
ذ محسن الأكرمين
ساعات قليلة عن نهاية حاضر سنة 2018 ، سنة تمر مثل أخوات كان ببسمة حلوة لمواقفها البهيجة ، ولما حتى عند جمع شتات فرحة ممكن أن تكون عابرة . سنة مرت بدمعة أحداث سجلت مرَها حرقة ، وسجلت فينا لحظات عصيبة وذكريات مؤلمة. سنة لم تمر أيضا دون أن ترسخ فينا لقطات وفية من الكوميديا السوداء الاجتماعية في ترتيب أحداث الصدق والكذب. من أفزع الأوقات بؤسا حين تصبح مناقشة القسوة حزنا لكنك تضحك كرها على ما يؤلمك من مشاهد مسرح الكوميديا السوداء بمجتمع المتناقضات.
حين فكرت في أحداث مسرحية سنة 2018 الجماعية والفردية الماضية ، وصفت العرض المقدم ضمن خشبة الحياة بسنة الخيانة بامتياز. حين طغت الأحداث الكئيبة واحتل القسوة في الأنفس موقع الصدارة، وبات السلم يعرف بأنه فترة بين حربين . حين تصدرت مواضيع الجرائم والمخدرات والعنف و القتل المفزع قصاصة أخبارنا وبتنا نتلذذ بقراءة المواجع وفناء حياة عالم السلم و الأمان.
مرات عديدة تلحق الفكاهة بنا جميعا وتجعلنا نضحك لزوما عن صور الألم التي نعايشها بالعمق أو بالمشاهدة ضمن الصفوف الأولى لقاعة عرض الحياة. مرات عديدة تنقلب حرب الكوميديا السوداء إلى بسط فكاهي يفكك علاقة الألم بمواقع الفرح المتقطع. سنة قد ترحل بنا ضمن أحداث بصمت ويلات أرض وطن وساكنة، بصمت على عنف أعنف وغير مسبوق، بصمت بقوة التضييق على حرية الفرح العذري و تسعير الألم بالمقايسة مع الأحداث الجارية.
حين أردت معايشة أحداث مسرحية الكوميديا السوداء لما بقي ومضى من سنة 2018، كنت أحتسي قهوة سواء في فضاء مطل على صومعة مدينة قديمة جمعة . كان فضاء شفافا بالزجاج الفاضح لكل الجلوس حتى وإن تم الارتكان بالزاوية الخفية جلوسا. حين تاه التفكير بي بعيدا عن صور المكان الغنية بالضحك واستهلاك لذة عابرة، من بسمة مميتة لا تكرر فلسفيا (لا يمكن أن تسبح في النهر مرتين)، وجدت أننا تحولنا من ثقة الصدق و الوفاء إلى خيانة أمانة إنسان لإنسان، وجدت كذبا فاضحا في حركات كل الوجوه ، وجدت وجوها تغير الجليس دون مقعد الطاولة ، وجدت أننا بمدينتنا فشلنا في الاختيارات الأساس.
كان مكانا صغيرا يحمل نمذجة بئيسة من المجتمع ، كان مكانا يمدك برؤية جانبية ويحتم عليك بناء سيناريو لكوميديا سوداء التي تعتلي العلاقة الانسانية. سوداء توازي كوب قهوة مر التحميص، لكنك حين ترفع الرؤيا تنفزع من الخيانة الواقفة بالمشهد الخلفي لقاعة العرض جلوسا، لكنك تضحك كرها على ما يؤلمك من مشاهد مسرح الكوميديا السوداء بمجتمع الكذب، فحين يشتد بك الألم من تناقضات المواقف الحياتية، حتما ستضحك ولو بدون بسمة، وصدق قومي حين قالوا (كثرة الهم تتضحك).
لنعد الكرة و نقول، ساعات قليلة عن نهاية تاريخ حاضر سنة 2018 ، سنة مرت ببسمة حلوها و دمعات مرها. فيها لحظات عصيبة وذكريات مؤلمة، ولما حتى شتات فرحة عابرة. حين هممت بترك مسرح الكوميديا الزجاجية السوداء لسنة 2018، سمعت مارسيل يقول (الذكريات تجيء ولا تؤذي ويأتي راضياً في الذكريات متألقاً ... على بساط الفجر نمشي باتجاهك بقوة الآلام نمشي باتجاهك (2019)....تطلب خوفنا منا وتطلب ضعفنا غضبي يرابط في ممر ضيق بين الخيانة والأمانة...)، حينها آثرت أن استنسخ صورة ذهنية لوجوه البسمة الماكرة بالعبور عن المكان العلي بالزجاج و أوزعها بالتساوي والصدق والأمانة على من ألتقي أول خروجي سنة 2019.