بقلم سعيد ألعنزي تاشفين
من سيئات الديموقراطية أن إمكانية اختيار صناع القرار الترابي لا يحدّدها المواطن الحرّ المستقل الواعي المنفلت من كل تجادبات الرّجعية من مال وجاه وسلطة وقبيلة وتبعية واصطفافات حزبوية عرقية وإخضاع لشراء الذمم، بل يحدّدها الأفراد الذين غالبا ينتمون إلى بنيات ثابتة تتحرك فقط وفق شروط الجهل المسنود والفقر المستثمر والحاجة المستغلة والعوز الموظف إبان الزمن الإنتخابي ؛ وكلها تمظهرات تميّز بنية القاع المجتمعي الذي يشكل الكتلة الناخبة التي تحدد مسار جهة بأكملها . لهذا ، من ٱسف ، تعجز صنادق الإقتراع ( في الغالب حسب المرصود حقوقيا ) على فرز طبقة سياسية نظيفة ومسؤولة ومتعففة وزاهدة قادرة على فهم معنى إنتاج القرار الترابي المجوّد وما يمتّ له بصلة من مفاهيم أخرى في مقدمتها السلطة الشعبية التي تناط به مهمة ممارسة التنافس المشروع مع سلطة التعيين التي تمثلها الإدارة . والمنتخب مبدئيا لا يملك الحق في ممارسة التبرير وفق موازين القوة كما توجهها السلطة ، كما لا يحق له ، بحال من الأحوال ، سواء من وجهة نظر السياسة أو بضمانات الدستور ، التحالف مع الإدارة لأن ذلك يخلط الأوراق ويكرّس استئساد سلطة التعيين على سلطة الإقتراع وبالتالي تضيع الديموقراطية . وحتما بين رجاحة التعاون ، وفق ما تسمح به القوانين ، والخضوع المطلق للإدارة مسافة شاسعة ؛ وبالتالي تحوم الشبهة على الفعل السياسي وتنعدم قدرة الفاعل السياسي على دمقرطة إنتاج السياسات العمومية وعلى صون استقلالية القرار الحزبي خلف أية قرارات ترابية من المفروض أن تولد من رحم التدافع السياسي الديموقراطي لا من خلال استرضاء جهات أخرى رسمية على حساب قدسية السياسة .
** " دياكنستيك " درعة تافيلالت وسوريالية المٱلات كلها :
من المؤلم حقا أن تعقِد، بعد مضيّ ما يقرب من نصف الولاية الإنتدابية لمجلس الجهة ، اللجنةُ الإستشارية لإعداد التراب لجهة درعة تافيلالت إجتماعها الثالث لتقديم مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب، في سياق وطني توشك فيه مختلف مجالس الجهات الأخرى الإحدى عشر على تنفيد نصف التزاماتها حيال انتظارات الساكنة . وإليكم تجليات الألم موضوع الإحتجاج الذي يحمله هذا المقال :
1 - نرصد أن مجلس جهة درعة تافيلالت ، بعد مُضي أكثر من سنتين من الإنتخابات ، ما يزال يناقش مشروع التصميم ؛ فيما معناه أن ساكنة هذه الجهة التي تتجاوز المليون ونصف المليون تعيش في كنف جماعة ترابية لا تملك إلى الٱن برنامج التصميم الجهوي لإعداد التراب !! وبالتالي فما مضى من هذه الولاية الإنتدابية ، وإلى الأن ، كان مجرد ارتجال في اتخاذ قرارات وفي بناء مشاريع بسيطة وذات أفق محدود جدا كفك العزلة عن المداشر والثخوم أو كعقد شراكات بسيطة مع جمعيات أو مع جماعات محلية تحت الطلب وفق رهانات التأويل السياسوي للتنمية تحت املاءات الحزب الأغلبي الذي يفرمل حق درعة - تافيلالت في نهضة تنموية شجاعة تضمن الأدنى من شروط العيش الكريم للساكنة بدل هدر ممنهج للزمن التنموي في اجتماعات نمطية مثيرة للشفقة .
2 - مواصلة مناقشة ما يسمى بمشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب يفيد أن الأحزاب السياسية التي تشكل مكتب المجلس تحت قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار لا تملك تصورات ديموقراطية أنتجتها أطر هذه الأحزاب ، وهي تصورات من المفروض أن تكون هي صلب التعاقد السياسي بين الكتلة الناخبة وهذه الأحزاب عبر صنادق الإقتراع إبان الإستحقاقات الماضية ، لكن يظهر أن المنتخبين بلغوا كرسي صناعة القرار الترابي الجهوي من دون أية برامج سياسية - ترابية بما يفضح زيف الشرعية الديموقراطية التي تتبجح بها الأحزاب السياسية خاصة أن انتخاب رئيس مجلس جهة درعة تافيلالت كان دون منافس وهذا لوحده مثير لفرضية الرّدة السياسية لكون الفاعلين الحزبيين دون مستوى تطلعات الساكنة على مستوى استيعاب مضامين التمرين الديموقراطي ، وكذا دون مستوى ما يضمنه الدستور من فعلية الولوج إلى دمقرطة إنتاج القرار العمومي عبر المرور من قناة التنافس النزيه . وبالتالي حصل انتخاب مجلس جهة دون " بوليميك " سياسي وبالتوافقات المحددة من الفوق ( أي بإملاءات من الأمناء العامين للأحزاب ) والتي أملتها سلطة المال المسنودة ( غالبا ) من سلطة الإدارة ( بشكل ما ) قصد تشكيل مكتب ( مكتب ممنوح ) على مقاس الفهم الأغلبي للجهوية « المتقدمة » التي حصل الإجهاز عليها في هذه الحالة بهذه الجهة الخاضعة للإستهتار .
3 - استدعاء رؤساء الجماعات المحلية مع رؤساء المجالس الإقليمية لحضور مناقشة مشروع التصميم يفيد خلطا غريبا وغير ديموقراطي في العمق رغم بريق " الديموقراطية " تحت فرضية الدفع بتوسيع المشاورات . وحيث إن المشرّع خصص لكل من الجماعات الترابية ، محليا وإقليميا وجهويا ، قوانين تنظيمية خاصة ومستقلة ، فذلك معناه أن لكل جماعة مجال اختصاصها ، ولها كذلك سلطة مستقلة في إنتاج قرارات ترابية مناسبة . وعليه حريّ أن يتوصل مجلس جهة درعة تافيلالت ، باعتباره جماعة ترابية كذلك ، ببرامج عمل الجماعات المحلية ( بطلب منه ) ضمن التواصل العمودي ، وعبر المرور بمجالس الأقاليم والعمالات الخمسة ضمن التواصل الأفقي ؛ وبذلك تلتقي كل السياسات العمومية المحلية ( الجماعات المحلية ) في سياسات عمومية جهوية بمجلس الجهة ( مخططات ترابية جهوية من منطلق محلي // المحلي يوجه الإقليمي والإقليمي يصنع الجهوي ) ذات امتداد عرضاني ممتد نحو كل التقاطعات وفق سُلّم الأولويات ( ضبط العلاقة بين برامج عمل محلية والتصميم الجهوي لإعداد التراب ) ؛ وهو ما يشكل منهجية التكامل الترابي لصالح مخططات عمل ( برامج عمل = الجماعات المحلية والتصميم الجهوي = الجهة ) واضحة ومناسبة ومتكاملة ومتقاطعة ومندمجة وغير متضاربة في مستوياتها الثلاثة المحلي والإقليمي والجهوي .
4 - إستدعاء الإدارة الترابية في شخص السيد الوالي والسادة العمال الخمسة باعتبارهم ممثلين لسلطة « الوصاية » ، أي لسلطة المواكبة لحضور أشغال الإجتماع الثالث يفيد من جهة حضور الإدارة في صناعة القرار الترابي على نقيض إقصاء مطلق لسلطة الديموقراطية التشاركية التي يمثلها المجتمع المدني ، ومن جهة ثانية حضور الإدارة الترابية في أطوار هذا النقاش والتدافع بين الفاعلين الحزبيين يفقد الإجتماع طابعه السياسي ويمنحه طابع الفعل الإداري وفق بروتوكول مسيج بكثير من التأويل البيروقراطي الذي يعادي هوية التراب وديناميته بما هو نسق من أشكال التدافع المدني - الحزبي - السياسي ( التراب بما هو فضاء عمومي منفتح على كل التفاعلات والتأثيرات على قاعدة الحرية والحقوق في تدبير التواصل ) ، وبالتالي يفتقر الإجتماع للمشروعية السياسية - الترابية ما دام الإجتماع الثالث هذا مخصص لتقديم مشروع ( أؤكد أنه مشروع بمعنى لم يكتسب بعد طابع التصميم الجهوي لإعداد التراب ) ؛ وعليه ما المانع ( مِن ) في استدعاء المجتمع المدني بصيغ مباشرة من خلال تمثيليات مدنية قادرة على فرز نقاش ترابي بخلفيات مستقلة عن توازنات الفعل السياسي التي يخضع لها المنتخب ، لدواعي موضوعية ذات صلة بسياجات القوانين التنظيمية ، ولدواعي ذاتية مرتبطة بضعف المنتخب الذي لا يقدر على مجابهة السلطة بالسلطة لصالح تمثين نجاعة الديموقراطية التداولية عبر الديموقراطتين التمثيلية ( صنادق الإقتراع) والتشاركية ( إشراك المجتمع المدني ) ، أو بصيغ غير مباشرة من خلال إشراك لجن تكافؤ الفرص والمساواة في كل الجماعات المحلية بالجهة في شخص رؤسائها وبهذه اللجنة بمجلس الجهة ؛ انسجاما أولا مع شروط تشاركية توليد الفعل الترابي ، وثانيا لكون المشرّع يسمح للمجتمع المدني بالمشاركة في إنتاج قرارات ترابية من مدخل العرائض والملتمسات ، وثالثا ما دام الإجتماع مخصص لعرض المشروع وليس للتداول في تصميم رسمي معتمد بعد تأشير المصالح المركزية في شخص وزارة الداخلية . وبناء عليه يظهر ضعف منسوب الفعل الديموقراطي من خلال محاصرة السياسة وكأن مجلس الجهة ليس مؤسسة سياسية شعبية بل إدارة أو وكالة تنفيد المشاريع !! والإنحياز المكشوف لجهة على حساب جهات أخرى بما ينسف سلامة نفَس الفهم الترابي للسياسات العمومية بمجلس جهة درعة تافيلالت نحو « قتل » السياسة بتحويل مجلس الجهة إلى إدارة تنفيدية !! .
5 - نسجل أن السرعة التي تتحرك بها عجلة مجلس الجهة لا تناسب بالمطلق إلحاحية انتظارات الساكنة التواقة إلى مشاريع مهيكِلة ومندمجة بما سيجعل من جهة درعة تافيلالت قطبا اقتصاديا مدرّا للثروة لصالح تحفيز استقرار الساكنة التي تضطر إلى الإنصياع إلى إكراه التهجير تحت عنف التهميش الممنهج والمتكرر يوما عن يوم . ونتساءل ماذا قدمت الحكومة لهذه الجهة قصد رفع مؤشرات التنمية البشرية ومن أجل إحقاق تنمية ترابية مندمجة أفقيا وعموديا ، سيما أن التركيبة الحزبية للأغلبية المسيرة لمجلس الجهة هي نفسها المشكلة للأغلبية الحكومية خاصة من الأحزاب الثلاثة التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والإستقلال .
6 - إن جهة درعة تافيلالت تتوافر على مقدرات استثنائية في مجالات متنوعة منها السياحة والفلاحة وإنتاج الطاقات المتجددة والنباتات الطبية والمعادن والمقالع ، وغيرها . لكن يتجدد السؤال دائما حول ماذا قدمت هذه الحكومة برئاسة السيد عزيز أخنوش لدعم رئاسة التجمع الوطني للأحرار لهذه الجهة من أجل تحقيق إقلاع كبير وطفرة نوعية بدل هذه " السرعة " المتعثرة التي تفضح بؤس الممارسة الترابية من لدن مجلس جهة درعة تافيلالت العاجز عن إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب ونحن على بعد أمتار من نصف الولاية . وعليه بدل أن تكون الأغلبية المسيرة للمجلس في مستوى تكثيف الإتصالات مع الحكومة للحصول على دعم استثنائي لصالح هيكلة الجهة بالإنتقال إلى السرعة القصوى في استنزال مشاريع حقيقية قادرة على التخفيف من التباينات المجالية مع جهات أخرى من المغرب ، نجد المشاورات الفارغة والإجتماعات الشكلية متواصلة من أجل إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب !! ، وهذا يفضح فعلا حجم الإستهتار بحقوق الساكنة في تنمية عادلة ومنصفة .
7 - يبدو أن من حسن حظ كل جهات المغرب التقدم بفضل نخب سياسية نوعية ، باستثناء هذه الجهة التي من سوء حظها أنها من جهة تجمع خمسة أقاليم كلها متدهورة في مؤشرات التنمية البشرية وبئيسة في بنياتها التحتية ، ومن جهة ثانية كانت سابقا تحت إمرة حزب العدالة والتنمية الذي جعل الرئيس السابق يستثمر بقوة في الشعبوية وفي " شراكات " وهمية مع دولة الصين الشعبية !! ثم أضحت تحت إمرة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي « قتل » السياسة وحوّل مجلس الجهة ، كمؤسسة دستورية ، إلى إدارة مغلقة تمارس تصريف قرارات إدارية نمطية فقط تحت قسوة الإستسلام المريب للإدارة على أشلاء السياسة التي دمرها المهندس الرئيس عبر إفراغ مجلس الجهة من كل مضمون سياسي . وعليه قياسا في الولاية السابقة ، على الأقل ، كانت السياسة تمارس وكان التدافع قويا وكانت كاريزما الرئيس السابق مقبولة إلى حد كبير ، أما حاليا فلا سياسة ولا بوليميك ولا كاريزما ؛ بل فقط نقاشات سطحية تنمّ عن تبعية السياسي للإداري وهذا مربط الرّدة التي نرصدها .
وختاما يظهر أننا لا نستحق مشاريع حقيقية ترتقي بهذه الجهة مثار الإستصغار إلى مصاف باقي جهات المملكة ، إذ لا نستحق إلا " مشاريع " فك العزلة عن مداشر العصور الوسطى والتقليص من التباينات المجالية بين أرياف التهميش والموت بالتقسيط ، وفي أحسن الأحوال نستحق اجتماعات فارغة مهدرة للمال العمومي وللزمن الإستراتيجي لجهة تتذيل باقي جهات المغرب .
والحمد لله أن مجلس جهتنا ما يزال يناقش مشروع التصميم الجهوي لإعداد التراب !!!! في انتظار حلول " غودو " الذي استنزف صبر الإنتظار لدى صامويل بكيت ؛ وغودو هنا هو التنمية المنصفة لصالح جهة الحـٓكـرة الممنهجة .