من ظن أننا في دولة مؤسسات واحترام الدستور والتشريعات المتفق عليها فقد أخطأ بل يعيش في وهم وخيال، وسيظل شعار تطبيق القانون شعارا زائفا مادام الذين يخرقونه هم الواجب السهر على تطبيقه، وقطاع التربية الوطنية والتكوين المهني مليء بالأمثلة والزلات والفضائح التي تكذب هذه الشعارات الرنانة، فهل يعقل منطقا ولا قانونا ولا إنسانيا أن يحرم الأساتذة من حقهم الدستوري في متابعة الدراسة الجامعية واستثنائهم دون غيرهم من هذا الحق، فنحن إذن أمام أمرين: إما أن تكون متابعة الدراسة جريمة فعلى كل من تابع أن يعاقب لأنه خالف القانون وعلى الدولة إذن أن تصدر قرارات رسمية تمنع أي موظف من هذا لأنه سيصبح مجرما بإكماله لدراسته، وإما أن يكون هذا حق قانوني ودستوري وسيكون بذلك من وقف ضده معطلا للقانون وللتشريعات الجاري بها العمل، وسيعتبر قراره جرما .
وقرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني القاضي بحرمان موظفي وزارته من متابعة الدراسة الجامعية هو قرار يجب الحسم فيه والنظر فيه من حيث قانونيته ويعم على الجميع، فقد نسي هؤلاء الوزراء أنهم لم تلدهم أمهاتهم كذلك من كبيرهم إلى صغيرهم فقد تدرجوا وأكملوا دراستهم ولا سبيل لعرض سيرهم في ذلك، إلا أنهم نسوا بل تناسوا بعدما وصلوا كما ظنوا، وهذا القرار الجائر سبق لوزير التعليم العالي أيضا أن تغنى به وعزف على هذا الوتر لكن بعد الضجة التي أثيرت تراجع عن تلك الحماقة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن حق الدراسة ومتابعتها مكفول بجملة من القوانين منها : منشور السيد الوزير الأول رقم 504 الصادر في 18 مارس 1982م و رسالة الوزير الأول تحت رقم 1671 بتاريخ 13رجب 1426 هـ الموافق ل 19 أغسطس 2005 بشأن الترخيص للموظفين بمتابعة الدراسة الجامعية.
كما أن هذا الحق ورد أيضا بالجريدة الرسمية عدد3525 بتاريخ6 رجب 1400 الموافق21 ماي 1980م كالتالي : في المادة13 من الصفحة633 (وجوب جعل التعليم العالي كذلك ميسورا للجميع على أساس الكفاءة بكل الوسائل المناسبة وعلى وجه الخصوص عن طريق الثقافة مجانية بالتدرج).
وعلى السيد الوزير الحالي تعليل قراره كما هو منصوص عليه في تعليل القرارات الإدارية حتى لا يكون ذلك مجرد سياسة شخصية كما هو الحال.
والمبرر الذي يورده السيد الوزير هو أن الذين يتابعون دراستهم يخلون بواجبهم، فهذا عذر أقبح من الذنب فالغياب له مساطره الإدارية ولا تساهل فيه، فلماذا لا يطالب بتغيبات الأساتذة الذين يتابعون دراستهم ومن ثبت إخلاله بواجبه أن يعاقب ويحرم من هذا الحق...؟
لماذا لم يقل السيد الوزير الحقيقة وهي تخوف الوزارة من حصول المعنيين على الشهادات الجامعية (كما تأكد من كواليس وزارته) وبالتالي فسيادته يفضلهم أن يبقوا على حالهم وفي ظل غياب تكوينات حقيقية...
على كل حال يجب أن تزول هذه النظرة الدونية من مسؤول وزارة التربية الوطنية فكيف يظن أنه سيكون محترما وهو يتهم كل من حصل على هذا الحق أنه متهاون في عمله؟
وسبق أيضا للسيد الوزير السنة الماضية أن حرم موظفي وزارته من الترخيص النهائي لولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين واضطرهم على توقيع التزام غير قانوني للانتظار إلى الموسم الحالي كما حرم أيضا كل الموظفين من اجتياز مباراة هذه السنة، وانتقم شر انتقام من الناجحين الموسم الماضي إذ تم تأخيرهم وإعطائهم ما فضل عن المراكز لهذه السنة وما لذلك من آثار على تعييناتهم بل حرم الموظفين من بعض التخصصات بمراكزهم الأصلية على سبيل المثال عربية تأهيلي بمراكش 0 موظف بعدما كان هؤلاء الموسم الماضي سيكونون بجتهم، كما تم إغفال العديد منهم دون جواب مقنع وتركهم ليسوا لا من الابتدائي ولا الإعدادي ولا التأهيلي...
طبعا هذه القرارات تأتي صراحة لإلهاء الأسرة التعليمية عن مطالبها المشروعة كالدرجة الجديدة والتراجع عن الساعات التضامنية والتعويض عن العمل بالمناطق القروية والنائية والإفراج عن كافة الترقيات في وقتها...
وكنصيحة للسيد الوزير أن يهتم بالقضايا التي من شأنها إصلاح التعليم بدل التخبط الحالي وغياب أدنى مؤشرات التحسن وعليه الاهتمام بالتعليم بالوسط القروي الذي همشه بشكل قاطع فمئات التلاميذ فقط بالحوز لم يدرسوا السنة الماضية ومنهم من لم يدرس لسنوات، وعليه أن يفتح تحقيقات جدية في تزوير نقط هؤلاء الذين ليسوا لا من الناجحين ولا من الراسبين وعليه أيضا أن يعطي الانطلاق للموسم الدراسي من أعالي الجبال لا من الشوارع المضاءة للوقوف على الحقائق المرة التي يتهرب منها كل مسؤول.