قضية قتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي تدعو إلى فتح موضوع هام، وهو وضعية التنظيمات الطلابية المغربية، وكذا دسائس الأحزاب السياسية والسلطة المخزنية في وسط الشباب بصفة عامة، ثم سياسة الدولة المخزنية في تربية الشباب على العمل السياسي والنقابي داخل الجامعات والمعاهد والثانويات بصفة عامة.

ولذلك أصبح من الضروري أن يفهم الناس هذه السياسة، لذلك سنبدأ الكلام عن هذه السياسة بنقد اللغة المستعملة في تناول موضوع قتل الطلبة الكثيرين الذين لم يكن الطالب الحسناوي بفاس سوى واحد منهم، وسبقه الطالب آيت الجيد، والطالب الساسيوي وغيرهما، وليس هو الأول كما لا يعتبر هو الأخير ما دامت هذه السياسة قائمة، وعلى الشعب وعائلات الطلبة أن يجتهدوا في فهم السياسة قبل الاشتغال بتحليل ملفات القتل والضرب والجرح التي هي نتائج لسياسة مدروسة..

إن اللغة المستعملة في التعبير عن ما يحدث في الجامعات ملغومة بالخبث السياسي والمناورات اللفظية مثل استعمال مصطلحات “العنف في الحرم الجامعي” و”الإرهاب في صفوف الطلبة” و”محاكمة المجرمين من الطلاب” وغير هذه المصطلحات التي تحتاج الى تحديد قواميس للغة المستعملة فيها، ونقد هذه المصطلحات، ثم في نقطة ثانية نبحث في السياسة نفسها والتي تتلخص في وجود الفصائل الحزبية التي تعتبر امتدادا للتنظيمات الحزبية داخل صفوف الطلاب، مثل منظمة التجديد الطلابي التابعة لحركة التوحيد والإصلاح ولحزب العدالة والتنمية، وغيرها من أنواع تنظيمات الأحزاب الأخرى، مثل طلبة جماعة العدل والإحسان، حيث نلاحظ أن تقسيم الطلبة الى فرقاء حزبيين قد بدأت تاريخيا منذ سنوات 1956 بإحداث الاتحاد الوطني لطلبة المغرب UNEM ليكون ذيلا طلابيا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفصل عن حزب الاستقلال، وليشغل الشباب عن منع الحزب الشيوعي المغربي سنة 1959، وبعد تتميم إجراءات الانفصال بين الحزبين أحدث الاستقلاليون منظمة الاتحاد العام لطلبة المغرب UGEM لتكون ذيلا طلابيا لحزب الاستقلال (تأسس هذا التنظيم سنة 1962) وبدأت حوادث العنف بين الطلاب تكتسي طابع العنف بين الحزبين، وليس بين الطلبة عندما يحتد الصراع بين الحزبين بسبب عواقب الانفصال، وكانت المضاربات بسلاسل الدراجات الهوائية والعصي والركل والرفس قد بدأت تظهر في سنوات 1970-1973، ويعرف تفاصيلها كل الطلبة الذين شاركوا فيها مثل محمد الوفا وزير الدولة الحالي الذي كان رئيسا للاتحاد العم لطلبة المغرب، والعربي غرمول المحامي بالرباط، وعبد اللطيف المنوني المستشار الملكي حاليا والذي كان رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعزيز المنبهي، أحد قادة منظمة إلى الأمام، وفتح الله والعلو، ومحمد لخصاصي سفير المغرب المسحوب من سوريا حاليا، وكثير من متقاعدي الشرطة السياسية، واندمج عنف السلطة المخزنية والعنف الحزبي في فترات مشاركة الحزبين في الحكومة، ومابين سنة 1957-2014 لا نجد فترة من الفترات لا يلعب فيها الانقسام الحزبي دور تسخير الصراعات بين الشباب في الجامعات في التدريب على الصراعات التي تخرج عن الأهداف الطلابية المحضة، وحاولت الأحزاب الأخرى التي ظهرت بعد تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب أن تنشئ لها منظمات طلابية ذيلية لها مثل الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري واليسار الاشتراكي الموحد وغيرهم، ودخلت الأحزاب المغربية في مرحلة تصنيف جديد للأحزاب، إلى أحزاب تملك تنظيما طلابيا، وأحزاب لا نصيب لها في كعكة الشباب الجامعي وهو معيار خطير يدفع الصراع الحزبي نحو استعمال الخبث السياسي تجاه الشباب والطلاب لتشويه التمثيلية السياسية للشباب، خاصة بعد أن أصبحت الأحزاب التي كانت تنتعش من السيطرة على طلاب الجامعات لا تستطيع أن تكسب طالبا واحدا ولا طالبة، ودفع السلطة المخزنية عندما كانت تتصارع مع الأحزاب أو تصنع الأحزاب الإدارية إلى المساهمة في بناء سياسة خلق الأذيال الطلابية، مثل ما كان يعرف في سنوات السبعينات من القرن العشرين بـ”الشبيبة الملكية” التي كانت تسيرها العناصر الحزبية التي كونت “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” المعروفة FDIC بقيادة أحمد رضا كديرة، وعبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية، والمحجوب أحرضان، ثم الانتقال إلى مرحلة منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1973، واستيلاء المخزن على مقره بحي الليمون بالرباط وهو فيلا فاخرة بزنقة لافوازيي(حي الليمون) بقيت بحوزة حراس مكاتب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . ولا يدري الشعب المغربي وأجيال الطلبة مصيرها منذ منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبعد منع(ا.و.ط.م) جمد حزب الاستقلال دور منظمة الاتحاد العام لطلبة المغرب بشكل غير رسمي لمسايرة سياسة المخزن، وتحالف أحزاب “الكتلة الوطنية” بالتواطؤ في تزكية منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ويتحدث شباط رئيس حزب الاستقلال عن كل الشؤون السياسية ماعدا شؤون الطلبة، ووقع قتل الحسناوي في دائرة سلطته بفاس.

إن منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب هو جوهر السياسة المخزنية وأحزاب السلطة، لأنه موضوع توافق خطير بين الأحزاب والأمنيين ضد تنظيم الطلبة، لأنهم فقدوا تأييد الطلبة، وحرموهم من المؤسسة النقابية الشرعية التي كانوا يتداولون فيها سلميا داخل المعاهد والجامعات وخارجها فاضطروا الى العمل داخل منظمتهم الممنوعة، ومن وضعية UNEM تجاه قوانين النقابات والجمعيات يظهر أن السلطة المخزنية تنهج سياسة دفع الطلبة إلى تقوية بعض الفصائل الطلابية التي تبحث عن حلول لتنظيم عملها النقابي في ظروف المنع والخوف والقمع، ولم تدخل سياسة الإصلاحات المزعومة مثل “الإنصاف والمصالحة” و”الانفتاح” و”الانتقال الديمقراطي” ضمن برامج عملها إعادة الشرعية القانونية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حتى في عهد حكومة التناوب، بل منعت حكومة ما بعد دستور 2011عقد مؤتمر هذه المنظمة بمدينة القنيطرة بزعم كون أغلبية المؤتمرين من ممثلي الطلبة ينتمون الى جماعة العدل والإحسان.

وعلى الوزراء ومسؤلي الأحزاب السياسية التي حضرت جنازة الطالب الحسناوي، وكذلك الذين يذرفون دموع التماسيح على الأمن في الجامعات أن يتذكروا وهم يدفنون هذا الشاب جنازة دفن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وجريمة قتله…وأن المنع أخطر من القتل، لأنه يعتبر سببا رئيسيا لكل عمل يخالف القوانين بين الطلبة وخارجهم..

لم يكن الطلبة المغاربة ليستسلموا لسياسة منع منظمتهم، بل بدأوا نضالا جديدا تأسس على مبادئ الاستقلال عن الدولة المخزنية والأحزاب السياسة، ومبدأ ثان هو الديمقراطية، لكن هل يمكن ممارسة الحقوق الديمقراطية للطلاب والشباب وغيرهم من طبقات الشعب في ظل نظام سياسي يؤمن بالمنع ويمارسه؟ ثم إن ممارسة العنف في الشوارع أثناء المظاهرات السلمية والهجوم العنيف لقوات التدخل في الجامعات وضرب المتخرجين أثناء الاحتجاجات بالشوارع يعلم الشباب والتلاميذ والطلبة مواجهة المواقف السياسية والنقابية بالعنف، أي أن الدولة هي المعلم والأستاذ الأكبر في ممارسة العنف وحتى لو أمكن ممارسة الحلول السلمية بالشوارع ضد الحركات الاحتجاجية..

وفي موضوع سبب مقتل الحسناوي يمكن التذكير بمنع الطلبة لانتهاك السياسيين الغير مرغوب فيهم لقاعات المعاهد والجامعات عندما تستقدمهم الأذيال الحزبية التابعة لهم دون موافقة الفصائل الطلابية الأخرى التي هي غير متحزبة، مثل طلبة النهج الديمقراطي القاعدي، وطلبة الحركة الثقافية الأمازيغية، وطلبة العدل والإحسان، والطلبة الصحراويون ..والكل يتذكر منع طلبة الدار البيضاء لدخول محمد اليازغي لإلقاء محاضرة بدعوة من طلاب حزبه، وهو عضو في الحكومة كان مطالبا برفع المنع عن المنظمة الطلابية، وهذا هو ما يشبه منع حسن طارق عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وهو أستاذ جامعي لم يمنعه الطلبة بجميع فصائلهم من إلقاء دروسه الجامعية بصفته مدرسا، ولكنه هذه المرة يتدخل بصفته السياسية، وحليفه في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، وقد صرحا في البيان الذي أصدراه بعد مقتل الحسناوي أنهما يلغيان إلقاء محاضرتهما أمام طلبة فاس حفاظا على أمن الطلبة حسب نص البلاغ، وهل كانا يجهلان ضرورة الحفاظ على أمن الطلبة بابتعادهم قبل حدوث هذا العمل الشنيع في حق الحسناوي؟

إن اختراق الأحزاب السياسية المخزنية لشباب الجامعات بدأ يكتسي خطورة بعد أن قرر حزب الأصالة والمعاصرة إنشاء فصيل طلابي بطرقه المعهودة التي أسس بها وجوده الحزبي على حساب مجموعات مناضلة كثيرة من الشعب المغربي، مثل اليسار المنحدر من منظمة إلى لأمام و23 مارس واليسار المغربي ككل، ومجموعات النضال الأمازيغي واختراقه للبرلمان والفرق الحزبية والحكومية، وكانت عملية إلقاء محاضرة مشتركة بين قيادي من الاتحاد الاشتراكي وثان من العدالة والتنمية وثالث لم تتحدث الصحافة عن هويته السياسية، وقد يكون من حزب متستر، عملية مدروسة لاختراق الطلبة المنادين باستقلالهم عن الأحزاب السياسية من مختلف الفصائل، وليس فقط فصيل طلبة النهج الديمقراطي القاعدي المستهدفين بانتقام أحزاب التحالف المخزني الذين يريدون إلقاء الخطب داخل قاعات الجامعة بعد أن مل الشعب خطبهم وديماغوجيتهم في البرلمان ومنابر الإعلام والصحافة، ولم تتحرك الحكومة ووزارة التعليم العالي عندما قتل وجرح طلبة لاينتمون لأذيال أحزابهم لتفعيل ما تسميه الآن بأمن الطلبة، والحقيقة أنه لايهمهم سوى مصلحة أحزابهم، ولم تستجب لطلبات العفو عن معتقلي الطلبة المسجونين بمختلف المدن المغربية مثل حميد اوعضوش، ومصطفى اوسايا وغيرهما.