ستفتح الحدود المغربية الجزائرية المغلقة منذ عشرين عاما، وسيرفع رجال الجمارك المرابطون على طرفي زوج بغال بين مدينتي وجدة ومغنية، الحواجز الحديدية الشاهدة على بؤس النظرة إلى المستقبل المشترك بين بلدين جارين يجمعهما الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا، وسيسمح لمواطن مغربي أن يعبر بتلقائية حدود الجزائر بعد أن دخلها دون عناء ولا استئذان، لكن هذا المغربي الذي عبر الحدود كان محمولا في تابوت ولم يكن راجلا حرا منطلقا من حدود بلد جار نحو بلده. 

هكذا هو قدر الحدود بين المغرب والجزائر، أن تفتح فقط في وجه الجثث وليس الأحياء الذين يعيشون منذ عقدين على إيقاع خلافات البلدين. ومن المؤسف حقا أن لا يتصل المغرب والجزائر إلا لنقل رسائل العزاء أو بحث سبل تأمين دفن جثامين الموتى العالقين على طرفي الحدود، وهذا بالضبط ما حدث نهاية الأسبوع الماضي حين اتصلت مصالح الخارجية المغربية بنظيرتها الجزائرية لتأمين عبور جثة بحار مغربي غرق القارب الذي كان يقله رفقة ثلاثة من رفاقه في الثاني من الشهر الماضي بسواحل كاب ملاباطا في مدينة طنجة. وفيما نجح الصيادون الثلاثة في النجاة من غرق محتم، لم يستطع رفيقهم مقاومة الأمواج العاتية، لتعثر عليه فرق الإنقاذ الجزائرية في ما بعد جثة هامدة في الساحل الغربي للجزائر العاصمة. وفتح العثور على الجثة قوسا من الحوار الدبلوماسي النادر بين المغرب والجزائر سرعان ما سيقفل بعد استكمال إجراءات نقل جثمان الضحية إلى مسقط رأسه في طنجة. 

انتصرت إذن دبلوماسية الموت على دبلوماسية الحياة، وعوضت دبلوماسية الكوارث والزلازل دبلوماسية استقراء المستقبل ومجابهة تحديات البلقنة والتشرذم، حيث لا تتحرك قنوات الاتصال إلا من أجل المواساة وإبداء مشاعر الحزن والأسى عند حدود مآس إنسانية، بينما تنقطع الاتصالات وتخرس المكالمات أمام هول الخلافات السياسية التي تستنزف الوقت والجهد والمال.

ويا للمفارقة، حين نرى كيف تصد الجزائر كل دعوات فتح الحدود وتمنع المغاربة من حرية التنقل على طرفي الحواجز المنصوبة ضدا على معاهدة مراكش التي أسست لاتحاد المغرب العربي، في حين أن هناك مستعمرا لا هو بعربي ولا بمسلم يسمح للمغاربة بحرية العبور رغم المشاق والمعاناة، إذا أخذنا كمثال الجار الإسباني الذي يتيح لساكني المناطق المتاخمة لسبتة ومليلية فرصة الدخول للمدينتين المحتلتين فقط ببطاقة التعريف الوطنية على رغم حساسية  الموقف.

 ما الذي يمكن أن نقوله للأجيال الصاعدة التي فتحت أعينها على حدود مقفلة؟ وما هو الجواب المفترض إعطاؤه لسائل عمره عشرون عاما يبحث عن المشترك بين الشعوب العربية والمسلمة في هذه الأوقات الصعبة التي تمر منها الأمة؟ وكيف يمكن استيعاب أن تقفل حدود لمدة عشرين عاما هي كافية لإعادة رسم المنطقة بأكملها وليس فقط مستقبل المغرب والجزائر؟ لم تنفع لا دبلوماسية الماضي ولا استحضار الحنين إلى سنوات الكفاح المشترك، في التغلب على دبلوماسية الحاضر في مواجهة سياسة الضياع التي ستدفع الأجيال القادمة كلفتها.

بين أمريكا والصين تحركت دبلوماسية كرة المضرب وأنهت سنوات طويلة من الجفاء وإدارة الظهر، وأبانت منافسة رياضية أقل من عادية بين الفريقين الأمريكي والصيني، أن الرياضة تمهد للسياسة في رجع الصدى. ومنذ سنوات تواجه رياضيون أمريكيون وإيرانيون إلى أن التقط باراك أوباما رأس الحبل وشرع البلدان اللذان وصفا بعضهما بأقدح النعوت من الشيطان الأكبر إلى الداعم الأكبر للإرهاب، في وضع حجرة فوق أخرى لبناء علاقات ثقة مشوبة بالحذر.

يقول الجزائريون إنهم لا يحتاجون إلى وسيط في علاقتهم مع المغرب، لكن من لا يفتح الحدود إلا لمرور النعوش والجنائز يؤكد أن السياسة تصلح لحفر القبور وليس لانبعاث الحياة. 

وبعد مرور عشرين عاما كاملا على إغلاق الحدود البرية، يحق فعلا للجيل الجديد في الجزائر والمغرب أن يتساءل هل كانت هذه الحدود مفتوحة يوما ما؟ فهو لا يحتاج إلى تصفح كتب التاريخ والجغرافيا التي تتحدث عن الآمال الضائعة على الشريط الحدودي المشترك، ويكفيه أن يتوقف على مشارفها شرقا وغربا للوقوف على مأساة السياسة التي تمجد الانغلاق في زمن الانفتاح، وتكرس النفور في عصر التقارب وتلين المواقف أمام الموت، ثم لا تلبث أن تعود إلى عصبيتها القاتلة كلما تعلق الأمر بفرص بناء الحياة.