أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني دورية رقم 733 بتاريخ 01 أبريل 2014 لتنظيم عمليات الإعلام والتوجيه للتكوين المهني حاملة بعض المستجدات خاصة على مستوى مسطرة التوجيه وإعادة التوجيه والجسور بين التعليم المدرسي والتكوين المهني، وكذا على مستوى آليات التنسيق بين القطاعين.
وتأتي هذه الدورية في سياق الإعداد لإصلاح جديد لمنظومة التربية والتكوين وفي ظل دمج القطاعين في وزارة واحدة، وفي سياق اقتصادي وطني يتسم بالحاجة المتزايدة لخريجي التكوين المهني خصوصا في بعض القطاعات الصناعية الحديثة، كمجال الطيران وصناعة السيارات وغيرهما.
وإسهاما في النقاش العمومي حول إشكالية التوجيه عموما والتوجيه للتكوين المهني خصوصا، أحاول في ما يلي مقاربة سياق هذا الموضوع وآفاقه:
1. موضوع التوجيه في صلب خطاب 20 غشت 2013:
وضع الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2013 جميع الفاعلين في منظومة التربية والتكوين أمام مسؤولياتهم من خلال سؤال محوري يلخص الإشكالية الحقيقية التي ينبغي على أي إصلاح مقبل الإجابة عنها، وذلك عندما قال جلالة الملك: " يبقى السؤال الملح الذي يطرح نفسه: لماذا لا تستطيع فئات من شبابنا تحقيق تطلعاتها المشروعة على المستوى المهني والمادي والاجتماعي؟".
وقدم الخطاب الملكي مقارنة بين بعض التكوينات والتخصصات في التكوين المهني والمدارس والمعاهد المختلفة التي تيسر الاندماج في سوق الشغل وتلك الدراسات الجامعية التي تنتج العطالة، ملامسا بذلك إشكالية الملاءمة بين مخرجات الجامعة المغربية ومتطلبات التنمية السوسيواقتصادية لبلادنا.
ودعا جلالة الملك إلى إيلاء المزيد من الدعم والتشجيع لقطاع التكوين المهني، ورد الاعتبار للحرف اليدوية والمهن التقنية، بمفهومها الشامل، والاعتزاز بممارستها وإتقانها في علاقة مع قيمنا الحضارية.
ولعل التوجيه الدراسي والمهني، باعتباره سيرورة تربوية تهدف إلى مساعدة المتعلم على رسم معالم مستقبله الدراسي والمهني وتنمية الجوانب الذاتية لشخصيته في علاقتها مع المحيط ، يحتل محور المقاربة التي تناول من خلالها الخطاب الملكي وضعية منظومة التربية والتكوين وآفاق إصلاحها.
وقد ترجمت الهيكلة الجديدة للحكومة التوجيهات السامية المتضمنة في هذا الخطاب، عندما دمجت قطاعي التربية الوطنية والتكوين المهني في وزارة واحدة، في إشارة إلى مقاربة جديدة في تناول قضية التوجيه إلى التكوين المهني.
2. مساهمة في بناء مقاربة جديدة للتكوين المهني:
ومن المؤكد أن معالجة سؤال التوجيه إلى التكوين المهني لن يتم فقط بدمج القطاعين أو إصدار دورية جديدة، بل الأمر يتطلب إجراءات وتدابير إضافية لتحقيق الغايات التي رسمها الخطاب الملكي، في اتجاه تبني منظور مندمج واستراتيجي للتكوين المهني ببلادنا، بعيدا عن السياسات القطاعية والمقاربات التجزيئة، وذلك بالنظر إلى عدم وجود رؤية واضحة للموضوع أوعلى الأقل عدم اكتمالها، سواء على مستوى المدخلات أو السيرورات أو المخرجات، حيث نجد تشتت مدخلات التكوينات المهنية بين قطاعات وزارية متعددة إضافة إلى مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، ونجد مناهج وطرائق بيداغوجية تختلف باختلاف القطاعات المكونة، وقبل هذا وذاك تطرح تساؤلات عن مدى انسجام مخرجات التكوينات مع حاجيات سوق الشغل.
وبناء عليه فإن معالجة مسألة التوجيه للتكوين المهني ينبغي أن تندرج في إطار مراجعة جذرية لمنظومة التكوين المهني ضمن مقاربة لتجسير العلاقة بينها وبين التعليم المدرسي من جهة وبينها وبين وسوق الشغل من جهة أخرى، ومن أبرز التدابير التي أراها ناجعة في هذا الإطار:
2-1: على مستوى التخطيط والتتبع:
ـ تجميع التكوينات تحت إشراف مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل من خلال التقليص المتدرج لعدد القطاعات المكونة؛
ـ توحيد المناهج التكوينية والطرائق البيداغوجية المعتمدة وكذا آليات الإشراف والتتبع والتقويم؛
ـ اعتماد الدراسات الميدانية والتشاور مع المتدخلين والفاعلين في المجال التربوي والاقتصادي والاجتماعي أساسا لإحداث المؤسسات والتخصصات في التكوين المهني؛
ـ تتبع الخرجين وإعداد إحصائيات حول نسب الاندماج في سوق الشغل من خلال إحداث مرصد وطني.
2-2: على مستوى آليات التنسيق:
استحدثت الدورية الوزارية الجديدة الخاصة بالتوجيه إلى التكوين المهني لجنا مشتركة بين قطاعي التربية الوطنية والتكوين المهني كآليات جديدة للتنسيق على المستويات الثلاث: المركزية والجهوي والإقليمية، وهو ما يعد مبادرة مهمة في اتجاه مأسسة الشراكة بين القطاعين، لكنها مبادرة تحتاج إلى مزيد من الإنضاج خصوصا وأنها لم تستحضر وجود آليات مؤسساتية أخرى كلجنة التنسيق مع التكوين المهني المحدثة ضمن المجلس الإداري للأكاديميات، وآلية التنسيق الجهوي التخصصي في مجال التوجيه، ومفتش المنطقة في مجال التوجيه.
كما أن الدورية تركت غموضا في مسؤولية تدبير اجتماعات هذه اللجن حين جعلته بشكل توافقي بين القطاعين، وفي هذا الصدد لابد من حسم الأمر بجعل تدبير ملف التوجيه للتكوين المهني جهويا وإقليما يتم تحت إشراف الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية للوزارة تجسيدا لدمج القطاعين في وزارة واحدة، وتوخيا للنجاعة في تدبير عمليات التوجيه بين المسارات الدراسية والتكوينية.
2-3: على مستوى الإعلام والتوجيه:
لابد من تجاوز طريقة الحملة الإعلامية الظرفية التي تقوم بها مؤسسات التكوين المهني والتي تركز على استهداف كمي للتلاميذ وتفتقد غالبا للجوانب النوعية في التواصل وتقديم المعلومة، وذلك من خلال:
ـ برمجة أنشطة إعلامية نوعية حول تخصصات التكوين المهني: أيام إعلامية بالمؤسسات التعليمية، منتديات ولقاءات إعلامية بتنسيق مع جميعات الآباء والأمهات وجميعات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين، زيارات منظمة لفائدة التلاميذ لمؤسسات التكوين المهني...
ـ برمجة أنشطة نوعية للتعريف بالمهن في مختلف المجالات وآفاق التشغيل فيها: أشرطة فيديو حول المهن، لقاءات مع مهنيين، زيارات للمقاولات....
ـ إدماج الإعلام حول المهن في المناهج التربوية لمختلف المواد الدراسية.
ـ تغطية جميع مستويات التكوين بخدمات الإعلام والتوجيه للتكوين المهني وعدم الاقتصار على مستويي التخصص والتأهيل، علما أن مستويي التقني والتقني المتخصص يشهدان إقبالا متزايدا من طرف التلاميذ في السنوات الأخيرة.
ـ وضع إجراءات واضحة تسمح للفئات المستفيدة من التربية غير النظامية والحاملين لشهادة محو الأمية الوظيفية من ولوج التكوين المهني.
ـ بلورة تصور متكامل يمكن من إرساء وتدبير عملية إعادة التوجيه المشار إليها في الدورية، بشكل ينسجم مع مقتضيات المذكرة 90 المتعلقة بتنظيم عمليات التوجيه، ويمكن من ربط الجسور والممرات بين التعليم والتكوين المهني.
ـ بلورة تصور واضح للباكالوريا المهنية وآفاقها.
ـ رصد مبكر للتلاميذ الذين تبرز لديهم مؤهلات وميولات لولوج التكوين المهني، من خلال استمارة توجه للأساتذة والحراس العامين بالسلك الإعدادي.
ـ تنظيم أنشطة لمساعدة التلاميذ على استكشاف ميولاتهم ومهارات المرتبطة بالمجالات المهنية: روائز واستمارات، تمارين استكشاف الذات، لعب أدوار، تكليف التلاميذ بإعداد ملفات حول المهن في علاقة مع المقررات الدراسية، إحداث أندية المهن في المؤسسات التعليمية...
ـ تنظيم مقابلات فردية وجماعية لفائدة التلاميذ الراغبين في التوجيه للتكوين المهني بتنسيق بين الإطار في التوجيه وأطر من التكوين المهني.
ـ التفكير في إمكانية تغطية مؤسسات التكوين المهني بخدمات الاستشارة والتوجيه، لمصاحبة التلاميذ في تكوينهم ومساعدتهم على تجاوز الصعوبات، وبناء مشاريعهم المهنية بعد التخرج.
ـ العمل على إرساء شبكات التربية والتكوين المنصوص عليها في الميثاق الوطني.
إن التوجيه إلى التكوين المهني، يتطلب مقاربة جديدة تجعل مسار التكوين المهني اختيارا مؤسسا على سيرورة تربوية تتم خلالها مصاحبة التلميذ في مشاوره الدراسي ، من خلال أنشطة تساعده على بلورة وإنضاج اختياراته التكوينية والمهنية، وليس مسارا يرتمي فيه التلميذ بشكل عشوائي بعدما يستنفذ الفرص المتاحة له في التعليم المدرسي؛ ولا شك أن هذه المقاربة تتطلب رؤية شمولية ومتكاملة للموضوع، وتنسيقا وتشاركا دائمين بين قطاعي التربية الوطنية والتكوين المهني ومختلف المتدخلين المعنيين في هذا المجال.