نظمت جمعية زيز سينيما بالرشيدية وقفة لاستحضار ذاكرة المكان، سينيما الواحة، وذاكرة الرجل [معرف بأل]. ولا غرو، فلا وجود لمن يذكر السينيما بواحات تافيلالت دون استحضار روح محمد المير. إنه معرفة بالعلمية ومعرفة بأل إن ذكر كرجل، أو واحد من الرجال الذين خدموا التاريخ، بهذه المدينة الغراء، المنغلقة ثقافيا. وإنها لوقفة لا تختلف كثيرا عن جلسة الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة بمدينة الرشيدية يوم 5 من شهر فبراير من عام 2005.
والوقفة مكان في الذاكرة، حسب تعبير بيير نورا، خصوصا وأنها نظمت بفندق (لورياض) (Le Riad)، الملك [بكسر الميم] الشرعي لورثة محمد المير، أو لأحد أبنائه، ولا يعنينا شأن هذه الأسرة التي نكن لها كل التقدير والاحترام، بمنطقة تافيلالت. أسجل أني لم أكن شاهدا ملما بشأن ذاكرة الواحة، ولكني أسجل أني انبهرت بآدائها يوم كنت تلميذا بثانوية سجلماسة الغراء ابتداء من الموسم الدراسي 1978- 1979، إذ طالما يُسمح لنا بالدخول المجاني، ولم أكن أملك وقتها ولا فرنكا واحدا يمكنني من مشاهدة السينيما. وفي سنة 1987 مكنني الحظ من الحصول على بطاقة نادي النخيل السينيما، وحدث أن ناقشنا فيلما يدور حول مرحلة الانتقال إلى الدولة الوطنية في أوروبا، وكان النقاش عاليا، وأتذكر أني ساهمت بحرارة في مناقشة إشكالية الانتقال معتمدا على نظرية بول سويزي وموريس دوب، واستحضرت ما كتبه هنري بيرين في كتابه «محمد وشارلمان». إن هذه الشذرات لا تسمن ولا تغني من جوع أمام شهادات الشهداء [جمع شاهد] الذين دُعوا لوقفة الذاكرة مساء يوم الجمعة آخر شهر فبراير من عام 2014، وهم السادة موحى صواك، وإدريس أقراو، ومحمد حجاجي، وأحمد صواك، وغيرهم كثير، وهم الذين تكونوا وكونوا وتعاملوا بشكل مباشر، وغير مباشر، مع الراحل محمد المير صاحب سينيما الواحة بمدينة قصر السوق، التي حملت من بعدُ سمة «الرشيدية».
«لقد أغلقت سينيما المير الواحة [عطف النسق] أبوابها منذ سنوات خلت، بعد غزو التيليفيزيون والفضائيات وظهور الفيديو والديفيدي. ولقد كانت من قبل الفضاء الوحيد المشع في مدينة قصر السوق....
أغلقت سينيما المير أبوابها تحت وقع الازدحام، ازدحام المتغيرات السوسيواقتصادية والثقافية والسياسية... ولقد كانت المتنفس الوحيد لكل الهاربين من سطوة اليومي المحافظ المعادي للتطور والحداثة...
أغلقت سينيما المير أبوابها في ظل واقع تغيرت معالم خريطته بسرعة، فلم يبق لنا من قصر السوق غير بضع ذكريات، نستأنس بها. وإننا لنلجأ إلى سينيما المير لأننا نلفى فيها دفئا افتقدناه في قصر السوق (الرشيدية).
أغلقت سينيما المير أبوابها بعدما أصبحنا، الآن، نمتلك ما نؤدي به تذكرة الدخول، فقد كان الكثير منا، باستثناء القلة القليلة من الميسورين، يستعطف عمي المير، رحمه الله، ليسمح له بمشاهدة الفيلم في النصف الأخير من العرض مقابل بضع فرنكات، تسقط بين أيدينا بين الفينة والأخرى....
لقد أغلقت مدرسة المير أبوابها وقد فتحت أعيننا على السينيما والعالم، لما كنا نعيش في مدينة نائية محاصرة من كل الجهات. وإنه من خلال نافدة المير كنا نظل على العالم كله، غربه وشرقه، أفلام الويستيرن، والسينيما الفرنسية بالخصوص، وسينيما الشرق، مصر، ولبنان، والهند....إلخ.
لقد كان الراحل المير معلما حقا لأن الأفلام التي يأمر بعرضها يحصل انتقاؤها بذكاء المربي، حسب شهادة أحد أبناء قصر السوق السيد عبد الله بوحاميدي الذي يفتخر بكونه شاهد كثيرا من الأفلام بمدينة قصر السوق، قبل أن يشاهدها أقرانه بفرنسا خلال فترة تاريخية محددة. بعد هذا كله، هل نلفى سيدا من أبناء قصر السوق لا يعرف سينيما المير؟ هل نجد واحدا منا لا يعرف علي بوبا، وبريك وآخرين [هم عمال بالسينيما]؟ وهل نجد واحدا منا لا يتذكر نادي النخيل السينيمائي الذي ربط بين السينيما والسياسة؟ ألا يمكن القول: إن السينيما فعلت ما لم تفعله السياسة؟
من منا لا يتذكر أننا نبتغي صنع الثورة عبر السينيما؟ بل كنا نحلم أن الثورة ستندلع عند باب السينيما! ! !.
إنها بضع كلمات للذكرى والذاكرة، فذاكرة سينيما المير تستحق منا، هذه الالتفاتة، وتطالبنا بحمايتها حفظها من الضياع. فما السبيل إلى ذلك؟»، بهذه الكلمات المؤثرة رثا السيد عبد الله حديوي سينيما الواحة واستحضر روح صاحبها محمد المير. وأعتقد أنه في مجال الذاكرة، مادام حضورها قائم، وما دامت متصفة وموسومة باستمرار الماضي في الحاضر، يحق القول بالمدح لا الرثاء. صمت السيد عبد الله حديوي، صمت المتأمل [وأعتقد أنه حزين] ليصدع بالقول:«افتح لكم باب الكلام، لننصت إلى تداعياتنا في ما يشبه الحنين إلى لحظة من لحظات ذاكرتنا». وتجدر الإشارة إلى أن السيد عبد الله حديوي، وإن كان ينحدر من منطقة بوعنان، فقد قضى وقتا طويلا بالرشيدية، ومارس فيها شغبا جميلا في الثقافة والسياسة، وفي الجمعيات، لذلك فتأثره نابع من القلب، ومن عمق النفس، ولقد أحسن من رأى تكليفه ليسير هذا النشاط النبيل.
إن الكلام مفيد لما انصب في البدء على المقام والمناسبة، إحياء ذاكرة المكان سينيما الواحة، ذاكرة المير،«لن ننس دخول سينيما الواحة، لن ننس محمد المير» إذن « لا بد أن نشارككم، نحن جمعية زيز سينيما، هذه المناسبة»، يقول رئيس الجمعية السيد محمد حمداوي، وهو يعاني من حُبسة في النطق تحت وقع عاطفة الذاكرة، وكاد أن يبكي، لو أنه اهتدى إلى الكف عن الكلام. إننا «نبتغي أن نحافظ عليها من الضياع. لماذا التزمنا الصمت منذ أن أغلقت أبوابها؟ لماذا؟... خصوصا وأنه قبل غزو التلفاز وظهور الفيديو، والدفيدي، كانت سينيما الواحة الفضاء الوحيد المشع في قصر السوق. لقد كانت متنفسا لكل الهاربين من سطوة اليومي المعادي للحداثة...»، يضيف السيد عبد الله حديوي موجها النقاش إلى تجاوز العاطفة، واستحضار العقل بحثا عن الآفاق عُقب النبش في الذاكرة التي تخلو من المعنى إن لم تذرف الدموع.
أعطيت الكلمة للسيد رشيد المير بن محمد المير ليشهد، وهو شاهد من أهلها، عن آداء والده ووقع سينما الواحة على جزء كبير من مجال الجنوب الشرقي: «شكرا جمعية زيز سينيما، إنها بادرة مهمة بالنسبة لي، وبالنسبة لعائلتي. بادرة مهمة ذات وقع على عواطفي، وهي تشرفني كثيرا. بدأت السينيما بقصر السوق ونواحيها في بداية الخمسينات من القرن الماضي. كانت السينيما يومها تقام في الهواء الطلق، تقام بقصر السوق، وتعرض الأفلام ببوذنيب، وأرفود، وكلميمة والريش. وكان عمال العرض والإجرائيون (Operateurs) يتنقلون بواسطة سيارة، شكلها (فورگون). وابتداء من سنة 1955 بنيت القاعة المغطاة. إن الأفلام التي تعرض بسينيما الواحة، تعرض لأول مرة في المغرب. نستبدل الفيلم مرتين في الأسبوع. أتذكر العمال الذين اشتغلوا في السينيما: أتذكر دحان وبعد ه علي بوبا ثم باقدور، وعمر محابرا، ومولاي أحمد لاميني، ذلك ما يمكن لي أن أتذكره».
أعطيت الكلمة للسيد موحى صواك، كاتب، عضو اتحاد كتاب المغرب، له مجموعة من القصص باللغة الفرنسية، معظمها يعالج أهوال الجنوب الشرقي وأحواله، والسيد موحى صواك ذاكرة حية تسير في الأرض:«إني أنتمي إلى جيل الانتقال إلى السينيما الهادفة. والسينيما [سينيما الواحة] نافذة مفتوحة على العالم، تتميز بتحقيق السبق. وإنه في سنة 1976 أسسنا نادي النخيل السينيمائي، أنا نفسي ومجموعة من الطلبة المنحدرين من قصر السوق ونواحيها. وأتذكر أن هناك عددا كبيرا من طلبة الرشيدية يحضرون خلال العطلة، ويثيرون هموم المدينة، لذلك حصلت فكرة إحياء النادي السينمائي النخيل. ولقد كان موقف محمد المير من النادي إيجابيا للغاية، رغم أننا نبتغي دوما ممارسة الاختلاف، والنزوع نحو السينيما الملتزمة، حيث عرضنا فيلم كافر قاسم، وانقطعنا لتنمية الوعي بالقضية الفلسطينية. وبعيد عرضنا الفيلم الأول نزل المنع-في الأسبوع الموالي- من لدن الشرطة، وطُلبت منا الرخصة، واتجهنا شطر مركز الشرطة، وشطر عمالة الإقليم. ولحسن الحظ فهمنا عامل الإقليم وهو وقتها الدكتور محمد بلماحي [كان في الأصل طبيبا ثم عين عاملا على إقليم الرشيدية، وهو شخص رزين ووازن]، وأشعرنا بأننا نعرض أفلاما يمكن أن تثير بعض التشويش، لكن سمح لنا بالاستمرار، ومنح لنا رخصة العرض في إطار نادي النخيل السينيمائي. ورغم ذلك اشتد التوتر ولم يكن مسيرنا خاليا من العراقيل. وأسجل أن محمد المير يساعدنا في آدائنا، حيث مكثنا بعيدا نعرض الفيلم لحوالي 400 منخرط ومستفيد. وفوق ذلك كانت القاعة لائقة لعرض المسرحيات، وطالما نستقبل المتفرجين مجانا، لوعينا بضرورة ري المتعطشين للثقافة..».
أعطيت الكلمة للسيد إدريس أقراو، مناضل حقوقي، عاش تجربة من العطاء الغزير والآداء الملتزم، في المجال السياسي والحقوقي والثقافي، وضمنها تجربة نادي النخيل السينيمائي، والسيد إدريس أقراو، ود أن يهاب كل عمره لخدمة القيم النبيلة:«إن ما نفعله اليوم يمس جزءا بسيطا من رد الاعتبار وتكريم هذا الشخص، والترحم على روحه. لقد كان حريصا على عرض أفلام نوعية، من ذلك (L’état de siège )، و(Au liberté provisoire)، و(ثلاث عمليات داخل فلسطين)، وهي أفلام غرست نوعا من الوعي السياسي لدى المشاهدين. وإن مجموعة من المثقفين تتبعوا سينيما المير. وأسجل أننا في نادي النخيل نبحث في مكتبة مولاي أحمد شريفي، والسيد موحى صواك عما يساعدنا للتوسع في مواقف الأفلام التي ننتقيها للنادي، ونروم تأطيرها. وكما سلفت إليه الإشارة، فالنادي يعاني من التضييق، لكن الفقيد محمد المير يرفض إغلاق السينيما في وجه الطلبة. وأضيف أنه يأمر المدعو دحان ليستقبلنا بالمجان. وما كان السيد محمد المير ليسلك نهج التسامح مع الطلبة لو لم يكن يحمل موقفا. ذلك أنه كان يدعم حركة التحرير الجزائري [جبهة التحرير الوطني الجزائرية]، وقد عثرنا على وصولات تثبت ذلك. وأضيف أن زوجة المير تؤطر النساء الجزائريات في منزل زوجها محمد المير، حيث تتلو عليهن مقررات ذات صلة بحقوق النساء. لا بد من رد الاعتبار لهذا الشخص. لقد تعرض لممارسات قمعية، من ذلك الإقامة الجبرية لمدة طويلة، هو وأبناؤه. ويروج أن تلك العقوبة تأسست على تقرير مُخبر زينت له نفسه ابتزاز السيد محمد المير ولم يفلح في ذلك، لأن المير يرفض الابتزاز المادي في حقه. إننا نطالب الدولة بتقديم الاعتذار لعائلة المير، وإنه من ضحايا سنوات الرصاص».
أعطيت الكلمة للسيد محمد حجاجي، وهو من الذين تابعوا المشهد السينيمائي وشأنه، وهو وفي لخدمة الثقافة بواسطة الصورة إلى، الآن. عاش السيد محمد حجاجي التحولات التي عرفتها مدينة الرشيدية، وهو أدرى من الحاضرين جميعا بشأن المدينة الثقافي. والسيد محمد حجاجي واحد من الثقاة يُكرّم الإنسان الماهن لأي صناعة، حسب تعبير القدماء: التربية، والفلسفة، والتاريخ، والآداب. وهو من المدافعين على حفظ التراث الثقافي المادي والرمزي بالمنطقة والحفاظ عليه:«أحسب المبادرة نبيلة وإنسانية وتستحق التنويه. لن أضيف جديدا عما أفصح عنه الأساتذة الأجلاء. وأسجل أن سينيما المير خلقت علاقة حميمية بيننا وبين الصورة لما كنا أطفالا. وإن السينيما الوسيلة الوحيدة للتربية على مشاهدة الصورة. كانت العلاقة بيننا وبين السينيما يطبعها الانبهار: ننبهر لما نرى الصورة مشفوعة بالحركة، إنه مشهد سحري وساحر... لكن سرعان ما تحول الانبهار من السينيما إلى اليقين بأنها وسيلة للتثقيف. كلكم يتذكر أن الفيلم مستهل يومها بشريط من الأنباء، وهو شريط مهم لندرة المذياع وقتها، الذي تتوافر عليه بعض الأسر الميسورة فقط. وقبل عرض الأفلام القصيرة تُعرض، في الغالب، الأفلام القصيرة، وكانت تُختار، عادة، أفلام شارل شابلان. وإن جميع أفلام شارل شابلان حصلت مشاهدتها في سينيما المير، وما أدرك ما أفلام شارل شابلان؟ ثم ما أدرك ما أفلام شارل شابلان؟ لقد كان من الصعب الحصول يومها على ثمن التذكرة، فوق أن النظرة إلى السينيما لم تكن إيجابية في مجتمع قصر السوق المحافظ. وأتذكر أن المجال الذي تغشاه الإنارة يومها، لا يتعدى الضفة اليمنى لواد زيز [غرب قنطرة واد زيز]، وإن القاطنين بالضفة اليسرى لواد زيز، وبمدغرة الشرقية[والسيد محمد حجاجي من أبناء مدغرة الشرقية] يعانون من صعوبة الذهاب إلى السينيما، والعودة منها بعد مشاهدة الفيلم. كانت تعرض أفلام ممتازة للغاية، الأفلام التي يعقبها النقاش المؤطر من لدن أساتذة من ذوي الدراية في التربية على الصورة».
فتح المجال للسيد مولود الصباري بما هو إجرائي (Operateur) في سينيما الواحة ليفصح بأن الأفلام التي تعرض في سينيما الواحة كانت تنقل مباشرة من القاعدة الجوية القنيطرة إلى الرشيدية لتعرض أول مرة، وبعد ذلك تعرض في المدن المغربية الأخرى. فالأفلام التي تعرض، كانت سمتها أمريكية أو هندية، وعُرض طارزان، وماسيست، و(Un million d’année avant J.C)، وموسى وفرعون، وظهور الإسلام.
أعطيت الكلمة عقب ذلك للسيد محمد بن الجيلالي الملقب بعلي بوبا، وكانت شهادته مؤثرة، انطلق في الحديث باكيا....«كنت أكنس قاعة السينيما، أتكلف بالتذاكير، أقوم بالإشهار... كان [محمد المير] يحسبنا أبناءه وليس عمالا تحت إشرافه، كان يأمرنا بالسماح بالدخول المجاني...[بكاء]...إنه يبذل كثيرا من الجهود، وكثيرا من المال.. شاهدته يوما يمزق رزمة من الشيكات راغبا عن تحصيل الديون....لست غنيا ولم تكن بي خصاصة... لكن لايزال أبناؤه يعطفون علي». وأما السيد مولاي علي إسطام فصرح بأنه مكلف بالصوت. وعاد السيد موحى صواك ليضيف أن «عمي المير هو عمنا جميعا». ولا غرو، فالسينيما تدعى سينيما المير ولو أنها سميت سينيما الواحة، يضيف رشيد بن محمد المير. وبعد استكمال الشهادات الحية. أعطيت الكلمة لغير الشهداء [جمع شاهد]، فذكر السيد عبد الرحمان النوايتي أنه «ما أحوجنا إلى إحياء الذاكرة، لأنها تختزن الموروث الأصيل الذي طفا على السطح بعد أن خزنته ذاكرة الشهداء [جمع شاهد] الذين دُعوا لتقديم شهادتهم. ولقد اتضح أن العمل في السينيما واجهة ثقافية أيض،ا تَحدّت [من التحدي] التخلف والانغلاق الثقافي، والجهل وأشكالا صعُبت زحرحتها. إن محمد المير شكل تحديا للواقع الراهن في منطقة الرشيدية، أدخل مجالا ثقافيا لم يكن معروفا من قبل، ومارس عملا نضاليا في مسيره وقعوده، إنه إنسان غير بسيط وغير عادي. سؤالي: لئن كانت سينيما الواحة أسست الفعل بالرشيدية، أسست لجيل كامل، وأعرج على نادي النخيل السينيمائي، بناء على ما سرده الإخوان وسمعناه لحظته...إن الفعل متصل بواجهة حركة التحرر الوطني محليا...أطرح سؤالي: إلى أي حد نستطيع أن نثبت –أو ننفي- أن الإيديولوجي والسياسي عامل لمواجهة الإبداعي؟ أو هل حصل التوفيق بين الإبداعي من جهة، والإيديولوجي والسياسي من جهة أخرى؟».
أعطيت الكلمة لأحد الأشخاص – لا أعرفه- فقال:«نحن أولاد الرشيدية نسمى أبناء (الفيلاج)، وهناك أولاد القصر يأتون إلى منزلنا [وهم في الغالب أقرباؤه]. كنا نوهم أبي بأننا نمنا في مراقدنا، ثم ننسحب انسحابا هادئا إلى السينيما. وطالما تساعدنا حرارة الصيف على تحقيق مرادنا، لأن أبواب المنزل تمكث الليل كله مفتوحة. وأستحضر أني نجحت من مستوى الخامس ابتدائي، وقتها، في سنة 1976، وكنت أتابع دراستي، لحسن الصدف، عند الأستاذ مسعود المرزوقي [مسعود المرزوقي مناضل معروف عانى من عدة مضايقات وانتقالات تعسفية في سنوات الرصاص، وهو واحد من الثقاة بمدينة الرشيدية]، وأجبرنا على الانخراط في نادي النخيل السينيمائي، ولقد غرس فينا الانخراط حب السينيما». وقال أحد المتدخلين:«مساء الخير، لقد جعلتنا نرحل إلى الزمان الجميل [يوجه الخطاب إلى السيد عبد الله حديوي]، لكن حافظت على بعض الشذرات. لقد عشت المراحل الأخيرة لنادي النخيل السينيمائي. وكانت السينيما في البدء متنقلة، وطالما تنشر الوعي الصحي، من ذلك محاربة القمل، وكيفية الري، وجلب الماء. لقد أحدثت سينيما المير الثورة الثقافية بالرشيدية. لا مناص من إحياء هذا العمل. ولا يجب أن تقف التيكنولوجيا حجرة عثرة أمام الثقافي. أعرض بعض الملاحظات والتوصيات: مادام العمل الثقافي يعرف انتكاسا فإن إحياء هذه المدينة من جديد يستدعي تضافر الجهود، جهود الجمعيات. فالمدينة كانت مؤهلة لتشكل القطب السينيمائي، وهناك من يشتغل على الصورة. وحسبنا أن جمعة زيز وصلت الجوهر لما ربطت الصورة بالمحلي. سؤالي: أين هو أرشيف نادي النخيل السينيمائي؟ نريد أن نستفيد من هذا الأرشيف، لعلن صحوة أخرى، ونطو خطوات إلى الأمام. لن نكتفي بتقديم النقد الذاتي لكن نريد المصالحة مع الماضي. أزكي طرح اقتناء سينيما المير وهي فكرة السيد عبد الله حديوي، عفوا السيد عبد الله السوهير. لقد مكنتنا سينيما المير من الانفتاح على عوالم أخرى جديدة. لنقتني سينيما المير ونحافظ عليها ذاكرة شاهدة».
وحصل الاستدراك بإعطاء الكلمة للسيد أحمد صواك ليقص معاناة إعداد بطائق نادي النخيل السينيمائي التقنية:«إنها تتطلب منا أسبوعا من البحث لإعداد الوثيقة. هناك لجنة مكلفة بإعداد البطاقة التقنية التي نستنسخها لإرضاء حوالي 300 منخرط».
وقال السيد عبد الله السوهير: يجب رفع ملتمس سمته عريضة لتحويل المكان إلى مكان الذاكرة الجماعية.
أعطيت الكلمة للسيد عامر الشرقي نزولا عند رغبته:«لست شاهدا من أهلها، وليس لدي ما أقول حول ماضي سينيما الواحة، ولكن أخال هذه السينيما تذكرنا بالسينيما في أماكن أخرى. أين قاعات السينيما الآن؟ في سنة 2013 صدرت حوالي 25 فيلما، ولم يعرض منها سوى فيلمين فقط. وإننا لفي ضلال، ذلك أن دخل الثقافة في فرنسا يضاهي دخل صناعة السيارات فيها. وأتذكر أن للسينيما طقوسا خاصا، فالاستعداد لدخول القاعة يقضي تنظيف الجسد والاعتناء بالهندام. إن حاجتنا للثقافة كحاجتنا إلى المستوصف».
إن هذا النزر من المداخلات كاف، لكن، وجب على السيد موحى صواك التعقيب لحصول بعض الزيغ:«نحن لا نبتغي استقطاب الناس، إننا منقطعون لجلب الأفلام....كلنا يقرأ الفيلم بمنظوره، ووفق مشاربه الفكرية، فهذا يعلق على الفيلم من زاوية التاريخ، وذكر ينظر إليه من زاوية علم النفس. أعتقد أننا في حاجة إلى الانتقال إلى المرحلة العلمية، تستصحب التكوين العلمي لكتابة السيناريو. كلنا يخال، من خلال الفيلم، مصر دولة متقدمة. في الولايات المتحدة شعبة كتابة السيناريو، ومن الطلبة من يحصل على الدكتوراة في هذا الشأن. وعن نادي النخيل السينيمائي، كان مكتبه يستغرق 25 عضوا وهو مكتب تقني لا علاقة له بالإيديولوجيا».
«شكرا للكل، لقد وقفنا عند عناوين كبرى، فصاحب السينيما ليس شخصا عاديا، إنه مثقف واع اختار الاشتغال على السينيما. لدينا التزامات أمام التاريخ، ما العمل أمام هذا الوضع، لا بد من الاشتغال على الذاكرة حفظا لها من كل ضياع، وهنا أشاطر السيد عبد الله السوهير الرأي. من الضروري التفكير لتظل السينيما، سينيما الواحة رمزا للذاكرة. لن نقبل إلا أن تكون صرحا للنقاش» بهذه الكلمة أنها السيد عبد الله حديوي الوقفة في الذاكرة.