مولود بوفلجة / جديد أنفو
أصبحت الفرجة الرياضية عامة، و فرجة كرة القدم بصفة خاصة، لعبة إلهاء لفئات عريضة من شعوب العالم تُأسس لثقافة التفاهة و التلقي السلبي و تبعد عن ثقافة الفعل والإنجاز. فأضحى الإنسان في المجتمعات التبعية المتخلفة عاجزا عن بناء اقتداره الذاتي وتمكينه الكياني لغياب الوعي بالذات في شروطها الموضوعية: الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية، لأنه تائه في أحضان اهتمامات عرضية يتخيلها جوهرية كشغفه اللامتناهي بكرة القدم ،فنجده يحزن حزنا عميقا لانهزام بارصاه أو رياله و يفرح فرحا طفوليا جنونيا لفوز معبوده من الفرق.
فكرة القدم أضحت تمارس علينا سلطة دائمة و استيلابا ممنهجا يكرس عادة الإدمان التلفزيوني أمام سيل المباريات و الأخبار الرياضية التي تجود بها علينا القنوات التلفزيونية لخلق مجموعة من الصامتين الذين لا يطمحون إلى تغيير مجرى التاريخ ،فبالأحرى تغيير واقعهم.
ففي مجتمعنا المغربي مثلا هناك فئات عريضة تقضي وقتا طويلا مسمرة أمام الشاشات تتابع كل صغيرة و كبيرة عن كرة القدم و عوالمها ،فتُستلب الإرادة و يتبلد الوعي و تُحجب الرؤية النقدية. لقد أصبح كثير من المغاربة منتمين أشد الانتماء، لا إلى حزب سياسي أو ناد أدبي أو جمعية ثقافية ،بل إلى حلف الريال أو البارصا الوداد أو الرجاء إسبانيا أو البرازيل. يُديرون بينهم حروبا وهمية يحاربون فيها طواحين الهواء ،فتنفجر العدوانية اللفظية في الشتم و السباب و الوعيد و التهديد و الكلام النابي، فيغيب التفكير المنطقي و تُحجب الرؤية الواضحة و تُشل القدرة على التفاهم و التمثل الايجابي للواقع .والحقيقة هي أننا لا نستطيع تقبل وضعيتنا البئيسة و المتخلفة فنخلق لأنفسنا عوالم تعويض وهمية، فيظن المرء أنه بانتصاره لفريقه يثبت ذاته لكنه في الواقع ينفيها و ينفي وجوده باختزال كيانه في كونه بارصاوي أو ريالي ناسيا أن الرياضة في المغرب مجال خصب للفساد و الريع و بيع الأوهام.فقد تحولنا إلى مجتمع قيمي تسيطر فيه الفيديولوجيا على حساب الإديولوجيا بهدف تنميط الأفكار و تسطيح الوعي و خلق عقلية قطيع سهل الانقياد.
لا نختلف قيد أنملة أن للرياضة مكانتها المحفوظة و أهميتها في تشكيل شخصية الإنسان وفضائه النفسي وتكوينه الجسماني ،هذا إذا كانت فعلا وممارسة و ثقافة فكم من شغوف متلهف للفرجة لم تطأ قدمه ملعبا ولا لمس كرة و لا ركض جريا إلا وراء لقمة الخبز الحارة، يظل يجتر أيامه ولياليه بكراسي المقاهي ببطن متدل مرتخ يعقب السيجارة بالسيجارة ويحتسي كؤوس القهوة المرة مرارة واقعه، لكن إذا سألته في الكرة وجدته بحرا لا ساحل له في فرقها و مواعيدها وارشيفها. وأخبار لاعبيها.
تصوروا معي جدلا لو تحول هذا الوعي الكروي إلى إدراك حقيقي لهمومنا واحباطاتنا ،و لو تحولت الأندية الرياضية المنعقدة بشكل يومي في المقاهي إلى نقاشات حول السياسة والاقتصاد و الثقافة والدين و الفكر الفقر و غلاء المعيشة والبطالة و الأمية و الجريمة و التفكك الأسري.... لو كان الحال كذلك لتحول الحال إلى أحسن حال و لوضعنا المبضع على الجرح و عرفنا واقعنا وسعينا إلى تغييره ووضعنا اليد على مكمن الخلل.
في الأيام القليلة الماضية حقق الرجاء البيضاوي انتصارات كروية شكلت الاستثناء في رياضة مغربية تراكم الهزائم و الاخفاقات.انتصارات لا أحد يستطيع تبخيسها ولا التقليل من قيمتها، لكن باعتبارها إنجازا كرويا و كفى.أما أن يتحول الأمر إلى فتح مبين تنتفي معه كل هموم الواقع و تفرد له القنوات التلفزية نشرات أخبارها و عناوين برامجها و ينشغل الناس عن أداء واجباتهم بل منهم من دفعه الحماس حد المطالبة بعطلة وطنية فذاك في تقديري المتواضع مجانب للصواب،فالأمور يجب أن تبقى في سياقاتها الحقيقية وتقدر بقدرها حتى لا يصبح الأمر مدعى للسخرية .
إن ما نحن في حاجة إليه فعلا هو تشجيع الممارسة الرياضة لا الفرجة الرياضية و ذلك ببناء القاعات الرياضية و دور الشباب و إعادة الاعتبار للرياضة المدرسية لأن الرهان الأساسي هو تشجيع ثقافة الفعل و الانجاز لدى الأطفال و الشباب وليس خلق جحافل من الذين يضبطون ساعاتهم على مواعيد المباريات الكروية في هدر مجاني للزمن.
مجرد وجهة نظر و النقاش مفتوح..