توصلت بمكالمة هاتفية على الساعة التاسعة و47 دقيقة من مساء يوم الثلاثاء 21 من شهر يناير 2014 ، وأنا جالس في صالون بقصبة الرمال بمدينة ورزازات، مع صديقين عزيزين، رجل وامرأة، سافرت إليهما لزيارتهما : (ألو السي لحسن هل تعرف الدكتور بوخلفي؟)، (نعم أعرفه جيدا ويعرفني، لقد اشتغلنا معا في بعض الأوراش)، (إنه انتحر...). لم أبحث في البدء عن السبب لأني استحضرت، بناء على ما عرفته عنه، أنه من الممكن أن يموت بالحكمة، تحت وقع إنسانيته.
رجعت يومه الأربعاء إلى ما كتب حول الحدث فتبين أن كل المقالات ترجع سبب انتحاره –على سبيل الاحتمال- إلى مشاكل العمل: «الفشل الذريع في حل المشاكل الكثيرة التي عرفها قطاع الصحة بالإقليم»، إقليم الرشيدية، و«الصراع مع إحدى نقابات الشغيلة الصحية بالإقليم»، و«الصور التي انتشرت، في مختلف المنابر الإعلامية الورقية والإليكترونية، والتي تظهر مصلحة الولادة مكتظة بالنساء الحوامل أو التي وضعن [حملهن]، ضمنهن من تفترش الأرض».
وأما ما كتبه في ورقة عثر عليه قرب موضع موته: «أشهد أني أقدم حياتي على حياة أي أم تموت بدار الولادة بمستشفى مولاي علي الشريف»، فهي عبارة تحمل الكثيرة من العبر. فمن جهة يشهد الفقيه على نفسه بفعل في صيغة المضارع الدال على الحاضر، الذي سيستمر في المستقبل. ومن جانب آخر فالشهادة، بما هي مستلزمة الإعراب والإفصاح، ثابتة. وأما عبارة «أقدم حياتي»، ولم يقل روحي، لأن الحياة حق، لا تختلف عن الحق في الصحة الذي أدرك الفقيد أنه يعاني من عدة توترات، لا فائدة من بيناها هنا، تنجر عنها وفيات الأمهات ولم يقل النساء، لأنه من المفترض أن تلد كل امرة بالمستشفى في ظروف إنسانية ولادة طبيعية.
ولم يمتن بالإهمال ويمسن في أغلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة، فقد شاء الفقيد أن يتضامن معهن، بانتهاك حقه في الحياة، وتلك كفارة، غير معبر عنها تدل أن الفقيد إنساني بدرجة عالية. أتذكر أني استفززته، أنا والفقيد محمد بلكوح، في نشاط نظمته جمعية الألفية الثالثة للتنمية ورعاية الطفولة كما تسمى وقتها، واعتذر لأني لم أبحث في الأرشيف لأفصح عن التاريخ، والغالب على الظن، أن النشاط حول صحة المرأة والطفل، نظمته الألفية في بحر سنة 2007، أجاب إن جل النساء اللائي يأتين إلى المستشفى من هوامش إقليم الرشيدية، وقتها، إملشيل، وكرامة، وألنيف، يصلن محتضرات في الغالب. وقال: إن كنتم تحملون لنا مسؤولية نقلهن من قراهن إلى المستشفى، فعليكم بالمرافعة لتمكيننا من الطائرات المروحية.
أما إن كانت مسؤوليتنا تقتصر على آدائنا بالمستشفى، فإننا نؤدي الأمانة على وجهها. إن تضامن الفقيد الدكتور الحسن بوخلفي مع الأمهات، ولما نقول الأم، فإننا نفترض وضع الحمل بالقوة في ظروف سليمة، قديم جدا، ولقد شاء القدر أن يقدم حياته قربان للموت، الذي يدرك في الغالب الأعم، جل زائرات قسم الولادة، حسب شهادة الفقيد. وفي الجانب اللغوي أدك الفقيد ضرورة كتابة (أي) بدون تاء، لأن أي تكتب في الغالب بدون تاء، وقد قال الأخفش: هكذا خلقت أي. وعرف عن الفقيد حبه العمل، وتضامنه مع الإنسان، ولعله حبه الإنسانية، الأمهات والأطفال، هو الذي دفعه ليقدم صنع المأساة. فهل هناك من عبر يمكن استخلاصها؟ .
العبرة الأولى : التضامن مع انتهك حقهم في الحياة بالتضحية بالحق في الحياة، ولا تضامن غير ذلك.
العبرة الثانية : أن الدكتور لحسن بوخلفي انتحر تحت ضغط الإنسانية وأراد أن تضاهي كفارته وقع الحدث موت نساء الحوامل. فلا جناح على اللائي متن تحت وقع الإهمال فقد أزهقت روح الدكتور لحسن بوخلفي المسؤول الأول بالإقليم، ولا ذنب على الدكتور فموته كان عقلانيا، ولن أخفي عليك، أني أقدر فعله، وقد تأثرت به، لأني اشتغلت معه.
العبرة الثالثة : أن الفقيد أفصح عن موقفه بكلمة أشهد، وعلى التاريخ أن يسجل ذلك ويشهد، وعلينا أن نتضامن مع هذا الموقف الإنساني والحقوقي ونقدره عاليا.
تعازينا الحارة لأسرة الفقيد وأسرة الصحة العمومية بالرشيدية