مولود بوفلجة - تنغير / جديد أنفو
لا تخلو جلسات المغاربة من الحديث عن الأحوال الجوية و تقلباتها و معاناتهم مع إشراق الشارقة أو إبراق البارقة و هم يتفننون في تصوير ذلك بخلق الصور الجميلة و الاستعارات المعبرة فالحر قد يجعل الحمير ترعف في الرشيدية و قد يفجر و ''يطرطق'' العصافير في زاكورة و البرد عندهم أو ''السمقلي'' كما يسمونه عند اشتداده مرادف للسم القاتل و منهم من يشبه لفحاته على الوجوه ب''الزيزوارات'' المتطايرة التي تلسع الوجوه و الوجنات..
و لسكان الهوامش من شوامخ الأطلس و الريف و سفوحهما حكايات أقرب إلى الخيال مع الشتاء هذا الضيف الثقيل الذي يلج البيوت و الأبدان بغير استئذان لينفث البرد و الارتعاد و اصطكاك الأسنان في أوساط من لا يتوفرون على لباس و لا رياش .. يذكرني هذا الفصل الشاعري و الكئيب في نفس الآن بأيام ''الشوطا و إفوروسن ''و برحلة الشتاء و الصيف للطلبة في نزوحهم إلى مدن الجامعات حيث قد تنقطع بهم السبل و تحاصرهم الثلوج في حجيرة أو زايدة أو تيشكا و يحدثونك عن مغرب تكافؤ الفرص.
ذكر لي صديقي سعيد أن الأطفال في امسمرير كانوا يدفنون أحذيتهم من'' الميكا ''في روث البهائم في زريبة المنزل لتكون دافئة يمكن انتعالها صباحا و لكم أن تتصوروا معاناة تلميذ يبدأ يومه بالنبش في ''الغبار''.. و حدثني الأستاذ إبراهيم و هو يسترجع أيام صباه بتعلالين موطن عدي أو بيهي ومعتقل تزمامارت الرهيب.أن التلاميذ الصغار بعد قطعهم للنهر الذي يفصلهم عن المدرسة يتبول الواحد منهم على أرجل الأخر بحثا عن الدفء..هي صور ليست من المسخ الكافكاوي بل من واقع التهميش و المعاناة و النسيان في مغرب الاستقلال التي لازالت العديد من قراه تعيش البداوة و البدائية و العزلة التي تزداد حدتها كلما حل الشتاء ليعيش الناس على معونات زيت و السكر لا يسمن من جوع و أغطية لا تقي من برد و مستشفيات ميدانية لا تشفي من داء في احتفالية من و عطاء مهينة للكرامة و الإنسانية
البرد هو عدو الفقراء الأول لارتفاع الحاجة فيه إلى الطعام و الملبس و قديما سمى العرب الشتاء بالفاضح و هو كذلك لأنه كاشف لفاقتهم و لإهمال أصحاب الحل و العقد من القائمين على أمورهم.. فالصيف عند الفقير بؤس و الشتاء أذى
و تبقى النار هي فاكهة الشتاء المفضلة و خير دافع للقر الذي يستوطن الضلوع لكنها مطلب لا يدرك عند غالبية المغاربة الذين يسأل بعضهم الأخر عما يفعله مع زمهرير هذه الأيام.فمع ارتفاع أثمنة الحطب و ارتفاع فاتورة الكهرباء يتكور المغاربة في الأغطية أما ''الفورنو'' و المكيف فغاية لا تدرك لأن الوقاية و الصبر على البرد خير من كي و علاج الفواتير و لهيب ثمن الحطب..في قرى العزلة و التهميش و الفقر و النسيان يحاصرك البرد أينما وليت وجهك في البيت في المدرسة في المسجد في كل مكان و تصبح الحياة رتابة و مكابدة و يصبح السفر و الحركة ضربا من المخاطرة و يعز القوت و تقل المئونة و تتفشى أمراض الشتاء و تتعطل الدراسة و إن استمرت فما تنتظر من تلميذ ينصت إلى بزبزة أصابعه و اصطكاك أسنانه و المعلم المسكين يحدثه مرغما عن حب الوطن و عن جمال الثلوج و خيرات الأمطار و الهواطل وعم حقوق الانسان والحيوان في بلد أصبحت الخلائق تموت فيه واقفة متجمدة.
ملحوظة:إذا كان للبرد و الثلج و شدة الحرارة فضل على المغرب المنسي فهو في كونه تصبح محط حديث الإعلام الرسمي في الأخبار و النشرات الجوية و المعونات ..و من غريب المفارقة أن من يحدثكم عن البرد هم أولائك الذين لا يعرف هذا الزائر طريقا إلى سيارتهم و مكاتبهم و بيوتهم المكيفة ..انزلوا امسمرير أو بومية أو اصعدوا لباب برد أو ترجيست فهناك الخبر اليقين و البر د الصادق .