و لا يزال العرض مستمرا لاستغلال بيوت الله في أي أمر دنيوي قصد إضفاء الشرعية الدينية عليه، و حتى لا يفكر المواطن البسيط في تفكيره، أن يخالف أمرا أتى به الكرسي الأعلى، و كأننا لسنا في بلد ديمقراطي كما يخبرنا "دستورنا" و لنا أحقية قبول أو رفض ما وجدناه أو لم نجده صالحا لنا. لنجد أئمة المساجد يشتركون في خطبة موحدة و كأني بهم يدعمون مشروعا قوميا وطنيا ضد الفتنة آو ضد غزو خارجي، لتكون عبارة "الإحصاء هو مقصد شرعي عظيم"، من بين عبارات شكلت الموضوع الأساسي لخطبة الجمعة في مساجد المملكة ليوم 29 غشت الماضي، مذكرةً المصلين بالإحصاء في زمنه صلى الله عليه و سلم، مع فارق بسيط نسي الأئمة – ربما سهوا- أن يذكروه ، هو أن القائمين على أمر الأمة حاليا، ليسوا في مثل ذمة من كان قائما عليها في تلك الفترة!
وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ادخرت جهودها و فاجأت كل المصلين في آخر جمعة قبل بداية الإحصاء، بخطبة لم يتوقعها أحد، و حَثت المواطنين على الإدلاء بالمعلومات اللازمة للزوار المندوبين مع حسن المعاملة.
حسن المعاملة و الاستقبال ليس موضوع النقاش، فتلك مسالة أخلاقية و ذاك المندوب ما هو إلا موظف خلال مهمة رسمية يسعى لقوت يومه و لا حرج عليه في ما حملت الأوراق التي بين يديه. لكن أن تتدخل هذه الوزارة مرة أخرى في موضوع لا يعنيها بتاتا، و تكاد تُأثم كل من سيقاطعه بحجة أنه سيترك واجبا دينيا و "مقصدا عظيما من مقاصد الشريعة"! فذاك يستدعي بعض التوقف.
أقول ما بُني على باطل فهو باطل. كان بالإمكان للإحصاء آن يكون بهذا المفهوم الشرعي لو فعلا سيخدم هذا البلد و شعبه، و لو فعلا كان عادلا و منصفا في بعض الأسئلة المقررة و التي أثارت حفيظة المكون الأمازيغي بالخصوص، باعتبار أنها ترمي إلى الاشتغال على تحقيق نتائج تبرز أن الأمازيغ المتمكنين من اللغة الأمازيغية هم قلة، و أن نسبة الأمازيغ في المغرب ربما لا تتجاوز 10 في المائة! هذه أرضية باطلة لا يمكن لعقل "عقلاني" أن يتقبلها، فما بال دعاة الديمقراطية مستمرون في تغشيشنا و تمرير مخططاتهم باسم الدين، مع أن هذا الأخير لا يقبل استغلال المواطن في عمليات احتيال؟
و تضيف الخطبة أن القانون يعاقب كل من رفض الإجابة على أسئلة الإحصاء العام، مع أن "الدستور" يكفل للمواطن حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها (الفصل 25 من باب الحريات العامة في الدستور).
فعلى أي أساس تتوعدنا هذه الوزارة و تمنعنا كمواطنين كاملي المواطنة من تطبيق حق يكفله لنا الدستور؟ و بأي مرجعية نتبع القطيع في أمر لا يأخذ بعين الاعتبار ما فيه صلاح و خير لنا، و أصلا، لما نستجيب لهذه العملية و شأنها من شان سابقاتها، لا تأثر في الحياة اليومية للمواطن الذي يطمح إلى تغيير إيجابي في معيشه اليومي؟
هذه أسئلة بسيطة مباشرة على كل واحد منا طرحها على نفسه و على من حوله، و لننظر ساعتها إن كنا فعلا معنيين بهذا الإحصاء العام للسكان و السكنى أم لا، و لنبتعد جازاكم الله خيرا عن تخويف الناس من الإتيان بإثم أو تجريمهم في حال عبروا عن رأيهم بكل وعي و تحضر و رفضوا أن تشملهم هذه العملية .. أرجو فقط أن لا يعاد زمن الاكتتاب من أجل مسجد الحسن الثاني، و يصبح الحصول على الأوراق الإدارية الشخصية مرهونا بشرط المشاركة في الإحصاء، كما كان المواطنون ملزمون بالإدلاء بشهادة الاكتتاب (للمقاطعات خصوصا) أيامها.
يبدو أننا لم نستفد شيئا من الربيع الديمقراطي الذي كان نفسه كاذبا و انقلب على شعوبه، و أكيد أن سنوات ضوئية تفصل بيننا و بين الفكر الديمقراطي الاجتماعي، و السلام مرة أخرى على إسلام وُظف و مازال بغير حق لتمرير باسم شرعيته، مخططات هي سيف على رقبة الشعب و ما له خيار فيها سوى قول آآآمييين!
... سووووا صفوفكم يغفر ليييي و لكم الله.