، لينظف جسمه مما علق به من أوساخ ، ويعرضه لحرارة تساعد على الإرتخاء ، وتزيل عنه آثار البرودة وتقلص الأعضاء ، وتزيل عنه الزوائد والدهنيات ، بعرق ينساب من المسام الجلدية دون عناء ... حتى يستقبل أسبوعا جديدا بحيوية ونشاط ، ومحيى يعلوه البهاء ... رجع من الحمام ، إستلقى على الفراش للإستراحة ، والنوم ... أحس بوخزات خفيفة تصيب أماكن مختلفة من جسده ، حاول تهدئتها بتمرير أظافره عليها بالحك ، لإيقاف ما تحدثه من إزعاج له ... زادت حدتها مع ازدياد الحك ، عمت جميع جسده الذي بدأ يتحرك بكامله كأنه راقص هزته أنغام موسيقية تسربت إلى مسامعه لتحدث ارتجاجا إيقاعيا في جسده ، ويستشعر لذة تخفيف ما به بفعل احتكاك الجسد بما يليه من الملابس ، والتوائه ذات اليمين وذات الشمال ...
طال ليله ، ولم يغمض جفنه ، ولا توقف "رقصه" ، وتباطأ صبحه ، حتى ظن أن الليل قد حل به ليل آخر ، وأن يوما جديدا قد حل من دون نهار ، وتثاقلت ساعته ، وبات يعد الدقائق والساعات ، عل الصبح ينبلج ، ليبعث في الكائنات الحياة ، ليجد من يشاطره همه ، ويذهب إلى طبيب يشكو له ألمه ، ويعرض عليه نفسه للعلاج من "الحكة" التي عمت جلده ، وأذهبت نومه ...
ـ لا شك أن العدوى انتقلت إليك من الحمام ، قال له الطبيب ، بعد أن ألقى نظرة على جسده الذي علته بقع غير عادية سببت له "الحكة" ... وصف له دواء يستعمله طيلة أسبوع كامل على الأقل ، ونصحه بغسل جسده كاملا يوميا بالماء والصابون ...
حرص على تطبيق النصيحة بحزم وأخذ الدواء طيلة الأسبوع . لم يظهر له تحسن ولا شفاء ...
ـ عليك بالذهاب إلى "السيدة عائشة " ، فإن لها باعا طويلا ، وخبرة كبيرة في علاج مثل هذه الأمراض بأعشاب طبيعية ، وخلطات تحضرها هي نفسها ... نصحته أمه .
ـ كيف تعالج عائشة ، المرأة الأمية ، ما عجز عن معالجته الطبيب الذي قضى حياته يدرس ، واختص في الطب ...؟ سأذهب إلى طبيب آخر ، عل الشفاء يأتي على يديه ، بوصفه دواء آخر...
ـ جرب يابني .
ـ عليك باجتناب الغسل حتى تشفى ، فهذا المرض ينتقل ، ويتوسع في الجسد بالماء ، قالت السيدة عائشة . وقف حائرا ، ما العمل ؟ هل يعتمد نصيحة الطبيب ، ويواظب على الغسل يوميا ، أم يتبع نصيحة السيدة عائشة ، ويجتنب ملامسة الماء لجسده حتى يشفى ؟
أخذ الخلطة التى حضرت عائشة بيدها من نباتات طبيعية ، وذهب إلى منزله ، وسؤال الحيرة بين الأخذ بنصيحة الطبيب ، أو اتباع نصيحة السيدة عائشة مسيطر على عقله .
"جرب يا بني "... ـ سأجرب فالحياة كلها تجارب ، وقد جربت الطب الحديث ، ولم أر نتيجة تذكر ، ولا بأس أن أجرب الطب التقليدي الشعبي عله يحقق ما لم يحققه الأول ، فأنا الآن في حالة ضعف ، ولا بأس أن أخضع جسدي لكل التجارب ، حتى يشفى إن شاء الله ، ولابد من الصبر على ذلك ...
ترك علب الدواء المتبقية من وصفة الطبيب جانبا ، وترك نصيحته ، وبدأ في استعمال "خلطة السيدة عائشة" إلى أن نفدت ونفد معها صبره ، وضاق صدره ، وقل في الشفاء أمله ، وزاد إشفاق أسرته لحاله ، فصار كل واحد يبحث ويسأل عن خبير أو مجرب ، يشفيه من سقمه ...
عليك ب "الحاج علي" يابني ، قال له والده ، فقد سمعت بأنه يداوي مثل هذه الأمراض الجلدية بمجرد البصاق عليها ، وحكى له عن عدة حالات ، كان فيها الشفاء على يديه ، وأنه لايكلف شيئا ، ولا يشترط أجرا محددا مقابل عمله ، بل يكتفي ب "ملح اليد " فقط .
لم يجد بدا من الذهاب إلى القرية التي يوجد بها الحاج علي ، ولو أنه غير مقتنع تماما ، ولكنه قطع على نفسه أن يخضع جسده لكل التجارب أملا في الشفاء ، إذ لاخيار له ، ولا بديل ...
أحضر الحاج علي الفلاح البدوي البسيط لوازم إعداد الشاي : "صينية" مرجل ...، ترحيبا بالضيف المريض ، وضع الماء يغلي على الجمر ... لابأس عليك يا بني ،قال ، بعد أن ألقى نظرة على ظهره وبطنه ... هذه بسيطة ، ستشفى عاجلا إن شاء الله . خرج من الغرفة لمدة ، ثم عاد يحمل سكينا حرك به سكنه ، وأثار عدة أسئلة بذهنه ، لكن دون أن يجرؤ على السؤال : ماذا يفعل هذا ؟ لماذا هذا السكين ؟ هل يريد تنقية جلدي كما تنقى الأسماك من حراشفها ؟ لم يقل أبي أنه يستعمل السكين . قال لي يكتفي بالبصاق فقط ... وضع الحاج علي السكين على الجمر ووضع هو عينه على السكين ، ويده على قلبه ، فكر في الإعتذار ، والإنسحاب ... بدأت الحمرة تعلو السكين من شدة الحرارة ، وبدأ العرق يعلو جبينه من شدة الخوف ، بينما الحاج علي منشغل بتحضير الشاي لضيفه ...
ـ خذ يابني ، مقدما له كأس شاي ، إشرب الشاي في انتظار أن يحمرالسكين أكثر ، مد يدا مرتجفة ليتناول الكأس ، وعينه لا تفارق السكين ، ولسان حاله يقول : "من أين سيمر الشاي "؟ فقد انسد كل شيء في الجسد ، وتوقف ، وصار متأهبا لما سيفعل به بهذا السكين . مد الحاج علي يده اليسرى إلى ظهره يعريه من الملابس ، ويده اليمنى إلى السكين متأملا احمراره ... توقفت أنفاسه ، واقشعر جلده ، دون أن تغادر السكين عينه ...
ـ لا تخف يا بني ، باسم الله ، مرر الحاج علي لسانه على السكين "لحسها" على شدة احمرارها ، أمطر جلده رذاذا ناريا حارقا ، عاود العملية مرات عديدة ، حتى غطى جميع الأماكن المصابة باللعاب ... خلط لعابه بالحناء ، وأعطاه هذه الخلطة ليداوم على استعمالها طلاء على كل الأماكن المصابة ...
بدأت علامات الشفاء من الله تظهربعد أيام ، بعد أن أخذ بالأسباب المتناقضة ، دون أن يدري أيها كان سببا حقيقيا للشفاء ، أم أنه كان لابد من اجتماعها كلها لشفائه من "الحكة" وإزعاجها .