محمد حميدي / عبد الغني أيت اسعيد

لم يمض أسبوع على إقدام جندي في أواخر العشرينات من العمر على الانتحار شنقا بحي المسيرة بمدينة الرشيدية، عاصمة جهة درعة – تافيلالت، حتى استفاقت ساكنة إقليم ميدلت المنتمية إلى الجهة ذاتها على نبأ انتحار قاصر يبلغ من العمر 11 سنة، بداية الأسبوع الجاري، وذلك بعدما قام بشنق نفسه داخل منزل عائلته الكائن بدوار فليلو جماعة أيت إزدك.

وتأتي الحادثة بعد أقلّ من أسبوع على انتحار جندي شاب (28 سنة) بمدينة الرشيدية، وأقل من شهر على إنهاء شاب عشريني حياته بواسطة حبل معلق في شجرة لمنزله في تونفيت إقليم ميدلت.

وقبل هؤلاء، كان أستاذ في عقده السادس قد وضع حدا لحياته شنقا بتجزئة الكرم بمدينة ميدلت.

وأثارت حالات الانتحار المتكررة مخاوف ساكنة الجنوب الشرقي للمملكة من تحول الوضع إلى ظاهرة بجهة درعة- تافيلالت، مما دفع بالمهتمين إلى التفكير في أسباب ودوافع إقدام هؤلاء على وضع حد لحياتهم، للحد من الانتحار.

الانتحار “غريب” عن الجهة

في هذا الإطار، قالت الأخصائية الباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، إنها “أول مرة تسمع بحدوث حالات انتحار في جهة درعة- تافيلالت؛ بخلاف بعض المناطق المعروفة بانتشار الانتحار كمنطقة الشاون، على سبيل المثال؛ حيث يُرد ذلك إلى تفشي تعاطي المخدرات في أوساط الساكنة هناك”.

كما سجلت المرابطي في تصريح لجريدة “العمق”، غياب معطيات علمية دقيقة حول حالات الانتحار المسجلة بالجهة، لأن السلطات المختصة لا تمد المهتمين بالتفاصيل التي يمكن الاستناد إليها لتحليل هذه الحالات، ولو على مستوى الحد الأدنى من التحليل.

هذا النقص في المعطيات الدقيقة حول الحالات المذكورة، يدفع حسب الباحثة في علم النفس الاجتماعي إلى الرجوع إلى التفسيرات العامة للانتحار الواردة في الدلائل العالمية كدليل التشخيص العالمي للأمراض النفسية والعقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي والأمراض النفسية.

دوافع عامة

وبناء على هذه التفسيرات قالت المرابطي إن الإقدام على الانتحار يمكن أن يكون بسبب مشاكل اقتصادية أو عائلية أو تاريخ مرضي، أو بسبب اضطراب لم تتمكن العائلة والأقرباء من استكشافه، وبعد ظهور ما يسمى علميا بـ”العوامل المهيجة” Les facteurs déclenchants.

أما حالات الانتحار المتعلقة بالقاصرين، أوضحت المرابطي، أن الاضطرابات الذهانية والعقلية التي تؤدي إلى الانتحار، لا تظهر عادة إلا في سن المراهقة. لذلك لا نعرف أكاد هؤلاء الأطفال مدمنين على الألعاب الإلكترونية أدخلتهم في حالة التحدي، كلعبة “الخنق” التي تؤدي بالأطفال في عدد من دول العالم إلى الانتحار.

مداخل لإيقاف زحف الانتحار

في هذا الإطار، شددت الباحثة في علم النفس الاجتماعي على أهمية البحث العلمي في تفسير حالات الانتحار المسجلة بالمنطقة، مردفة أن “العلم سيمكن من معرفة ما إذا كانت أسبابها تتقاطع مع الأسباب العامة للانتحار، أم أن إن لهذه الجهة خصوصيتها”.

وللحيلولة دون تحول الحالات إلى ظاهرة، دعت المرابطي إلى إنشاء مستشفيات متخصصة في الطب العقلي والنفسي بالجهة، وتبني سياسة قائمة على توجيه الخطاب الديني في المساجد بالمنطقة نحو التركيز على ضرورة الوعي بأهمية التطبيب والولوج إلى المستشفيات، عوض اللجوء إلى الرقية الشرعية أو كلّ ما من شأنه أن يعطل العلاج أو يفسح المجال نحو تدهور حالة المريض والدفع به إلى الانتحار.

فيما يتمثل المدخل الثالث، وفق الباحثة، في السياسية التعليمية؛ والعمل على بناء جامعة في جهة درعة- تافيلالت، تدرس خصوصية الجهة في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

دوافع اجتماعية واقتصادية

من جهته، أشار الناشط الحقوقي بجهة درعة، يونس قادري، إلى أن الانتحارات المتكررة “تكشف مجموعة من المعطيات والمؤشرات المرتبطة بالواقع المعاش بالجهة”، مردفا أن “الانتحار في عمومه يرتبط بالوضع الاجتماعي والصحي والاقتصادي”.

وأضاف قادري، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الجنوب الشرقي ككل يعرف “غيابا في فرص الشغل، ونقصا في الخدمات الاجتماعية، علاوة على الفراغ الثقافي، وتفكك التعاون والعلاقات الاجتماعية.

كما سجل الفاعل الحقوقي أن القطاع الصحي بالجهة يعرف “تدهورا كبيرا، خاصة على مستوى الصحة النفسية والعقلية”. ولحل هذا المشكل الجديد على الجديد، شدد قادري على ضرورة معالجة المشاكل الصحية، والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، باعتبارها “المؤثر الأول على الأوضاع النفسية للفرد، وتجعله يدخل في دوامة من الاكتئاب والبؤس”، على حد تعبيره. 

المصدر: العمق المغربي