فتاة في عمر الزهور عاشت طفولتها بين أحضان أسرتها الصغيرة، أمضت مراهقتها بين نار سلطة أخيها وعقليته الذكورية عاشت ضحية ساديته، لا يمر عليها يوم دون أن تتعرض للعنف بجميع أنواعه وأشكاله الرمزي منه والجسدي وهذا كله تحت ذريعة الشرف فهو بالأخير أخوها وهي تعتبر ملك له ومهددة لشرفه الذي يربطه ببعض قطرات من الدم إلى أن تصبح ملكا لزوجها، فهي مشيأة لا تمتلك كيانها ولا يحق لها التصرف بحياتها وبجسدها كما يحلو لها. كان كلما وجدها تتحدث مع زملائها وأصدقائها أمام الثانوية التي تدرس فيها إلا وهرول تجاهها وشرع في ضربها أمام الملأ بدون رحمة ولا شفقة ودون الأخذ بعين الاعتبار كرامتها. أو ينتظرها حتى تعود إلى المنزل لكي يظهر أمامها رجولته البدوية معتقدا منه أن الرجولة تكمن في الضرب والخشونة، لكن في حقيقة الأمر هذا ليس إلا ضعفا منه، فالرجل القوي هو الذي يستخدم عقله لحل الأمور وليس عضلاته.
انتقلت للعيش مع أبيها وزوجته الثانية حاملة معها أحلامها وآمالها، هربا من عنف أخيها معتقدة أنها ستجد حلا لمأساتها، لكنها وجدت ما لم يكن في حسبانها وجدت حياة أسوء من تلك التي كانت تعيش في السابق، انتقلت من عنف أخيها إلى عنف أبيها وزوجته. حلمت بحياة وردية وهناء معه، ظنت أنها ستعيش في حضن أب حنون وعطوف لكن خاب ظنها، فالكل يفكر في غرائزه ومصلحته.
عاشت حياتها في الانتقال من جحيم إلى جحيم آخر أسوء من سابقه، كان آخر جزء من العذاب الذي ستعيشه، العذاب الذي ستضع فيه حدا لحياتها، هو مع شاب ستتزوج به والذي سيثمر طفلا صغيرا بريئا ذنبه الوحيد أنه ولد وسط حيوانات آدمية. العذاب ظل يرافقها حتى في بيت الزوجية، هنا ستزيد حدة العذاب والمعاناة، كانت تتعرض في بيت الزوجية إلى الكي والضرب بجميع أشكاله، بل الأكثر من ذلك تحبس في غرفة إلى أن تخضع وترضى بمصيرها، تستنجد بأمها لكن الأخيرة تواسيها وتنصحها بالصبر والرجوع إلى الجحيم، إلى الوحوش الآدمية ...
الفتاة الآن ميتة بعد حادثة موت غامضة، حيث سقطت من الطابق الأول الذي تسكن فيه، لم تثبت التحقيقات بعد هل انتحرت أم تم دفعها من شرفة البيت الذي اعتادوا ضربها فيه، رحلت بعمر يناهز عشرين سنة تاركة وراءها طفلا صغيرا، ما الغاية من الندم الآن أيتها الأم، الأخ والأب.
لا فرق بين وأد البنات في العصر الجاهلي وبين الإهانة والاحتقار والتعنيف الممارس عليها من صغرها إلى مماتها في عصرنا الحالي، كل منهما يطمس كيانها ولا يمنحها الحق في جسدها واختياراتها ولا حتى الحق في توبتها إذا حقا اقترفت خطيئة، كلنا خطاؤون ولا تعتقدوا أن خطيئة الرجل تغتفر وخطيئة المرأة لا تغتفر بل تجرها إلى العذاب والجحيم، بأي ذنب عذبت وقتلت وبأي ذنب سيعيش ذلك الطفل حزينا يتيما؟؟! من المسؤول ومن أعطاهم الحصانة لممارسة خبثهم وعقدهم على كائن مسكين لا حول ولا قوة له؟ ومتى نتخلص من هذه العادات الجاهلية المتحجرة؟ ومتى تدركون أن الشرف ليس بين الأفخاذ بل الشرف في العمل والحب والكلمة الطيبة.