مولود بوفلجة - تنغير / جديد انفو
ارتفعت وتيرة الحياة و كثرت انشغالات الأحياء في مدينة قلعة مكونة و امتلأت الشوارع و غصت الممرات و نصبت الخيام هنا و هناك و تعددت الأنشطة و المعارض و المعروضات حتى تفرقت الظباء على حراش فما درت حراش ما تصيد احتفاء بالغائب الأكبر الورد، '' مولد او صاحبو غايب '' على حد تعبير المصريين، في تثبيت لثقافة الاحتفال بالغياب فقد ألفنا عقد الندوات و الموائد المستديرة و المستطيلة احتفالا بالتنمية و بالعدل و بالشعر و بالفلسفة و بحقوق الإنسان و بالسينما... كذبا و بهتانا ودون خجل و نحن نعرف في قرار أنفسنا أننا على غيرنا و على أنفسنا كاذبين.
و للإشارة المكرورة فالمواسم و المهرجانات في المغرب السعيد سنة محمودة اتبعتها كل الحكومات ملتحية كانت أم يسارية أم يمينية لغايات في أنفس اليعاقيب حتى أصبح لكل مدينة بل لكل قرية مهرجانها في أفق تحقيق الغاية الكبرى و هي مهرجان لكل مواطن و المهرجانات و المواسم عندنا متشابهة حد التطابق فلكل واحد منها معرضه و سهراته و ملكة جماله أو ملك جماله في حال كان الموسم للحمير.و خصوصية هذه المهرجانات أنها تحتفي بكل شيء فللدلاح و للخوخ و للتمر و للفرس و للحمار و للزريعة ...مهرجاناتها و للسينما مهرجاناتها رغم عدم وجود قاعات سينما و للضحك مهرجانه ،ضحك أصفر و بكل لغات العالم على ذقون شعب تكلست أسارير وجهه و لم يعد قادرا على خلق الابتسامة نتيجة صراعه مع المعيش و اليومي..
في قلعة مكونة هذه الواحة الجميلة الغناء التي شيدت مبانيها بعرق المهاجرين ،يتم الاحتفاء بالورد بهذه النمطية الفجة التي تسم كل المواسم المغربية دون أدنى مراعاة لخصوصية المدينة و لا لامكاناتها المادية و حاجاتها الثقافية فحجم الإنفاق في هذا الحدث لا يتوافق مع حجم إنتاج الورد لأن الهدف الحقيقي للمهرجان هو بعده الفلكلوري و خلفيته السياحية المحضة فأصبحنا كحال ذلك الذي أوقد النار في ورقة نقدية من فئة مئتي درهم ليبحث عن أخرى من فئة عشرة دراهم.. تم الاحتفال بفرجة الفروسية لأناس يظلون يلهبون مؤخرات حميرهم بوخز شوك النخل وحضرت الفنانة نجاة عتابو لتغني علينا و ليس لنا و هي صادقة: هاذي كذبة باينة أو لتغني بلسان حال أبناء القلعة الذين ملوا اللعبة لكنهم يعاودون الجوع إليها : ''أنا جيت أنا جيت واخا جيت جونيمار.''
الناس يقصدون الموسم ولكل واحد منهم له فيه مأرب ،فالإعلامي مثلا يخلق الحدث من اللاحدث و من اللا شيء يقوم بتغطية التعرية و يصنع من الحبة قبة، و لكم في موازين مهرجان مهرجانات المغرب عبرة يا أولي الألباب فقد أصبح المهرجان حديث القريب و البعيد و شغل كل قنوات و أبواق التطبيل التي تبشر بهذا الفتح تبشيرا في إثبات لغلبة الدولة العميقة و قدرتها على الحفاظ على ثوابتها وآليات اشتغالها رغما عن أنوف و لحى الحاقدين..و ''الحلايقية ''بالمعنى الشامل للكلمة يجدون لأنفسهم فرصة للتهريج و ''النشالون'' ،بالمعنى الواسع للكلمة مرة أخرى ،يجدونها فرصة للاشتغال بلعبة خفة اليد و الشباب و النساء يجدونها فرصة لخلق فرحة عابرة سرعان ما توقظهم منها لعنة العطالة و ضيق ذات اليد لأن ثلث أيام ديال الباكور تمر مر السحاب الذي لا و لن يمطر غيثا و لا تنمية و لا عملا قارا و لا مستشفى...
نحتفي بمواسم لأشياء لا نمتلكها ففي تافيلالت على سبيل التمثيل فقط هناك موسم للتمور فيتخيل من لم يزر المدينة أن المنتوج متوفر للجميع في حين أن الأغلبية منا لا تنال منه إلا ما تحشف أما المجهول فهو اسم على مسمى لا نعرف له طعما و لا رائحة و في أحسن الأحوال نلجأ جميعنا نحن و أنتم في جميع مناطق المغرب إلى تمور تونس و مصر و العراق و رمضان المقبل سيأتيكم بالخبر اليقين.و تحتفل مدينة ميدلت بالتفاح الذي لا يجني منه الكثير من أهلها سوى مشقة حمل الصناديق و أكل ما سقط و لم يبق ثابتا في الشجر أما الجيد من الفاكهة فهو يعرف البطون التي سيستقر فيها داخل الوطن أو خارجه و يعرف الأفواه التي ستلوكه.
لنكن صادقين مع أنفسنا و نخلد مواسم حقيقية تعبر عن واقع الحال ،حينئذ ستكون المناسبة سانحة للاحتفاء بالفقر و العراء و الأمراض و سيكون للأمية مهرجانها الذي نتبارى فيها حول المناطق الأعلى نسبة فيها و سنحتفي بأقدم معطل في كل مدينة من مدننا و سيصبح للفساد مهرجانه الذي سيفوز به الأكثر قدرة على الاختلاس دون حسيب لأن في بلد نعفو فيه باسم الله عن كل ما سلف..