ذ محسن الأكرمين - مكناس / جديد أنفو

منذ عامين أو أكثر ونحن نشتغل على الإصلاح التربوي، إصلاح لحد الآن لم يستقم مساره بالإعتدال والتنزيل . لحظة أولى، وفي ظل حركية التفكير في هيكلة القطاع التربوي / التعليمي تم تنزيل المشاورات الموسعة حول المدرسة العمومية إلى القاعدة العريضة للمؤسسات التعليمية والشركاء الفاعلين باختلاف انتماءاتهم ... مع دعوة الجميع إلى الإدلاء بدلوهم في عملية إبداء الرأي وتنزيل البدائل بالواقعية المغربية وبدون مزايدات سياسية أو مذهبية . لحظة ثانية، تكررت العملية بعد إعداد التقرير الوزاري العام التحليلي / التركيبي بمعاودة مشاورات همت فقط التدابير بأولويات التردد (23 تدبيرا ) ... لحظة ثالثة ، نحن دائما في انتظار تقرير خبرة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ، والذي سوف يحسم في التوجهات الكبرى لعملية الإصلاح المرتقب .

وفي اللحظة الرابعة، ظلت هذه الوضعية الانتظارية معلقة إلى حين ... فيما تم التفكير في مكافأة مجموعة من الأساتذة ، وذلك برحلة دولية استجمامية مجانية ... وتم تنظيم المشاركة فيها بشروط اعتباطية وغير ذي جدوى معيارية تأطيرية. وعندما اكتمل العدد المطلوب للرحلة ، والحمد لله تم في وقت قياسي قبل أن ترتد أطراف عيون المنظمين . وبعد التداول في عدد أيام الرحلة ومحطاتها الرئيسية ، تم تحديد الوجهات بصفة نهائية والمنطلق تقرر من مطار وطني بالساعة واليوم .
فرحة الفئة المحظوظة من الرحلة بالمجانية ، والتي نالت ثقة المنظمين جعلتهم يكونون قبل موعد انطلاق الطائرة بنصف يوم خوفا من الخشونة المستعملة في هذه المواقف الريعية .

وبعد تصفية جميع الإجراءات الإدارية بسلاسة واهتمام به نوع من التوابل المغربية بالقول . التحق الجميع عبر الممر الخاص المفضي مباشر إلى قلب الطائرة . صعد طاقم قيادة الرحلة إلى مقصورة القيادة ،ورحب القبطان في قوله الافتتاحي بالجميع وتمنى لحظوة الأساتذة رحلة ممتعة تنقلهم من الفصول الدراسية بإكراهاتها المعروفة لدينا بالتواتر ، إلى لحظة الترفيه عن النفس والتفريج عن الذات من كرب الحياة وضغطها المهني ... لكنه استطرد في قوله أن الطائرة التي يستقلونها ماركتها مسجلة باسم تلاميذ المدرسة المغربية ، من حيث أنها منتوج حصري من نتاج تلاميذ المؤسسات التعليمية المغربية ، وهي المفاجأة التي كسرت جليد الصمت والفرح الداخلي بالطيران العلوي ، وأردف قوله أن هذه الرحلة هي الأولى - (أي العباسية )- للطائرة ذات الخبرة المدرسية الخالصة. انبهر الأساتذة وسألوه كيف تم السبق ؟ ومتى تم للتلاميذ ذلك ؟ وبشراكة مع من؟ ومن أطرهم ؟ومن قام بتكوينهم ؟ فيما مجموعة من الأسئلة الكثيرة المتناسلة بعلو الأصوات لم يتم سماعها ، مادام الكل يتكلم في نفس اللحظة والفوضى همت أولى "عباسية " الطائرة .

ابتسم القبطان قليلا معلنا لهم أن من صنع هذه الطائرة هم تلاميذكم ، وهو معيار الاختيار الأولي غير المعلن عليه عند فرز الطلبات المقدمة لضمان رحلة مجانية ، وأكد أن هذا الصنع الحصري هو نتيجة ثمرة الجهود المبذولة داخل الفصول الدراسية ، وهو كذلك نتاج سياسة تعليمية مغربية منذ الاستقلال بتوالي الإصلاحات والمناظرات الوطنية ...

لكن الغريب في الموقف هو انتفاض الجميع وقوفا وإسراعهم نحو البوابة وعلامات الخوف والفزع تعلو الوجوه بالاحمرار والقلق، ثم بدأ التزاحم نحو البوابة المقفلة بالتدافع ، لكنها كانت موصدة بإحكام .

لحظة خامسة ، لوحظ أحد الأساتذة لم يفارق مكانه والتزم الهدوء والصمت ، وبدا واثقا من نفسه والابتسامة لم تفارق محياه . تساءل الجميع عن السبب ،في حين توجه عنده القبطان وتجمع عليه الكل عبر حلقة تشبه حلقة جامع "الفنا "بمراكش أو "الهديم " بمكناس . الكل يحمل نفس السؤال باستعمال جميع علامات الاستفهام والتعجب وبمتم أدوات الندبة ، ما سبب عدم خوفه من ركوب طائرة من صنع تلاميذ نحن من قمنا بتعليمهم وتربيتهم ؟ ضحك عاليا وأثنى بفعله المتكرر النظر إلى جميع من تحلق حوله بعين من النزق الموثوق من صدق حدسه . وبعد أن استنفذ الجميع صبرهم الضيق من إطلاعهم عن سر ثباته في مكانه . أقسم لهم بغليظ الأيمان أن هذه الطائرة لن تطير مادامت من صنع تلاميذ أزمة المدرسة المغربية ، ولن تحلق قاب قوسين من مكانها علوا ، فلما الفزع والخوف من منتوج نحن نعرف ( طحينه) الأولي ؟ .

إنها نكتة تداولها بالاقتباس ليس بهدف بخس عمل الأساتذة المغاربة ،وليس بغاية الإنقاص من جدية التلاميذ . ولكن ارتأينا فيها وضعية نعايشها في مدارسنا المغربية منذ توقيف البرنامج الاستعجالي ،وهي أن طائرة الإصلاح التربوي لن تطير قريبا .

كثر الحديث عن الإصلاح التربوي ولحد الآن لم نبرح مكاننا ، كيف ؟ عمل الوزارة الوصية الحالية اشتغلت عليه بمنطق المقاربة التشاركية ،وسدت باب الذرائع نهائيا من منطلقها ، والذي ألفنا تعليق إخفاقنا في مسايرة أي إصلاح بحيث نقبض على أسهل إخبار وهو أن الوزارة تهمش القاعدة وتنزل الإصلاح من المركز بشكل عمودي .

للوزارة الوصية منهجية تدابيرها ذات أولوية و للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقرير تركيبي سيقدم إلى الملك يحسم في مواصفات المدرسة العمومية ، و في مدخلاتها باختياراتها الأساسية والتابعة ، وفي منتوج المخرجات النهائية من حيث جودة المنتوج ، والملاءمة ...

لنعد إلى طائرة الإصلاح التربوي ، أولى آمالنا الجماعية أن لا تكون طائرة الإصلاح المرتقب ورقية ...وأن يكون إصلاحا بواقعية المدرسة العمومية المغربية وطموح المجتمع ، وأن يكون هناك توافق وتناغم بين خطة الوزارة الإستراتيجية ورأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

اللحظة السادسة، نأمل أن توفر الوزارة الوصية التربة الخصبة السليمة عند تنزيل وإرساء الإصلاح التربوي المرتقب ، من فواصل التكوين الأساسي / المستمر، وتوفير المستلزمات البشرية والمادية التي تواكب الأبواب المستهدفة من عملية هيكلة القطاع التربوي المغربي بشموليته ، وان يصل الإصلاح إلى الفصل الدراسي بوجهة المتعلم كبؤرة مستهدفة. وأن يسعد الإداري والأستاذ والموظف والأسرة والمجتمع من أفق الإصلاح التربوي بالانخراط التام بأخلاقية ميثاق العناية الوطنية ،والرضا به للرفع من مستوى جودة التعلمات بالمدرسة العمومية .

لا نلوم النكتة المقتبسة ،ولكن آثرنا فيها الدفع بتفكيرنا إلى تضافر الجهود لإقلاع طائرة الإصلاح التربوي المغربي الحقيقية بالتوافق والرضا الجماعي ...