متى كانت مدرستنا المغربية المعاصرة مفتوحة ومشرعة الأبواب حتى تغلقها اليوم،بل متى كان لها في الأصل أبواب أو نوافذ حتى يكون لها مفاتيح وبوابون،بل كيف للبوابين في الأصل أن يفتحوا مدارس مفقودة في الخلاء ليس لها صور حرمة وحماية فبالأحرى أن تكون لها أبواب هبة وصيانة؟؟.هل كانت المدرسة المغربية مفتوحة عندما فشلت في تحقيق أهداف العشرينية الأولى من المغربة والتعميم والتعريب والمجانية؟؟.فقط أين مغربة الحب والهوى والهموم التربوية والتنموية قبل مغربة الأطر والخبراء والقرار الاستراتيجي و المنهجي الذي لازال يتردد بين الفتح والانفتاح المحتشم والغلق والإنغلاق المحكم؟؟،وأين حق المجانية ومكتسبها الوطني وتكلفة التمدرس اليوم فوق طاقة الموظفين حتى،ناهيك عن أخطبوط التعليم الخصوصي الذي أصبح يبتلع وبكل شراهة وبلا موجب حق ما تبقى من حق المغاربة في المساواة في جودة التعليم ومجانيته؟؟.هل كانت هذه المدرسة مفتوحة عندما فشلت في تنزيل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين في العشرينية الثانية والثالثة،ولم يشفع له المخطط ألاستعجالي الذي بغي به السند والدعم وإنقاذ الإنقاذ، فإذا به  مجرد الإغداق والإغراق في وزر ميزانيات مبددة وأزمات مستفحلة،لازال كل المتتبعون التربويون والسياسيون والتقارير الدولية والوطنية تقر بمرارة ذلك وتنبه على خطورته وتدعو إلى ضرورة  فتح الأبواب الموصدة أمام الطاقات الوطنية الغيورة أملا وعملا على التجاوز والإصلاح وهو على الدوام ممكن؟؟.

 

المدرسة التي  يخالط منتوجها كل يوم فطر الهدر المدرسي المقيت بالألاف وتختلط بعصارتها بطالة الخريجين البغيضة على مدى السنوات،والتعسف على العاملين الصابرين المناضلين بشطط المسؤولين وتناقضات المذكرات وتضارب المرجعيات واستحالة الترقيات وقهر التكليفات...، لا أعتقد أن مدرسة هذا ديدنها لها بناية أي بناية لا في الزمان ولا في المكان،ولا أعتقد أن لها طاقما تربويا وإداريا نيابيا محليا أو أكاديميا ولا وزارات في حكومات مركزية متعاقبة،كل هذا من أجل الهدر المدرسي وبطالة الخريجين والتعسف على العاملين،"اللهم إنا أمتنا لا تجتمع على الهدر والبطالة والتعسف"؟؟.نعم هل تفتح مدرسة أبوابها ليكون مجمل نتاجها مجرد أفواج من المعطلين لا مصير لهم غير  مجرقة البطالة،وحتى من نجا منهم إلى سوق الشغل فاي شغل من غير أكل عيش،لذا و رغم أنهم نخبة في المجمل لا يساهمون في تنمية البلاد ولا إصلاح أحوال البعباد عبر الوطن العربي بشيء، وكأن هذا الوطن الغريب خال من المعاهد والكليات،بل الغريب أن يصبح هؤلاء الخريجون الضحايا ولو بعد حين  هم ممن يقاومون الإصلاح بعدما تعقدوا من الفرص المستحيلة واستأنسوا بالتردي وطبعوا مع الفساد؟؟. هل فتحت مدرسة أبوابها وهي لعقود وعقود لا تعي بأحوالها الحرجة ولا تستمع بشأنها لا إلى أبنائها الممارسين من التربويين ولا الإداريين ولا المراقبين والمشرفين ولا المنظرين والخبراء السياسيين الوطنيين،ولا تستفيق إلا على صفع التقارير الدولية وترتيبها الكارثي لتعليمها،وإذا ما تحركت لإصلاح ما فبشكل فوقي "سيزيفي"،لا هو يحقق شيئا من الأهداف ولا هو ينهي مع التبدير ولا حتى يرضي المتدخلين والمراقبين والضاغطين الدوليين؟؟.

يقال إذا فتحت المدرسة أبوابها أغلقت السجون أبوابها والمحاكم والمستشفيات وغيرها من مؤسسات صراعات الجهل والتخلف والأهواء،فما بال كل هذه المؤسسات مشرعة الأبواب عندما شاهقة المباني عريضة النوافذ غليظة الحراس وكأنها الفطر في غزوته واكتساحه لا يعمل جاهدا إلا على تقريب المصائب من المواطنين تحت شعار :"مصيبة وسجن لكل مواطن"،ولا ضير في ذلك فالسجن كما يقال مؤسسة تربوية وإصلاحية أو بتعبير أفصح "مدرسة"؟؟.ولكن أين هذه المدارس من مجتمع تتهاوى فيه المبادىء والقيم والأخلاق وتذبح فضائلها على ضجيج الصارخين و أنين الصامتين؟؟.انحرافات التدخين والمخدرات وعصابات العنف المتبادل والميوعة والاستيلاب والتحرش وغيرها مما لا يعمل طبعا إلا على تدني المعرفة بين الأجيال وفقدان سلطان العلم والتقنية في أوطانها،وفي فضاء مفتوح على مصراعيه بين المدرسة والمجتمع وفي تحطيم ثوري للجدار التربوي وغياب أي صور آخر للحرمة والحماية والصيانة حتى صور المؤسسة التربوية والتعليمية والتكوينية والتأهيلية، وطبعا إذا لم يكن هناك صور فكيف سيكون الباب والحارس والمفتاح، قد لا نبالغ إذا قلنا أن من المؤسسات من أصبحت حظيرة الكلاب الضالة وكرا مشاعا و ممرا مباحا  يحق فيها الذهاب والإياب حتى بالدراجات والعربات و يحق فيها  القعود ل"النفخ" و"الفتخ" والنشاط  بالأبواق و الأجواق؟؟.

و ختاما،ليفرح المسؤولون فسياستهم الغاشمة قد أتت أكلها،والمدارس بدأت تغلق أبوابها،بل تسرح حراسها وتفقد مفاتيحها،وأنا هنا لا أتحدث عن مدارس عمومية منفرة تغلق أبوابها لصالح المدارس الخصوصية المغرية،ولا عن مدارس عمومية تاريخية لازالت تقاوم رغم الخصاص في الأطر التربوية الإعدادية والثانوية،وما ابتليت به من أطقم إدارية لا تمل من الاستثمار في فشلها الدائم وعجزها المزمن،ولا أتحدث عن المدارس الهامشية المهمشة والتي مع الأسف أهدرت بكل صلافة ملايير البرنامج الاستعجالي الارتجالي دون أن تنال حظها من الإصلاح والتأهيل التربوي والبنيوي اللازم،فهذه لازالت صامدة ويرتادها التلاميذ والأساتذة على كل حال؟؟.أنا فعلا أتحدث عن مدراس أغلقت أبوابها لا لشيء إلا لأن المسؤولون لم يجدوا في أحيائها أطفالا يسجلونهم للدراسة في المستوى التحضيري الابتدائي؟؟.نعم  لقد جفت الأرحام ورفعت الأقلام ولم يعد أهل الحي يلدون لا بنين ولا بنات،فأغلقت المدرسة أبوابها و ما كان يوجد فيها من مستويات مختلفة قد أدمجت في أقسام مشتركة  مكتظة أربعينية و خمسينية، ولا ضير فهم يحمدون الله أنهم لم يرسلوهم إلى جماعات ترابية أخرى حتى يتسنى لهم إعادة الانتشار وإغلاق كل الأبواب بسلام ؟؟.نعم لقد جفت الأرحام ورفعت الأقلام رغم كل جهود الدولة في برامج التيسير وفي توفير الكتب والمحافظ والأدوات والدراجات والحافلات والإقامات،التي كادت نشرات الأخبار تقنعني بها لتبرهن عن نجاحنا الباهر في جهود تعميم التمدرس في المدن والقرى بما لا يقل عن جهودنا في تعميم خدمات الهاتف والماء والكهرباء؟؟. لقد كدت أفتنع بذلك لولا أن جمعيتنا الوطنية وجدت في المدن والقرى جيوشا جرارة من الفتيات والفتيان ممن فاتهم ركب التمدرس وعبثا نحاول معهم التسجيل لدروس محو الأمية والتربية غير النظامية أو الفرصة الثانية كما يسمونها؟؟. الأمر وما فيه كما قلنا إذن أن السياسة الغاشمة جعلت الأطفال الأبرياء غير مرحب بهم في عالم اليوم،ولعن الله خطب يخطب وعقد يعقد وتزوج يتزوج وحملت و وضعت وأرضعت...،ولتدم لنا يا زينة الحياة الدنيا البريئة ونحن  نخوض كل يوم حرب وأدك وإبادتك بلا هوادة،لتدم لنا وسائل منع الحمل والعيادات الخاصة بالإجهاض،ولتحيا الأمهات العازبات وأبناء الشوارع، وعاشت تربية الحضانات والملاجىء،وبارك الله في سخاء المنظمات الدولية و إغداقها على وضعياتنا الصعبة وكل وضعياتنا كذلك أو تكاد،ما جعلنا نسأل الله السلامة والعافية لا نهتم بغير تربية المأكل والمشرب والملبس والبطن والفرج دون غيرها مما فيه إسعافنا وإنقاذنا ولا شك ولكن لا يزال في واقعنا موصد الأبواب مفقود المفاتيح،أو على الأقل ضحية الصراعات السياسوية الفارغة والمزمنة؟؟.

إن الإغلاقات السابقة أكثرها كان معنويا فحسب،فالمدرسة المغربية رغم كل شيء لازالت تعطي كل واحد حسب جهده واجتهاده وعزمه على الأخذ منها،ولازال الناس  أفواجا وأفواجا يدرسون بجد و يتخرجون بتفوق وربما يشتغلون بسرعة حتى قبل أن يتخرجوا كما هو الحال في بعض الشركات التي تنفق على الطلبة إتمام دراستهم في الخارج مثلا،ولكنه يحز في أنفسنا جميعا جيوش الضحايا المتساقطين في الطريق ولا ذنب لهم إلا أنهم ضحايا الأعطاب المستفحلة في المنظومة والتي نسأل الله لها السلامة والعافية؟؟. لكن الإغلاق الأخير  يعني الإغلاق الديمغرافي القيمي والأخلاقي إغلاق حقيقي و واقعي،وسيريح الدولة ولاشك من مسؤولية توفير المؤسسات والإدارات واللازم من الأطقم البشرية و الخدمات العمومية،وكل ما يرتبط بمهن التربية والتكوين ونبل رسالتها ومركزيتها الاستراتيجية في الديمقراطية والتنمية والأمن والسلام،ولكنه حتما سيفتح الباب على المجهول الذي لا يريده أحد ولا يرضاه ولا يستطيعه،فهل من وقاية قبل العلاج،هل من وقاية يا أفاضل ويا فضليات؟؟.