كثر الحديث عن بنكيران وحكومته، من مع ومن ضد، وقد بلغ الأمر في ذلك حدا لا أخلاقيا غير مسبوق، من الافتراء والكذب والتأويل المغرض والإخراج المأجور، تضافرت في تولي كبر إثمه وترهاته في المقام الأول حتى قبل صحف المعارضة وبهرجتها أجهزة الإعلام الفاسد التي لا زالت تقصف الناس في بيوتهم وحلهم وترحالهم بتعيير حكومتهم والتمثيل الهزلي السخيف برئيسها وفريق أوجوقة وزرائه كما يصفونهم وفي كل برامجهم وتحركاتهم قبل مبادراتهم وتصريحاتهم،والغريب أن يكون جل ذلك عبر برامج واستجوابات انطباعية أصبح الكل فيها حتى الأطفال والبغال والحمير بارعين في السياسة ومتضلعين فيها وجلهم لا يعدو أن يكون من ضحايا الجهل وكلام الشارع وهراء قيل وقال المقاهي،وطبعا الصورة الإعلامية المشوهة والمشبوهة والمحاربة بكل قواها نيابة عن العفاريت والتماسيح وبلا شك عن المناخ الدولي المفضوح ومخاضات الربيع العربي المسروق محاولة بذلك زعزعة وضع تاريخي قديم لازالت لحسن الحظ وبغض النظر عن الأزمات والحكومات والمآلات،تمسك دعائمه ومعالمه وأعلامه قناعات تاريخية متجذرة واستثناء مغربي حضاري اختار على الدوام الإصلاح والتجدد في ظل الاستقرار؟؟؟.
بنكيران لازال صامدا رغم الأمواج العاتية والظروف القاسية وقائدا سياسيا محنكا رغم العفاريت والتماسيح الضارية والمعارك المنهكة والمواقع غير المتكافئة والإمكانيات غير المسعفة، ظاهرة خطابية واعية وبارعة وغير مسبوقة،صادقة متواضعة عنيدة ومقنعة للعديد من الطبقات الشعبية التي لازالت ترى فيه الأمل لتغيير حقيقي طالما اشرأبت إليه أعناق المغاربة، وحلم به وناضل من أجله المغرب وهو المهدد بالسكتة القلبية والكارثة السياسية والاجتماعية والثقافية؟؟؟. ولكن رغم ذلك فالعفاريت والتماسيح بتعبير السيد بنكيران لم تألوا جهدا في تسديد ضرباتها وعضاتها ولسعاتها للتجربة الحكومية الفتية، وقد أفلحت فعلا في تصدعها ولحسن الحظ أنها تمكنت كالعنقاء من لملمة جراحها وتجديد نفسها وخروجها كالعنقاء من الرمضاء بنسخة ثانية ربما أكثر تماسكا وفعالية وشعبية وتجاوبا مع النساء على الأقل.ولازال السيد الرئيس وحكومته الثانية ينجزون وبكل إصرار،وقد عرف المغرب في عهدهم قرارات سياسية بناءة ربما قد تكون رمزية ولا تلبي الحاجيات ومتطلبات الواقع الكبيرة والكبيرة جدا، خاصة بالنسبة للطبقات الشعبية المحرومة والمقهورة وعلى مدى أزيد من نصف قرن، ولكن بلا شك قرارات لها دلالات رمزية بالغة وإشارات سياسية كبيرة وفي اتجاه الإصلاح والإصلاح ألتشاركي ومحاربة الفساد والاستبداد محاربة قد تبدو كما قلنا ضعيفة وبطيئة ولكن لا هوادة فيها؟؟؟. خذ مثلا وبكل تجرد وموضوعية قرارات الزيادة في الحد الأدنى للأجور،في منحة الطلبة،في معاش المتقاعدين،قرار المساعدة الطلبة عبر"الرميد"،تخفيض أثمنة العديد من الأدوية،مساعدة "تيسير" لدعم التمدرس وحق التعويض عن فقدان الشغل وبرنامج التكوين من أجل إيجاد الشغل ومشروعي منع اشتغال موظفي القطاع العمومي في القطاع الخصوصي من أجل توفير المزيد من مناصب الشغل،الشفافية والاستحقاق في إسناد المناصب العليا،الحوار غير المسبوق مع جمعيات المجتمع المدني والذي ولاشك ستكون فيه إصلاحات، منظومة إصلاح منظومة العدالة وقطاع العدل والحريات،دفاتر التحملات التي تفرض على الإعلام الوطني احترام هوية المغاربة الممولين له والعدل والإنصاف بين الشركات المستثمرة في المجال،ضرورة المبارة للولوج إلى مناصب الشغل المتاحة بدل التدخلات والوساطات والاحتجاجات،التخفيض بل القضاء على الإضرابات المجانية في العديد من القطاعات، الجرأة غير المسبوقة على الخوض في مجالات ظلت طوال عمر الحكومات السابقة تعشعش وتستفحل فيها الاختلالات كصندوق المقاصة وصناديق التقاعد؟؟؟.
الأكثر من ذلك، أنه لازال حزب بنكيران الممثل الأساسي في الحكومة، يقوم بقوافله التواصلية مع المواطنين في واضحة النهار وعبر العديد من مدن و مداشر المملكة، لازال يفوز في العديد من الانتخابات الجزئية وعلى كل المعارضين فرادى ومجتمعين، ولازالت خطاباته جد مقنعة للمواطنين ومفندة لشوشرة المعارضة وسبابها وتباكيها،وفاضحة لخفافيش التحكم في الظلام وحماة عفاريت الفساد والاستبداد،لازال بنكيران "يتبورض" في جلساته البرلمانية الشهرية فلا يبقي على الخصوم ولا يذر، ولا زال المواطنون ينتظرونه في كل جلسة برلمانية وكل مهرجان خطابي وكأن خطابه بعمقه وفرجته للعديد منهم مصل ودواء، وما فتىء الرجل يصدق ويجد ويتواضع ويصرح غير ما مرة أنه أقدم على إصلاح أو اتخذ قرارا بمبادرة منه أومن شخص أو مؤسسة أو نقابة أو حتى معارضة نصحت له به و وجده معقولا،دون أن يجد في ذلك غضاضة بل يقدم الإصلاح والمصلحة العامة وهي الأهم؟؟؟. وهذه كلها مؤشرات ودلالات تدل على شيء أساسي وجوهري وهو أن بنكيران رجل الإصلاح والتغيير يا قوم لو تعلمون؟؟؟. صحيح أنه مبتدىء ولازال بينه وبين الذي ينبغي أن يكون ما بين السماء والأرض،ولازالت التغييرات لا تلامس أرض الواقع ولا تعود بكثير شيء على حياة المواطنين خاصة المحرومين والمهمشين وكذلك المسحوقين من العاملين والطبقات الوسطى وهي في الغالب الطبقات التي تنتظر الحكومة وبرامجها ومساعداتها، أما الطبقات الميسورة والمحظوظة والمتنفذة والمحتكرة للثروة الوطنية في مجملها فلم تمس مصالحها ولا امتيازاتها مما يجعل مؤشر العدل والإنصاف الوطني في حكومة بنكيران لم يتململ بعد من مكانه بشكل ملحوظ ومطمئن، وهي التي وعدت بذلك؟؟؟. لازال التشغيل والتعليم والصحة والبيئة والأمن الروحي والجسدي والقدرة الشرائية للمواطن في قطاعها العريض متدهورة إلى جد متدهورة رغم كل الجهود المبذولة وهي ولاشك جبارة وجد جبارة إذا ما قورنت بمثلنا من الدول النامية والسائرة في طريق النمو، ولا تزال الطامة الكبرى في البطء الشديد أو على الأصح في عدم تفعيل الدستور الجديد،وكأن المغاربة عاشوا ثورتهم السلمية العارمة بكل تمظهراتها التي كانت فعلا خطيرة ولازالت إلى اليوم كذلك ولو في صمت وتحت الرماد،كأنهم عاشوا كل ذلك لينتجوا دستورا يضعه الواضعون بكل بساطة على الرفوف وفي الواجهات لتستمر الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية كالمعتاد،ومع الأسف باسم الشعب وهو يرفض وباسم الحكومة وهي تدري أولا تدري؟؟؟.
بنكيران رجل الإصلاح والتغيير يا قوم لو تعلمون،نعم ولكن لماذا ليس هناك إصلاح وتغيير يرضي الجميع كما هو منتظر،فقط لأن الإصلاح والتغيير ليس مسؤولية بنكيران وحكومته وحدها بل للإصلاح والتغيير قواعد وسنن لابد منها وعبثا ينتظر المنتظرون بدونها ومن ذلك:
1- لابد من تصور واضح لهذا التغيير المنشود، غاياته ومنطلقاته وأهدافه، رؤيته وسائله وبرامجه، جغرافيته وحدوده وزمنه ورجاله...، ويكون محط توافق مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين..، وأعتقد أن الدستور الجديد بما يضمنه من واجب تحسين حياة المواطنين كل المواطنين وما يضمنه لهم من حقوق العيش الكريم من صحة وتعليم، وتشغيل وسكن وبيئية وثقافية وفن ورياضة..، هذا الدستور الجديد يمكن بل يجب اعتماده، لكن بجدولة زمنية مضبوطة وحكامة تدبيرية صارمة، ولنتذكر أن تغيير اليوم إن لم يقع بالشكل وبالحجم المطلوبين يصبح غدا متجاوزا أو على الأقل يتضاعف حجمه بما لا طاقة لنا به؟؟؟.
2- لابد من حكومة منسجمة وفاعلة تتحمل مسؤوليتها في التحالف على الإصلاح أولا وقيادته، ولها برنامج إصلاحي واقعي جريء، راهني واستراتيجي وفق منهجية رابح رابح لجميع الطبقات والفئات والجهات والمجالات، مستثمرة في شرعيتها الانتخابية و حاجة الشعب إلى التغيير الحقيقي لا مجرد رتوشات وماكياجات وإسعافات وإكراهات ونشرات إخبارية لا تخفى سخافتها ودعايتها الفارغة،لابد أن تعيد الحكومة النظر في سياسة الزيادات المضطردة في الأسعار دون الزيادة في الأجور والمعاشات، بل دون الحفاظ على مكتسبات الطبقات الوسطى وهي خط أحمر لا يمكن أن يتم الإصلاح على حسابها وحدها، الإصلاح يتطلب حكومة تستثمر قبل ذلك في الإرادة السياسية القوية للقصر وحيويته الدائبة الواسعة والشاملة واليومية،لكسب تحديات الواقع ورهانات المحيط العربي والدولي التي لا ترحم المتخلفين عن مواعيدهم وفرصهم مع التاريخ؟؟؟.
3- لابد من معارضة وطنية قوية وميدانية لا مجرد معارضة الجرائد و وسائل الإعلام الفاسدة والمغرضة، ولتكن هذه المعارضة شرسة ما حلت لها الشراسة ولكن داخل الموضوع لا خارجه (الحشيش نموذجا)وفي صلب التغيير لا على هوامشه(مخالفة القطعي من الشريعة نموذجا)، التغيير يتطلب معارضة موضوعية وبناءة في تنزيل الدستور و تكوين مجالسه العليا، في الحفاظ على المكتسبات والقدرة الشرائية وعلى الأمن الروحي والجسدي للمواطنين،معارضة ليست برلمانية فقط ولا مشوشة فقط ومعارضة من أجل المعارضة ولكن معارضة الكفاءات والبدائل والحوار الديمقراطي والعرائض والتظاهرات والمظاهرات ومن هموم المواطنين وبالمواطنين لا من مطامح شخصية زائلة وحزبية ضيقة ولو بالبلطجة وبالحمير والبغال؟؟؟.
4- مجتمع مدني حي فاعل مستقل وشريك فعلي في تنمية القرب المستدامة وفق قوانين الدستور الجديد والحريات العامة المواكبة،مجتمع يكون مشتل لإنتاج النخب الفاعلة والكفاءات الديمقراطية والقوة الاقتراحية والمشاريع التنموية، والعرائض والأنشطة وغيرها من الخدمات. وقبل ذلك مواطنة ودمقرطة وخدماتية الأحزاب والنقابات والشركات والمقاولات والأبناك...، وقبلها الحكامة الجيدة للمجالس الجماعية والإقليمية والجهوية وكافة المؤسات الإدارية والخدماتية،بقوانين وإمكانيات ومتابعات تربط فعلا المسؤولية بالمحاسبة؟؟؟.
5- حتى يغادر اللامبالون من الشعب مقاعد المتفرجين إلى جموع المهتمين وفريق اللاعبين بعزم وإرادة في المساحات المتاحة في ملاعب الإصلاح وما أكثرها وما أوسعها، حتى ينأى الشعب بنفسه عن مجرد كونه أصوات انتخابية تنخدع بوعود زائفة وتبيع نفسها كيفما وبما ولمن كان.حتى يكون الشعب واعيا وقادرا على حماية تجربته واختياره بما يلزم من عرائض و تظاهرات ومظاهرات لا أن تنطلي عليه الألاعيب وينساق وراء الخصوم والأعداء وترهات الإعلام المتحامل، وقبل هذا حتى يغادر كل فرد منا مقعد مجرد الفرجة والتعليق والاستهلاكية والانتظارية فيساهم بنفسه في تغيير أحواله وتحسين أمره وأمر من يستطيع ويجد إليهم سبيلا وهو الأمر الجيد المتاح في المغرب وبلا حدود والحمد لله،المبادرة الحرة والجهد الفردي الخاص قبل الجهد الجماعي والجمعي والحزبي والحكومي.وجميل بعدها أن نحاسب الحكومة وغيرها صباح مساء ولكن لنتأكد ألا إصلاح ولا تغيير يرتجى إذا لم نحاسب أنفسنا وأحزابنا وجمعياتنا ومقاولاتنا ولو عشر معشار ما نحاسب غيرنا؟؟؟.