زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو 

قدم الدكتور سعيد كريميي  دراسة نقدية ومقدمة للعمل المسرحي 'فصل في الكونو' للكاتب المسرحي الإفريقي الكبير إيمي سيزير ضمن  العدد الجديد من سلسلة  المسرح العالمي الذي  يحمل رقم 411 مارس 2023 من اصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت من تأليف ايمي سيزير ترجمة الدكتور محمد الجرطي ومراجعة الاستاذة فاطمة نعام .

مسرحية "موسم في الكونغو"  التي خصها الدكتور كريمي  بدراسة نقدية مميزة وفريدة وغنية جامعة تم  نشرها سنة 1966 ضمن منشورات "Seuils". وقدمت للمرة الأولى في عام 1967 في مسرح الشرق الباريسي، من إخراج جان ماري سيريو Jean-Marie Serreau. وتتناول هذه المسرحية الفترة الأخيرة من حياة المناضل والمثقف، والأديب التقدمي باتريس لومومبا، ذلك الرجل الكونغولي الوطني الذي أسس الحركة الوطنية الكونغولية سنة 1958، وقاد ثورة تحرير وتخليص بلاده من الاستعمار البلجيكي. أصبح رئيسا لوزراء الكونغو عام 1960. وعندما دعا لتوحيد البلاد المقسّمة، قامت كل من فرنسا، وبلجيكا بخلعه وترحيله خارج يلاده، ثم اغتياله من طرف أحد أعوانهم ومرتزقتهم عام 1961.‏ وكان سيزير من أشد المعجبين بهذه الشخصية الأفريقية المقاومة للاستعمار الغربي، وهو ما دفعه لجعلها موضوعا لمسرحيته.

تبدأ أحداث المسرحية بالموازاة مع إطلاق سراح لومومبا ليشارك في مفاوضات بروكسيل التي تمخض عنها استقلال الكونغو عام 1960.‏ وكشفت أحداث هذا النص عن تفاصيل اغتيال لومومبا سنة 1961 من طرف عناصر الاستخبارات البلجيكية. وهي مسرحية سياسية تعرّي أساليب الاستعمار الغربي في تدبير المؤامرات، والتصفيات الجسدية، للحيلولة دون تحرير شعوب العالم الثالث المقهورة .

وظل إيمي سيزير طوال حياته وفي كل كتاباته، وفيا لقضيته المحورية، وهي الزنوجة وقضايا السود، متشبعا بنضاله الشيوعي، وبانتمائه للتيار السريالي الذي جعل من مشروعه التأليفي، مشروع حياته برمّتها. حاوَلت كتاباته من شعر ومسرح ومقالات، وكتب أن تُعبِّر عن التهميش الذي عاشَه الزنوج باعتبارهم أناسا متوحِّشين، برابرة، وبدائيِّين. ووجَّه انتقادًا صارمًا للاستعمار الأوربي الذي أقدَم على تخريب ماضي الدول المستعمَرة، وحاضِرها معًا، وحاول تشويه تاريخها وطمس هُويتها الثقافيَّة. على هذا الأساس، فإن الزنوجة مشروع ثقافيّ بالدرجة الأولى، يسعى لرفْض صفة التمركز، وتأييد الاختلاف الإنساني، والتركيز على المظلومين والمضطهَدين في العالم.

وعلى الرغم من تقدمه في السن، وتكريم فرنسا له، فإن سيزير لم يتوقف عن تمرّده، وعن التمسك بالمبادئ المعادية للاستعمار. وقد عبر عن ذلك إثر صدور القانون الفرنسي المؤرخ في 23 فبراير 2005 الممجد لأفضال الاستعمار الفرنسي.

توفي في 17 أبريل 2008 بفور دو فرانس، بعد صراع طويل مع مرض القلب عن سن يناهز 94 سنة. نظمت له جنازة وطنية تليق بمقامه. واعتبره الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "رمز الأمل لكافة الشعوب المضطهدة" عبر نضاله "من أجل الاعتراف بهويته وغنى جذوره الأفريقية '.

وعمومًا، فإن سيزير شاعر ضحّي بنفسه من أجل شعبه، مستعملا كلمات لها  حمولة حارقة. هذه النار المطهرة، هي المحرك المركزي لشعره الذي يصور ذروة أزمة اللغة العنيفة التي هي محاكاة لما يمكن اعتباره أزمة حتمية للغرب بأسره وقيمه، وبشارة بظهور إنسان جديد محرر من العبودية والعنصرية والتسلط.