بسبب النقد الذي نوجهه إلى ما يسمى حزب العدالة و التنمية من جراء فشل حكومته في مختلف المجالات, حيث منذ وصوله إلى الحكم, لم يحقق شيئا يستحق الذكر, اللهم تفقير الشعب و زيادة الفوارق الطبقية و تعميق الفقر و الهشاشة بالرفع المتتالي و المتوالي لأسعار أهم المواد.
قلت بسبب هذا النقد, لا يجد المنتمون إلى هذا "الحزب" من رد علينا, سوى اتهامنا بالتآمر و التشويش عليهم (في إطار نظرية المؤامرة) أو بتهمة الانتماء إلى حزب الأصالة و المعاصرة المعروف اختصارا ب "البام" و هي التهمة التي تثير الضحك كما تبعث على البكاء في الآن نفسه و تدفع إلى التساؤل: هل الانتماء إلى البام جريمة؟ .
* الانتماء إلى البام ليس جريمة
إن طرح هذا السؤال ليس معناه دفعا "للتهمة الجريمة", إذ لو كنا ننتمي إلى هذا الحزب أو لغيره لأعلنها صراحة,و المنتمون إلى ما يسمى حزب العدالة و التنمية أول من يعرف أننا "بريئون" من هذه التهمة, و هم أول من يعلم أن تهمهم تلك إنما هي محاولة لصرف فشلهم و تصدير أزمتهم إلى "الخارج", بل و تحميل مسؤولية كسادهم و أزمتهم للآخرين, و كأن هؤلاء الآخرين لا هم لهم سوى التخطيط ليل نهار لإفشال "حزب الله" و لا تخذهم سنة و لا نوم في سبيل تحقيق ذلك !!
نستخلص مما تقدم أن الانتماء إلى الأصالة و المعاصرة - حتى لو افترضنا أننا ننتمي إليه - ليس جريمة و لا تهمة يعاقب عليها القانون, فهو حزب تأسس وفق القانون المغربي, فما العيب إذا انتمى مغربي إليه؟ ثم متى كان الانتماء إلى حزب ما جريمة يعاقب عليها القانون؟ لماذا يحق للإسلامويين الارتماء بين أحضان ما يسمى حزب العدالة و التنمية و يحرم على غيرهم حق الانتماء؟ .
*حزب صديق الملك!
عندما خرج حزب الأصالة و المعاصرة إلى الوجود أول مرة, تعالت الأصوات المنددة بتأسيسه و المعارضة لإنشائه,لا لشيء سوى لأن الحزب الوليد" حزب لصديق الملك" في إشارة إلى فؤاد عالي الهمة الذي كان المؤسس الفعلي لحزب البام.
لم تكن الأصوات المعارضة للبام سوى تعبير عن خوف أصحابها على مصالحهم السياسية عامة و الانتخابية خاصة, فقد كانوا يخشون أن يسحب الحزب الجديد البساط من تحت أرجلهم, وهو ما حدث بالفعل عندما حصد البام عددا كبيرا من الأصوات في الانتخابات الجماعية التي تلت تأسيسه مباشرة.
كان من أبرز تلك الأصوات التي عارضت خروج البام للوجود ما يسمى حزب العدالة و التنمية و السبب "التهمة" التي تحدثنا عنها سابقا:"صداقة مؤسس الحزب للملك"!
المعارضون عندما برروا رفضهم للبام بتهمة صداقة الملك, لم يكونوا يعبرون إلا عن غباء قل نظيره في العالم, فمنذ متى كانت صداقة الملك جريمة؟ و منذ متى كانت صداقة الملك تمنع من تأسيس الأحزاب؟ .
ليس هذا هو المهم, المهم أن الذين رفضوا قيام "حزب صديق الملك", تناسوا أن مؤسسي أحزابهم لم يكونوا سوى أصدقاء للملك الراحل الحسن الثاني, فهل كان عبد الكريم الخطيب مؤسس ما يسمى حزب العدالة و التنمية الرافض للبام يفارق الحسن الثاني؟ أم كان يغادر البلاط الملكي؟ و قس عليه المحجوبي أحرضان, و أحمد عصمان و قبلهم علال الفاسي مع محمد الخامس و غيرهم كثير؟
* لماذا "ما يسمى حزب العدالة و التنمية"؟
يسألني أحدهم لماذا تستعمل عبارة"ما يسمى حزب العدالة و التنمية" و لا تكتب مباشرة "حزب العدالة و التنمية"؟
له و لغيره من السائلين أوضح ما يلي:
- أولا: ما يسمى حزب العدالة و التنمية ليس حزبا بالمعنى المتعارف عليه وفق القانون المغربي, لأنه مخالف لقانون تأسيس الأحزاب الذي يمنع الأحزاب القائمة على أساس ديني أو عرقي أو إقليمي, في حين لا يتوانى زعماء هذا الحزب في التبجح بما يسمونه "المرجعية الإسلامية لحزبهم", في مراوغة فاشلة و تحايل خطير على القانون و تلاعب بالألفظ,إذ يتفادون استعمال الوصف الحقيقي لحزبهم و هو أنه"حزب ديني" و يستعملون بدلا منه "حزب بمرجعية إسلامية" و كأن باقي الأحزاب "أحزاب بمرجعية مجوسية".
لقد دخلت منذ مدة في نقاش مع أحد زعماء هذا الحزب و هو وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني, قلت له حينها إن حزبكم مخالف للقانون لأنه حزب قائم على أساس ديني, فرد علي بأن "حزب العدالة و التنمية" حزب مفتوح في وجه كل المغاربة و أنه علي الإطلاع على أوراقه و قانونه التنظيمي حتى يتضح لي أن حزبهم "بريء من الدين", و أضاف "لكننا نفتخر بمرجعيتنا الإسلامية"؟!!
حاولت حينها أن أصدق العثماني و قلت في نفسي قد أكون ظالما لهذا الحزب, رغم أنني كنت متأكدا من تاريخ و مواقف زعمائه و نظرتهم العنصرية لغير المسلمين, لكن كنت أعزي نفسي بأن الإسلامويين قد راجعوا أفكارهم, لكن لا شيء تغير, فقد جاء مستجد ليؤكد أن هذا الحزب فعلا قائم على أساس ديني عنصري, إذ تم رفض طلب أحد المحامين المغاربة اليهود الذي تقدم به بهدف الانضمام إلى هذا الحزب الذي قال عنه العثماني إنه مفتوح في وجه المغاربة, و المضحك في الأمر أن المحامي المعني بالأمر و المسمى إسحاق شارية خرج أمام الناس ليعلن أنه مسلم أبا عن جد, ولكن البيجيديين عندما وجدوا أنفسهم أمام فضيحة لا تغتفر أسرعوا مرة أخرى لتبرير رفضهم تبريرا سخيفا بكون اسم إسحاق مثير للشكوك, ليضيفوا فضيحتهم الأولى إلى فضيحة أكبر منها, فمتى يا ناس كان ما عبد و حمد من الأسماء شرطا للانتماء إلى الأحزاب؟
و المضحك كذلك أن أتباع هذا "الحزب" اعتبروا طلب إسحاق مؤامرة من الأعداء لتوريطهم و فضح حزبهم الذي يزعم أنه غير قائم على أساس ديني.
- ثانيا: نرفض أن نصف هذا التنظيم ب "حزب العدالة و التنمية" لأنه لا يحمل في الحقيقة مشروعا سياسيا و اقتصاديا كفيلا بتحقيق العدالة و التنمية, فسنتين من تدبيره للشأن العام كانتا كافيتين لإظهار فشل هذا التنظيم على مختلف المستويات, فنسبة البطالة في ارتفاع و الاقتصاد إلى الحضيض و المشاريع التنموية عطلت و الجانب الحقوقي يعرف تراجعات و خروقات خطيرة و مكتسبات الشغيلة تغتصب و الأسعار بلغت أقسى مستوياتها و الديون تتراكم يوما عن يوم و الشعب يزداد تفقيرا...فهل بعد كل هذا يصح أن نسميه "حزبا للعدالة و التنمية"؟ .
الحقيقة أنه لو كنا في دولة ديمقراطية لتم حل هذا التنظيم لمخالفته للقانون, و هو المطلب الذي رفعته مجموعة من الفعاليات الأمازيغية إلا أنه لم يلق مساندة من باقي القوى الديمقراطية, نظرا لتداخل المصالح و نظرا لأن حل هذا الحزب أمر مستبعد, بل و مستحيل مادام هو الخادم الأمين و الممرر الموثوق به للسياسات المخزنية التي لم تجرأ حكومة من قبل على تمريرها.
* لماذا لا ننتقد البام و لا الاستقلال ؟
من المبررات الموغلة في السخافة و الوقاحة و التي يصوغها أتباع ما يسمى حزب العدالة و التنمية لاتهمنا بالانتماء إلى البام و أحيانا إلى الاستقلال, أننا لا نكف عن توجيه انتقاداتنا لحزبهم في حين نتغاضى الطرف عن الحزبين الآخرين, و هنا نتساءل: من يقود الحكومة هل البيجيدي أم البام و الاستقلال؟ متى كان الناس ينتقدون أحزابا لا تحكم؟ هل كنا ننتقد ما يسمى العدالة و التنمية عندما كانوا في "المعارضة"؟ كيف يعقل أن ننتقد حزبا لم نجربه بعد, و لم يتول تسيير شؤون البلاد بعد ؟ .
ما يتجاهله البيجيديون أن حزب الاستقلال أيام كان في الحكومة لم يسلم هو الآخر من نقدنا اللاذع, بالرغم من أن انجازاته في مختلف الميادين كانت جد مرضية, حتى أن المغاربة ندموا على أيام عباس الفاسي و يتمنون عودة الاستقلال إلى “سدة الحكم”.