عبد الغني لمرابط -الرشيدية ,جديد انفو
بدأ سؤال لافت يشق طريقه بهدوء إلى النقاشات التحليلية الجارية حول مستقبل المشهد السياسي الوطني: هل نحن بصدد تفكير غير معلن في إعادة ترتيب الحقل الحزبي، أو على الأقل، في تجديد النخب القادرة على مواكبة المرحلة المقبلة؟ هذا السؤال لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى عدد من المؤشرات المتفرقة، الظاهرة منها والخفية، والتي توحي بأن هناك ورشة تفكير مفتوحة، يتم من خلالها اختبار نماذج جديدة من الفاعلين، أحيانًا خارج القوالب الحزبية التقليدية.
من الملاحظ أن عدداً من النخب التي تصدرت المشهد السياسي في السنوات الأخيرة بدأت تفقد بريقها، وهو ما يُصعب المراهنة على قدرتها في تأطير المواطنين أو استقطابهم انتخابياً. هذا التراجع لا يرتبط فقط بالخطابات التي رفعت شعارات الكفاءة أو التحديث أو حتى الشعبوية التقنية، بل يعكس أيضاً تحولات في المزاج العام واتساع دائرة العزوف، مقابل تراجع ملموس لدور الأحزاب في القيام بوظائفها الوسيطة.
هذا السياق يطرح تحديات مؤسساتية تتجاوز الأحزاب نفسها، إذ تبرز الحاجة – كما هو الحال في جميع الأنظمة السياسية – إلى قنوات وسيطة تساهم في ضمان التوازن والاستقرار. ومن هنا، يمكن قراءة بعض المبادرات التي ظهرت مؤخراً، سواء في الإعلام أو في شكل مشاريع محلية ومدنية، بوصفها مسارات استكشافية لرصد بدائل جديدة محتملة.
صحيح أن هذه الديناميات لا تتخذ بعد شكلاً واضحاً أو نهائياً، لكن تحرك بعض الأسماء من خارج المنظومة الحزبية التقليدية يوحي بوجود نوع من الاختبار الهادئ: هل يمكن الدفع بنخب جديدة ذات حضور اجتماعي ومواصفات مرنة؟ وهل بالإمكان إعادة بناء الثقة من خلال مسارات غير مألوفة، دون المرور بالضرورة عبر بوابات حزبية كلاسيكية؟
قد لا يكون الهدف هو تأسيس كيان حزبي جديد على النحو المعروف، ولكن يبدو أن هناك تفكيراً في إمكانيات أخرى، ربما تتجسد في توسيع قاعدة الوساطة السياسية من خلال مبادرات مدنية أو شبابية قابلة للتحول لاحقاً إلى أطر تنظيمية أكثر رسمية. ويبدو أن بعض هذه المبادرات تحظى بشكل من أشكال التشجيع غير المعلن، في إطار البحث عن صيغ أكثر ملاءمة لزمن سياسي متغير.
الحديث عن مرحلة ما بعد 2026 لا يرتبط بالتكهنات فحسب، بل يدخل ضمن منطق التفكير الاستراتيجي الذي يواكب تحولات الداخل واستحقاقات التوازن في المدى المتوسط. وفي هذا الإطار، تُتابَع بعض التجارب الجديدة بكثير من الحذر والتقييم، لا سيما من حيث قدرتها على استقطاب القواعد الاجتماعية، واستيعاب التحولات دون الإخلال بالثوابت.
كل هذا يجري دون صخب، في إطار قراءة هادئة لمآلات المشهد السياسي، خاصة في ظل تراجع دور الأحزاب الكلاسيكية واتساع الهوة بينها وبين الشارع. وهو ما يجعل من التفكير في صيغ بديلة – حزبية أو مدنية – ليس خيارًا ظرفياً، بل استجابة طبيعية لحاجيات التوازن والتجديد.