مولود بوفلجة - جديد انفو

قد تختلف نظرتنا لمعركة الأساتذة المتدربين لإسقاط المرسومين الوزاريين لكن الحقيقة الواضحة هي أنهم حملوا ملفهم على كاهلهم و أرغموا الجميع على التداول فيه و أحرجوا الحكومة و المخزن وأربكوا ارتجاليتها و عروا الأحزاب و كشفوا فجاجة النقابات و كذبة المجتمع المدني..

وهذه خمسة أسباب أراها حاسمة في نجاح معركتهم،أسوقها دون تضخيم للخطاب و بالبساطة الكاشفة التي قد تزعج البعض..

السبب الأول لاستمرارية هذه المعركة هو أن مطلب الأساتذة المتدربين و حافزهم الأول مادي و معنوي في نفس الآن،فقد انفتحت لهم طاقة القدر في وقت ضربت فيه البطالة أطنابها بين الشباب و أصبح العمل عموما والوظيفة العمومية خاصة مطلبا لا يدركه إلا المختارون من عباد الرحمان في المغرب.ولأن مهنة التعليم تبدو وردية لمن ينظر إليها من الخارج،"فهي وظيفة العطل و الراحة في المعتقد الشعبي" و هي مهنة مغرية لمن لم يخبر معاناتها لذلك عض عليها الأساتذة المتدربون بالنواجذ و هم مستعدون للتضحية من أجلها لأنها مسألة "حياة أو موت "مسألة خلاص أو عودة إلى عطالة ممتدة لذلك أيضا فالمعركة النضالية مدعومة من الأهل و الآباء و الأمهات و هي ظاهرة قلما نجد لها مثيلا في النضال المغربي..

السبب الثاني لنجاح المعركة و ثباتها هو أن هؤلاء الأساتذة لازالت بطونهم خالية من "تْوْكال لْمْخزن او سْحُورو" فهم لم يتقاضوا بعد أجرا و لا راتبا شهريا و لا هم يمتلكون أرقام تأجير تكبلهم و تخيفهم من الاقتطاع أو من العزل من الوظيفة كما هو حاصل اليوم لمعظم الموظفين الذين كانوا يضربون سابقا بالأيام و الأسابيع في كل القطاعات على المستوى المحلي و الجهوي و الوطني، لكنهم أحجموا عن ذلك الآن خوفا من الاقتطاع و

جَدُّوا في خلق التبريرات.والحقيقة الواضحة هي أن الكثير منهم أصبح يتحسس جيبه قبل الإقدام على الإضراب،وقد علمتنا التجارب أن فئات عديدة من رجال التعليم،في مغرب الفئات، قد نالوا الوظيفة من رحم النضال و بمجرد تحقق مطالبهم أخلفوا موعدهم مع كل المبادئ التي كانوا ينادون بها لذلك فلا يجب أن ننتظر من الأساتذة المتدربين، في حال توظيفهم، أن يناضلوا من أجل إسقاط المرسومين فتلك مهمة المرسمين حاليا ومهمة كل من يدعي الدفاع عن المدرسة العمومية.

السبب الثالث يتجلى في كون هذه الفئة لم تسلم رأسها و لحيتها للأحزاب السياسية لعلمها بعجزها التام عن العقد والحل في مثل هذه الأمور كما أنها لم تستظل بمظلة نقابية و لم تسلم ملفها للشيوخ النقابيين القابعين في الرباط و الدار البيضاء في انتظار ملفات توصلهم إلى طاولة الحوار بعد أن أصبح العجز عن التأطير و الاستقطاب واضحا. فالاستقلالية و قطع الطريق على كل الذين أرادو الركوب على هدا الملف يعد سببا رئيسا و حاسما في نجاح هده المعركة لأنها ظلت في منأى عن التسييج و التوجيه و الضبط و الأدلجة.

السبب الرابع هو ارتباك الحكومة و عدم انسجامها و عدم امتلاكها لرؤية موحدة حول الملف مما يجعلها في موقف ضعف واضح و يعزز ثقة الأساتذة بمشروعية ملفهم فقد ضاعت الحقيقة و المصداقية بين رئيس حكومة يقسم و يخشى الحنث و دفع الكفارة من سمعته و عناده و من تماسك حزبه الذي يستكين كما هي عادته لمنطق المؤامرة ،وبين الخرجات المتكررة المتناقضة لوزير التربية الوطنية وبين أصوات أحزاب من الحكومة وأخرى من المعارضة تدعو إلى حل نهائي للملف و أخرى تمسك العصا من الوسط و تميل حيث مالت موازين القوى.

و الواضح هو أن الجميع ينتظر كما هي العادة إن يأتي التحكيم الذي لا يستطيع أحد رده من الفوق.

السبب الخامس الذي زاد الأساتذة صلابة و قوى موقفهم وأمال الرأي العام الوطني لجانبهم و جعل الدولة في مأزق هو هذا القدر من التعنيف و القمع الذي جوبهت به حركيتهم النضالية فكل أساليب المنع و العنف أتت بنتائج عكسية لما كان يرجوه المخزن الذي عمد إلى منع التظاهرات السلمية و منع الأساتذة من حرية الحركة و السفر و قام باستفزازهم و التضييق عليهم في تحركاتهم فكان بذلك مثل من يصب الزيت على النار ظنا منه أنه سيخمدها فأمتد نضال الأساتذة إلى محاصرة الوزراء في ندواتهم و أنشطتهم و أفحموهم و أسمعوهم من الكلام ما لا يطيقون و اضطروهم للاستعانة برجال البدل الزرقاء و الخزية لإيصالهم إلى سيارتهم مثل المجرمين المطلوب دمهم بين الناس..