في ظل استهتار الدولة المغربية بالملف الأمازيغي واستمرار مؤسساتها في إهانة الأمازيغية من جهة، وتلكؤ الحكومة في تنفيذ مقتضيات الدستور المغربي ونهجها لسياسة المماطلة والتسويف والتجاهل للقانون التنظيمي الذي لا يزال حبيس الأجندة السياسية من جهة ثانية، في ظل عجز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عن القيام بدوره "الإشعاعي" الاقتراحي وحماية الأمازيغية والرقي بها والترافع عنها في تقاريره التي يرفعها لجلالة الملك، ونظرا للفوبيا (la phobie) والحذر المرضي الرسميين من كل ما هو أمازيغي بل وسعي جيوب المقاومة، جيوب مقاومة التغيير والدمقرطة وإرساء أسس الدولة الحديثة، إلى شيطنة الأمازيغية ونشطائها بأقدح النعوت بل ورميهم بالعمالة واللاوطنية والطائفية وغيرها، على ضوء ثقافتنا المنخورة للأسف الشديد، التي تستبد فيها الخنادق العشائرية والطائفية والسياسية بكل شيء. في ظل كل هذه الأوضاع التي تنذر بمستقبل غير مطمئن للحقوق الأمازيغيةٍ، يلزمنا التساؤل: ما العمل؟؟؟

لقد أصبح من الضروري اليوم أن تعي الحركة الأمازيغية حساسية المرحلة وتتحمل مسؤوليتها أمام التاريخ، فالحركة مدعوة أولا إلى دراسة وتمحيص كل ما قيل في الفقرة الأولى بشكل يضمن رصد كل الاختلالات، دراستها وتحليلها للوقوف على الأسباب والدواعي، مدعوة إلى قراءة نقدية، قراءة صادقة موضوعية لحصيلتها والمكتسبات التي حققتها والتي لا تزال تنتظر.

 إن نجاح هذا الخطاب أو ذاك رهين بقدرته على التجديد والمواكبة والإبداع، والحال هذه، يظل تجديد الخطاب الأمازيغي ضرورة ملحة تتأتى من خلال تحيين المطالب الأمازيغية بشكل يستجيب لكل الحقوق المهضومة، ومن خلال التركيز على القطع مع النخبوية عبر الانفتاح والاستماع إلى كل الأصوات والطبقات وإدراج اهتماماتها ضمن مطالب الحركة، كل ذلك قصد تجاوز الكمون وفك الارتباط بسياق تاريخي لم يعد قائما.

إن الحركة الأمازيغية في أمس الحاجة إلى إطار يلم شملها ويوحد صوتها ويقرب وجهات نظرها، أمر لن يتأتى دون إعادة هيكلة التنظيمات القائمة التي آن الأوان أن تتخلص من التراكمات السلبية التي تقف حجر عثرة أمام كل تنسيق أو تعاون فعلي، وبالتالي تجعل مصلحة الأمازيغية نصب أعينها وفوق ما دونها من اعتبارات.

 إن مسألة إحياء التنسيق الوطني الذي كان في وقت من الأوقات يرعب الخصوم، بل وربما بفضله تحقق ما تحقق من المكتسبات التي نراها اليوم على تواضعها، مسألة تفرض نفسها وأكثر من أي وقت مضى، فالوضع لم يعد يسمح بالانتصار للذاتية في شقيها الجهوي والإيديولوجي، والتحديات التي تواجه القضية الأمازيغية أعظم من أن نظل أوفياء للتمرد على كل شيء في سبيل لاشيء.

يتعين على الحركة الأمازيغية أن تتجنب كل المعارك الهامشية التي يختلقها هذا الطرف أو ذاك بنية التشويش عليها في المعارك الحقيقية، فليس للقضية الأمازيغية غير فرسانها من أبنائها الحقيقيين، ولا يعقل أن نشتت تركيزنا نصرة لقضايا أخرى  - لها أهاليها الحقيقيون أو آخرون بالتبني - على حساب قضيتنا.

 على الحركة أن تعي أن حماية الأمازيغية في شموليتها، لغة، إنسانا وأرضا لا يجب أن تظل تتحملها لوحدها كما كان الأمر منذ الاستقلال إلى اليوم، بل يجب أن تعمل على تحميل الدولة المغربية ومؤسساتها هذه المسؤولية وبشتى الطرق والوسائل، ليس من باب الائتمان أو التشريف، بل من باب التكليف الذي تبرره المسؤولية والقيادة، تحميل يتعين أن يستند إلى المعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية.

يجب على الحركة الأمازيغية دفع الدولة إلى مأسسة  (institutionnalisation)فعلية للأمازيغية وبالتالي تجريم انتهاكها والمساس بها. وإذاك ما على الحركة إلا مواكبة وتقييم مدى تحمل أو تملص الدولة من مسؤولياتها والترافع عن الاختلالات بشكل أكثر تنظيما وصرامة خصوصا إذا اعتمدت نصوصا قانونية تتبناها الدولة نفسها.

 إن نجاح الحركة الأمازيغية في رسالتها رهين بمدى قدرتها على فرض إشراكها بشكل فعلي وفعال في صياغة القانون التنظيمي لتنزيل رسمية الأمازيغية وكسر الحصار الذي تفرضه الأحزاب على الملف، فالحكومة المغربية – شأنها في ذلك شأن سابقاتها - تعاني تخلفا كبيرا في التعاطي مع الملفات الكبرى خشية لعنة قد تأتيها من جهات أعلى، فهي عاجزة عن الإبداع والابتكار، وتكتفي باستهلاك توجهات وتوجيهات لم ترسمها ولم تشارك في وضعها، وبالتالي، على الحركة الأمازيغية أن تبحث عن مخاطب أقوى يملك قراره بيده بعيدا عن الولاءات والإرضاءات والالتزامات الانتخابية.

 إن الحسابات السياسوية الضيقة هي التي تتقاذف الأمازيغية (L’amazighité) وتتلاعب بها، ولن يستقيم حال هذه الأخيرة ويستقر حتى تسمو الأمازيغية  - جوهر وكنه الذات المغربية - إلى مصاف "الثوابت"  (dogmes)كما ينعتها المسؤولون إلى جانب الثوابت الأخرى التي يعرفها الجميع، وعندما نتحدث عن جعل الأمازيغية ضمن الثوابث، فذلك يعني بعبارة أخرى نزع اعتراف رسمي بأمازيغية الدولة المغربية التي حرر تاريخها وفق أجندة تتأسس على الباطل المضلل، أجندة أملتها ظروف لم تعد قائمة في زمن الحقوق والحريات وانتشار الوعي.

 إن مسألة إعادة كتابة التاريخ المغربي (L’historicité) تظل من بين الأمور التي يجب على الحركة الأمازيغية تبنيها وطرحها والتشبث بها مع كامل الإلحاح، فهي الكفيلة بدحض الكثير من الترهات التي يعتبرها الكثيرون "مسلمات" (Des postulats) وإظهار حقيقة المغرب بدون مساحيق. إن الدولة المغربية ومنذ الحماية الفرنسية كانت ضحية سياسات بربرية قاتلة، وعجينا مِطواعا تتسلى به التيارات ذات الولاء للمشرق من جهة، ومن جهة ثانية، تلك التي لا تخفي ولاءها للغرب.