سُمعت صيحة واحدة، فإذا بامرأة، في العقد الخامس من عمرها أغمي عليها، تسقط غير بعيد عن باب قاعة الجلسات رقم 2 باستئنافية الرشيدية، منتصف نهار يوم الثلاثاء 30 من شهر دجنبر من العام 2014، وكان سبب الإغماء وقوفها بعيدا أمام هيئة قضائية، في حال تحاكم بتهمة «محاولة إضرام النار عمدا في مديرية الأمن والتهديد بارتكاب جناية» بالرشيدية، وهي تُسأل عن علاقتها بوعاء البنزين [أكبر من قنينة] ومرادها من حمله، الوعاء الذي يسع لترين فقط، وُجد بحقيبتها ريث جلوسها أمام الضابطة القضائية لشأن ما. وكان بإمكان المرأة أن تتخلص من هذا الحِمل الذي لا يساوي أكثر من 25 درهما، وتنجو من هذه التهمة التي أريد لها، أن تخلق لها ولرجلين من رجال القضاء بعض الأهوال.
كانت الهيئة القضائية انصرفت للتداول في هذا الشأن، لما حسبته جاهزا، وهو الذي صدر فيه قرار جنائي ابتدائي صادر عن ذات المحكمة بإدانة المعنية بشهرين حبسا نافذا قضته في سجن توشكا المحلي بالرشيدية، بعد اجتهاد قضائي برأ السيدة من محاولة إضرام النار، وآخدها على التهديد بارتكاب جناية طبقا لمقتضيات الفصلين 425 و 426 من قانون المسطرة الجنائية، اجتهاد وصفه محاميهابأنه « حاول إنصاف المرأة التي دخلت في صراع مع جهات معينة». نقول انصرفت الهيئة بعد تحاكم، دام بعض الوقت، في قاعة الجلسات رقم 2 التي لوحظ أنها تكاد أن تكون فارغة لغياب المتتبعين، وكأن شأن امرأة ساعدها الحظ،، أو أقحمها القدر لا يهم، لتفجر قضية سُمع دويها على الصعيد الوطني، يوم نزول لجنة تفتيش من وزارة العدل مكاتب محكمة الاستئناف بالرشيدية، يوم الخميس 17 من يوليوز من العام 2014 للتحقيق في مضمون قرص ميغناطيسي يحوي تسجيلا صوتيا حول التفاوض من أجل إخراج المرأة المذكورة من السجن بالمعجزة المعروفة في الأوساط الإعلامية، فكان الوعد مفعولا، فحق خروجها من السجن، بعد مضي شهرين متتابعين، وقد يكون ذلك الاجتهاد الذي أحسه السيد المحامي من الوسط، بالفراسة أو بالدليل. استيقظت المرأة من غيبوبة الإغماء، وعادت إلى رشدها فأفصحت أنها لم تسكب البنزين محاولة إضرام النار في مديرية الأمن بالرشيدية. أمرتها ابنتها بالانصراف، وإخلاء بساط التحاكم، ونصحتها ألا تنتظر الإعلان عن الحكم، الذي تبين أنه سيلغي القرار الجنائي الابتدائي الصادر عن المحكمة ذاتها يوم 09 من شهر أيريل من العام 2014، أو بالأحرى سيحجب جنحة التهديد بارتكاب جناية، ويثبت جناية محاولة إضرام النار عمدا بما هي جناية، طبقا للفصلين 114 و 581 من القانون الجنائي، لأن بوادر الإدانة بارزة، رغم أن الظن بعضه إثم.
أعلنت المحكمة في قاعة الجلسات شبه الفارغة، معاقبة المرأة بخمس سنوات سجنا نافذا، وإلغاء القرار المستأنف فيما قضى به، وبعدم مؤاخذتها من أجل الباقي، وتحميلها الصائر مجبرا في الأدنى. ماذا وراء هذه المحاكمة؟ وكيف حصل هذا التحاكم؟ قد تبدي الأيام ما كان مستترا في هذا المجال، ولنستمع للمرأة، التي لم تكن نية إضرام النار ثابتة في تصريحها من قبل، ومن بعد أمام المحكمة وخارجها، ولم يُر أي شيء يثبت أن المحاكمة يشوبها عيب ما أو تُشان بموقف ما، فالمحاكمة علنية، والسيد القاضي واجه المرأة بالتهمة الموجهة إليها بلغة تعرفها في البدء بعد أن سألها عن هويتها، والتهمة هي جناية «محاولة إضرام النار عمدا والتهديد بارتكاب جناية» ، وفتح لها المجال للتعبير عما يخالجها، شريطة ألا تخرج عن موضوع التهمة، وفتح معها حوارا تكوينيا، ندر أن يفتحه القضاة مع المتهمين، لكن ما ظهر، وما خفي أيضا، يثبت أن القضية مدعوة لتسلك منعرجا ما حفاظا على ماء وجوه خلت بساط محكمة الاستئناف بالرشيدية، أو على الأقل يجب تطهير المكان بعد حدث 17 من شهر يوليوز من العام 2014. وفوق ذلك فالتهمة/القضية ليست هي مقصد المرأة التي جاهدت نفسها وكابدتها محتجة عن تأخر تحاكم ابنتها التي نشأت قضيتها يوم 21 مارس من العام 2013 ، وإذا بها أمام موقف آخر، يوم اتهامها بمحاولة إضرام النار في مديرية الأمن بالرشيدية، والتهديد بارتكاب جناية. وإن القدريسبق الحذر كما يقال.
بدأت القصة لما وجدت المرأة الضحية ابنتها ملقاة بالشارع العام بعدما حصل الاعتداء عليها، وكانت ألقيت، وحالها مزرٍ، في قارعة شارع عام، يدعى شارع مدغرة بالرشيدية، والذي يعج دوما بالناس. لقد جزمت الأم أن ما حصل لابنتها وقع داخل أحد البيوت هناك. وللإشارة، فإن إحدى صديقاتها هي من تكون قادتها لتتعرض للاعتداء في بيت صديقتها، بعد أن جرى استدراجها إليها. فالقصة واضحة لدى المرأة، متسلسلة أحداثها في إفريز زماني. لقد جرى تخدير الابنة، في اعتقاد المرأة، ليسهل تعريضها للاعتداء بالسلاح الأبيض في وجهها وطال الاعتداء أسنانها الأمامية بالكسر. وبمجرد أن علمت الأم بالأمر، أعلمها أحد الأشخاص، ذهبت مباشرة إلى عين المكان، لتلفى ابنتها ممدة في قارعة الشارع، فاقدة وعيها، غائبة بفعل الإغماء، عارية، بادية في وضع مخل بالحياء العام. والمشهد يجلب الأنظار بقوة، لذلك حشد الناس واقفين من حولها يستغربون، ويستنكرون المشهد. وتقول المرأة، إن «أول ما قمت به أني ناديت سيارة أجرة لنقلها، فتوجهت أولا إلى الشرطة، وبعد إخبارهم بالحدث همّوا بمساعدتي، فاتصلوا بالإسعاف ونقلوا الابنة إلى مستشفى مولاي علي الشريف، وبالمقابل استحوذ علي إحساس بالغرابة من كون الشرطة لم تقم بأي تحرى أولي، ولا معاينة المكان، ولا أي شيء في الموضوع بل اكتفوا بإرسالها إلى المستشفى» تقول المرأة. وأضافت: « إن أول ما تبادر إلى دهني وظللت أردده هو أنه بمقربة مكان الحادث تقطن إحدى زميلاتها ، لكن الحاضرين بالمكان أن والدها كان حاضرا، هو الأخر، فكان من المحال أن تكون ابنته اقترفت ذلك الفعل بحضوره هو في البيت». وبعيدا عن الاستنتاجات، تساءلت المرأة، إذا كان من المحتمل أنها اعتدي عليها في بيت صديقتها فمن الذي أخرجها من البيت إلى الشارع ؟ ومن الذي روج إشاعة بيانها أن الابنة كانت تتمايل في مشيها تحت وقع الخمر، متوجهة إلى صالون الحلاقة المجاور؟ إن تلك الإشاعات نُسجب لإبعاد الشبهة عن منزل صديقتها؟ وكيف يقبل العقل أن تمر الابنة في شارع مرتفعة فيه كثافة مرور السيارات والراجلين في عري شبه تام؟ لو حصل جولانها في وضع مخل بالحياء لتدخل الناس ليوقفوا وليحملها لتنقلب على عقبيها، فتستر عورتها، وتحافظ على صوابها؟ أسئلة تخطر كلها ببال المرأة وهي في رحلة ذهاب لإسعاف الابنة بمستشفى مولاي علي الشريف. «أدخلتها مستشفي مولاي علي الشريف تلك الليلة، ولاحظت أنهم لم يدخلوها المصلحة التي يمكن أن تقدم لها العلاج والإسعافات اللازمة. وإن كل ما قاموا به حقنُها بمنومات لتنعم براحة نوم عميق، ولاحظت أنها كلما استيقظت واستعادت وعيها تشرع في الصراخ مجددا، فيهرعون ليضاعفوا لها الحقن التنويمية. وظل الوضع على ذلك، ومكثت بعيدا أنتظر، فنفد صبري، إذ المرغوب فيه والوجه إجراء تحاليل وفحوصات تكشف نوع التخدير أو التسمم الذي تعرضت له الابنة.
توجهت إلى السيد وكيل الملك ليرسلني إلى السيد نائبه الذي استجاب فقام بإرسال المحقق معي لأخذ أقوال الابنة في المستشفى ، لكن ابنتي لم تستعد صحتها وعافيتها بعد ، ولم يمكنها وضعها الصحي لتفصح عما يدين أحدا وقتها. وبعد ذلك تذكرت من استدرجها للاعتداء بالضرب والجرح، بعد تخديرها، وإخفاء معالم الجريمة بإلقائها في قارعة الشارع العام. ظننت اعتقال صديقاتها إلى أن نفد صبري ولم يحصل أي شيء مما توقعناه، واكتفوا فقط بإرسال استدعاءات ليحضرن ويقدمن إفادتهن في الواقعة.
وأما المستشفي فلم يسجل في تقريره أنه استقبل حالة معتدي عليها ولم يدون تفاصيل الضرر الذي نجم عن ذلك الاعتداء. إن ما استطاعوا فعله تمتيعنا بشهادة العجز مدتها 22 يوما .
وفي يوم 25 من شهر مارس من العام 2013 وبينما ابنتي لا تزال نازلة بالمستشفي، جاءت صديقتها رفقة أمها لعيادتها، ولا أعلم شيئا عن نيتهن، ولما دخلن عليها الغرفة وشرعت ابنتي في الصراخ، وفررنا خارجتين وتبعتهما، وفي خارج المستشفي وقفت الأم لتخاطبني بما لا يليق من الكلام.
وفي يوم 26 من شهر مارس من العام 2014 زارني في بيتي ثلاثة رجال يطلبون الوساطة للصلح. لكني التمست منهم أن يمهلوني رويدا ويمهلوني إلى حين التأكد مما ستؤول إليه حالة ابنتي. فانصرفوا إلى حال سبيلهم. وفي ليلة يومها، ضبطت الممرضة واحدا من أولئك الرجال الثلاث واقفا فوق رأس ابنتي وشرع في إيقاظها، في الظلام، ولما أحس بالممرضة، لاذ بالفرار وتولت الممرضة في الصباح تبليغ مدير المستشفي بالواقعة ليمنحنا الإذن بالخروج رغم أن الحالة الصحية لابنتي لا تزال مزرية.
وفي يوم 27 من شهر مارس من العام 2013، خرجنا من المستشفي متوجهتين الي الشرطة لإخبارهم بالتفاصيل التى تذكرتها الابنة. لكنهم أخبرونا بأن المحضر قد أغلق وما تذكرته من تفاصيل يمكن لها أن تدلي بها في المحكمة…. وازدادت حالة ابنتي تدهورا.
وفي يوم 3 من شهر أبريل من العام 2013 وبينما حالة ابنتي تزداد تدهورا، أغلقت عليها الباب وخرجت لأسأل الطبيب، ولما عدت وجدتها أقدمت على محاولة انتحار إذ انهارت قواها ولم تعد تقوى على الوقوف فأخذتها فورا إلى المستشفي، وبعد إجراء التصوير بالأشعة أخبروني بضرورة نقلها إلى مستشفي فاس لإجراء عملية جراحية، وإلا فمصيرها الشلل. ركبنا سيارة الإسعاف ليلة يومها لكن المسؤولين عن المستشفى امتنعوا عن قبولنا بدعوى أن الرشيدية ترسل مرضاها إلي مكناس، وليس إلى فاس، وبعد تفاوض دام بعيدا استقر الرأي على إعادة إجراء الفحص بسكانير أخر، وتبين أن الحالة لا تستدعي العملية، وإنما تحتاج البنت إلى بعض الراحة. هنالك فكرت في أن أترك البنت في مكناس في بيت خالتي، لعلها تتماثل للشفاء هناك بعيدا عن كل المشاحنات التي تضايقها بالرشيدية. وتبين لي لما ترددت على المحكمة أن القضية ستأخذ مجراها الطبيعي، لكن شكوكا تخامرني بأن تأخرا لا مبرر له سيغشى تحاكم ابنتي. وبالفعل برز من تكييف القضية إلى تهمة الضرب والجرح، أنها ستمر بمنعرجات غير سليمة.
وفي يوم الخميس 20 من فبراير 2014 خرجت ابنتي المعتدى عليها مع أحد صديقاتها ونشب شجار مجددا بينها وبين خصمتيها إذ اعتدتا عليها مجددا واسقطتها مغمي عليها مضروبة ومجروحة في وجهها ، هاتفني الناس ووجدتها في تلك الحالة وأخدتها إلي المحكمة فألقى السيد نائب الوكيل العام للملك نظرة عليها فاتصل هو الأخر بالسيد وكيل الملك لكن لم المراد لم يتحقق. أصرح أن الأمور قد تشابكت ولم أعد أعرف من معي ومن ضديلكن اقتناعي بأن قضية ابنتي قضية عادلة وستتحقق العدالة لصالحها ….. مرت بضع أشهر حتي اعتقدت أنها استعادت عافيتها وعادت إلي المدرسة ، وفي يوم 12/03/2014 وأرسلتها ذات مساء رفقة صديقها لتوصل أمانة إلي حي المحيط اعترضت سبيلها خصمتها هي مع أمها وخالتها وانهلن عليها ضربا حتي سقطت مغمي عليها وأخذن منها هاتفها وحقيبتها وتركوها مرمية في الشارع، هاتفني صديقها وجئت مسرعة ووجدت الناس والشرطة هناك وأخدتها في سيارة الإسعاف فأخدت الشرطة معها الشاهد وأعطوا الأمر باعتقال الجانيات، لكن أمرا آخر نزل قاضيا بإلغاء التعليمات والاكتفاء فقط بإعطاء استدعاءات للحضور وللإدلاء بإفادتهن في الواقعة. … وفي ليلة يومها اتصل رقم مجهول بابنتي يخبرها بأن قضيتها خاسرة مند البداية ولن تجنى من وراء متابعاتها القضائية شيئا وأن مآل الملف الثاني سيكون مثل أخيه الأول فثار غضبها وشرعت في الصراخ مهددة بحرق نفسها وحرق كل ما حولها إذا لم تنصفها المحكمة في قضيتها وبصعوبة أقنعتها بالدخول إلي البيت وتهدئتها لتنام لتمر تلك الليلة على ذاك النحو في الصباح توجهت إلى الكومسرية مجددا فأخبروني بأن الملف لم ينظر فيه بعد، مما ثار غضبي وذهبت إلى السيد نائب الوكيل العام للملك فأخبرته أن النتائج قد تكون وخيمة إذا ما سار الأمر على هذا المنوال وبأن ابنتي تهدد بحرق نفسها، وكل ما حولها إذا لم ينصفها القضاء ويقتص من الجانيات، انصرفت خارجة فمنعني من الخروج وأمرني بالذهاب مع ضابط إلى مقر الشرطة …. وبمجرد ما دخلت المكتب سألني عن محتوى الحقيبة فأجبته بأن فيها البنزين أخده مني ، جلست في كرسي هناك إلى أن التحقت ابنتي والشاهد الذي كان معها يوم الإعتداء الأخير، لكن ابنتي لم تستطع التحكم في انفعالاتها ….. فأمسكها شرطي وأدخلها إلي مكتب الضابط وأدخلني إلي مكتب أخر، وأغلق علي الباب لكن صراخها كان يسمع وهي تناديني وهم يضربونها هناك، وفجأة انقطع الصوت لأنهم بعدما ضربوها أخرجوها من الكومسرية موهمين إياها بأنني مغمي علي . وأخرجوني من ذلك المكتب الذي كنت محبوسة فيه فوقعت عيني على أحد الضباط وهو يتكلم في الهاتف وبعد اتمام مكالمته الهاتفية شرع يتلو المحضر على الشرطي الأخر، ليكتبه وبعد الانتهاء منه أمدني به لتوقيعه، ولما وقعته وقرأته وجدته يتهمني فيه بالتهديد بإحراق مديرية الأمن وإضرام النار في الكومسرية، وبأنني دخلت الكومسرية على نية لارتكاب تلك الجريمة واستعدادا لها، محضرة معي البنزين ، أمسكت الورقة وقطعتها فحررت محضرا آخر، مع تسجيل رفضي البات للتوقيع عليه.
وأشير أنه لا يمكنني التوقيع على مضمون ذنب لم أقترفه، ولا على أمر لم أعرفه، فوق أني لا أعرف نوعية التهمة الموجهة إلي. وكان الضابط يخبرني بأنه ما من ضرورة لأعرف التهمة الموجهة إلي لأنها بسيطة وشكلية، ولا تستدعي الخوف منها. وإن ما يلزمني فقط هو التوقيع ، لكنني سأبقي قيد الإعتقال ليحصل تقديمي غدا إلى النيابة العامة متعمدين عدم إخباري بالتهمة الموجهة إلي وكذلك عدم إخبار عائلتي بأنني قيد الاعتقال.، ومكتت تلك الليلة تحت الحراسة النظرية ليجري تقديمي غدا في التاسعة صباحا، ولم يخبروا بالمرة ابنتي بالأمر، رغم أنهما مكثا إلى حدود الثانية ليلا بباب الكومسرية. وريث التحقيق فسرت سبب امتناعي عن التوقيع لأنهم لم يخبروني بالتهمة الموجهة إلي، لكنهم أخبروني ساعتها بإمكانية تكليف محامي لمؤازرتي في قضيتي وفي حال عدم القدرة على تكليف محام لدي إمكانية الاستفادة من المساعدة القضائية
أخرجوني لنقلي إلي السجن وأنا معتقلة فلمحت ابنتيّ وهما ينتظران في الخارج. استعطفتهم ليدعوني أكلمهن وأخبرهن بما جرى لكنهم لم يسمحوا لي بذلك، وأخدوني فورا إلى السجن. ولما دخلت السجن طلبت من أحد الحراس هاتفه الشخصي فمنحه لي، مشكورا فهاتفت إحدى ابنتي وأخبرتها بالواقعة وبضرورة تكليفها لمحام لمؤازرتي، وإن ما فعلته داخل السجن أن دخلت في إضراب عن الطعام، إلي حين إخباري بالتهمة الموجهة إلي… ولقد أخبروني أخيرا أن التهمة الموجهة إلي محاولة إضرام النار في مركز الشرطة والتهديد بارتكاب جناية ». هنالك أقرت بحدوث معجزة ما، وعقب ذلك حكمت عليها المحكمة بشهرين حبسا نافذا. ذلك هو تصريح المرأة كما هو مضمن في السجل الصوتي.
وإنه ريث التحاكم مثلت المرأة أمام هيئة مكونة من خمس مستشارين، وبجانبها محام قادم من مراكش. اعترفت المرأة أن بحقيبتها وعاء ملئ بنزينا يسع لترين اثنين، لما دخلت بناية استئنافية الرشيدية، وخرجت منها قاصدة مقر مديرية الأمن بعد أن استجاب نائب الوكيل العام للملك لطلبها القاضي بالتعجيل بالتحاكم في قضية ابنتها المعتدى عليها، بعد تأخر خالته لا مبرر له، لكنها ما كانت تنوي إضرام النار، وما كان في ملكها ساعتها موقدة النار (بريكا)، أو ما يسمى في محاضر الشرطة ولاعة. كيف حصلت على البنزين؟ ادعت السيدة أنها اشترته لتكليف صديق العائلة بقضاء بعض الأغراض، بواسطة الدراجة النارية. وفي حديث آخر، نُقل في محاضر سابقة، تبين أنها انتزعت البنزين من ابنتها الضحية التي تهدد بالانتحار لعدم رضاها عن وضعها. وفي جميع الأحوال فالبنزين مادة غير ممنوعة، كما ورد في مرافعة السيد المحامي. وأما شهود الإثبات الذين اختيروا من رجال الشرطة المعينين في الضابطة القضائية، فقد أكدوا أنها شرعت تسكب البنزين فوق المكتب، ومنعوها من إتمام الفعل، واحتجزوا موقدة النار (بريكا)، لكنهم لم يثبتوا لونها، وإنهم لم يتذكروها، وإن كان أحدهم، يظن أنها زرقاء. كانت الشهادات متطابقة. لكن، لماذا تحول من أنجز المحضر إلى شاهد؟ وهل لأن محضر الضابطة القضائية مجرد بيان للاستئناس، لا سيما بعد تكييف القضية إلى جناية، وكان أولى تجريد الشرطة من مهمة الضبط، وجعل رجالها شهداء (جمع شاهد) أشخاصا ذاتيين، دعوا لآداء اليمين، وألا يقولوا سوى الحق؟ أم أن المحكمة تبتغي المزيد من التمحيص في الحجج، ومن حقها ذلك، فاستدعتمن أنجز محضر المعاينة للمثول أمامها شهودا؟ وهل يقدر الشهداء الإشهاد بغير ما ضمن في محضر الضابطة القضائية؟ أو ليس من حق رجال الشرطة الإدلاء بشهادتهم أمام القضاء، خصوصا وأن المرأة لم تبد أي موجب للتجريح في ذلك؟ وإذا كان الأمر يتعلق بمحاولة إضرام النار، من المانع من إنجاز محضر المعاينة من لدن السيد الوكيل العام للملك؟ وهل ستحوي نسخة الحكم الإشارة إلى القرص الذي حوى تسجيلات ذات صلة بالتحاكم في الطور الابتدائي؟ ولو حوت النسجة القرص ومحتوياته، هل من اختصاص المحكمة البث فيه، أم من اختصاص الوزارة؟ وهل بإمكان محاكمة المرأة في مكان آخر، بعيدا عن الرشيدية؟ وما الذي يجرد هذه المحكمة من الاختصاص؟ إنها أسئلة لا تروم الطعن في المحاكمة العادلة على مستوى الشكل، لأن العلنية، حصلت وتمتعت المرأة بحقها في الدفاع، وحصل نقاش بينها وبين القضاء، ولكنها تظل عالقة مادام الدخان طفق يصعد بالمكان منذ النصف الثاني من شهر يوليوز الماضي.