العرس في تقاليدنا العريقة هو احتفال أسري، يتم غالبا في فصل الصيف وقد لا يخرج عن هذا التوقيت إلا لماما و تختلف مظاهره من منطقة لأخرى ، إلا أن القاسم المشترك بينها تلك الحفلات و الطقوس والولائم التي تقام تعبيرا عن الفرح بالمناسبة.


و اختيار هذا التوقيت بالضبط لم يكن أبدا من قبيل الصدفة، بل هو اختيار موضوعي لارتباطه أولا بالطقس الذي يسمح بذلك وتوفر الغلات في الغابة التي تساعد على تنظيم الولائم، ومما يزيده موضوعية،اعتبار الفصل محطة للفرحة بحصيلة عمل دام تسعة أشهر مرت أطواره عبر الحرث وجني التمور في فصل الخريف و جني الزيتون في الشتاء و الاعتناء بالمزروعات والبهائم في فصل الربيع وانتهاء بموسم الحصاد، ليخلد الجميع لاستجماع الأنفاس وأخذ قسط من الراحة.


إن المتمعن في طريقة تنظيم العرس سابقا، يدرك أن الحفل بقدر ما هو مرتبط بالحدث بالدرجة الأولى ، بقدر ما هو تعبير عن فرح الأسرة بحصيلة عملها الذي امتد وفق مقاربة التدبير بالنتائج ،عبر تنفيذ برنامج سنوي وعمل شاق تجند له الكل ليتوج بهذا الحدث الكبير في تاريخ العائلة، فتكون مؤشرات التنمية في هذا المجال واضحة: ارتباط حميمي بالأرض واعتزاز بالانتماء ، امتداد أسري وعائلي ، تماسك أسري و اجتماعي ، انخراط قوي في معالجة قضايا المجتمع الصغير ونبل الأخلاق.
و في زمننا هذا تعددت القضايا المجتمعية وتعددت معها الاحتفالات بالأيام الوطنية والدولية، التي تسعى من خلالها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية إلى إكساب المواطن القيم الدينية والوطنية وقيم التسامح والتضامن وترسيخ الوعي لديه وتكريس المبادئ والقيم المتعارف عليها وطنيا وكونيا.


وفي سياق بلوغ هذه الأهداف،يفترض من جميع الهيئات المناصرة للقضايا الإنسانية أن تعمل جاهدة لوضع برامج سنوية قبلية تندرج ضمن برامجها السنوية، تحتوي على أنشطة متنوعة مرتبطة بمواضيع الأيام المحتفى بها يتم نفيذها وفق آليات ومناهج علمية، ليكون موعد اليوم المحتفى به موعدا لتقديم الحصيلة السنوية ،وإضفاء الطابع الاحتفالي عليه.


و برؤية متأنية عن شكل احتفالاتنا – مؤسسات وجمعيات-بهذه المناسبات، وباقترابنا من تخليد اليوم الوطني للسلامة الطرقية – كنموذج- الذي يصادف الثامن عشر من شهر فبراير من كل سنة،نسائل أنفسنا ماذا أعددنا لهذا اليوم كما لغيره من الأيام؟


- كم عدد الأنشطة المنجزة في الموضوع خلال السنة؟


- ما هي الفئات والنقط المستهدفة من هذه الأنشطة؟

 

- هل مؤشرات التنمية واضحة في هذا المجال؟


- هل تقلص عدد ضحايا الطرق؟


- هل مؤشرات الوعي بالسلامة الطرقية لدى المواطنين أصبحت ملموسة؟


- هل الدولة من خلال تطويرها للبنية التحتية تواكب تطور الحظيرة الوطنية من المركبات والدراجات ؟


أسئلة كثيرة والإجابة عنها واضحة : استعراض ومزايدات وأنشطة غير محسوبة النتائج في هذه المناسبة الوطنية، مما يجعل حصيلة اشتغالنا في المجال تدب دبيبا حلزونيا ليبقى مجتمعنا يعاني من: استمرار حرب الطرق: قتلى ، جرحى، يتامى ،لتنتهي هذه المظاهر المقززة عند تعطيل للتنمية... أمور تدعونا جميعا لمراجعة آليات مناولاتنا لمثل هذه المناسبات بوضع برامج دقيقة ممتدة على طول السنة وتوظيف وسائل للإنجاز ومناهج علمية تفضي لتقييم واضح للنتائج ، حتى يكون اليوم المحتفى به محطة نعلن فيه فرحنا بما حققناه من نتائج بإقامة الأعراس والولائم إسوة بأعراسنا التقليدية.