سيظلّ كثير منّا يلفّ و يدور حول الحقيقة، لكّن الشجاعة لا تواتيه لقولها كما هي واضحة بيّنة ساطعة سطوع الشمس الحارقة وهي تطل من علياء كبد سماء صحاري الجنوب الشرقي القاحلة المنسية . سوف لن يقولها، طبعا، مادمت دائما جارحة يخلق قولها أعداء كثيرين أكثر مما يخلق أصدقاء النفاق والمداهنة والتصنع . و”طريق الحق موحش” كما قال علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه. وإذا اخترت طريق الحق، فاستعد أن تبقى وحدك على الطريق . ورغم كل ذلك، لاخير في من لم يقلها مثلما “واللي ليها ليها” مادام أن السكوت عنها مضر للمنطقة وتنميتها التي تعثرت لأسباب كثيرة سنرى بعضها في مايأتي ..
تبدو المفارقة كبيرة سواء بالنسبة للساكنة أو بالنسبة لمؤرخ العالم القروي بواحات الجنوب الشرقي للمملكة. لقد كانت الامور في الماضي القريب تسير على أحسن حال، وكان الفعل الاجتماعي يشتغل بدقة، بل يمكن أن نتحدث عن ازدهار ما بداية القرن الماضي، إزدهار أرخت وتؤرخ له أشجار النخيل الباسقة والقصبات “تغرمين”الشاهقة بأبراجها العالية التي تجمع بين العظمة معنى ومبنى وبين عبق التاريخ ومعهاثروة ثمينة من القيم وأخلاق الاهالي التي تعبر عن مجد غابر بناه الاجداد بكفاحهم وعبقريتهم الفذة التي تعتمد على سلطة “الأمغار” و”الاعيان” الذين يمثلون بشكل ديموقراطي دون إقصاء او ميز كل فخدات تقبيلت بشتى تلاوينها وأطيافها، والتي تشارك بشكل جماعي في تنظيم الانسان والمجال. وكان حليف أسود بوكافر أنذاك الازدهار والتقدم. كان هذا أيام زمان كما يقول إخواننا المصريين، ايام كانت السماء تجود على المنطقة طوال السنة بخيرات امطارها الوفيرة وتستجيب الارض من جهتها لنداء السماء وترى الحقول قد ازهرت واينعت وكأنها جنات عدن تجري بعيونها العذبة الرقراقة على الارض المعطاء. أما حالة هذا العالم الآن بعد استفحال الجفاف ومعه دخول بعض الكائنات الانتخابية الموسمية الفاسدة التي امتهنت حرفة الحرث السياسي ولاتعرف من المنطقة سوى كيف تجني المحصول بمناجلها الصدئة حين تشرع في المتاجرة بأصوات ساكنتها البؤساء مقابل دريهمات معدودات مستغلين فقرهم وخصاصتهم، فهي حالة لاتسر العدو قبل الحبيب بتعبير الساكنة نفسها، وكأن الآلة الاجتماعية تعطلت مع هذا الفعل الجديد ولم تعد عناصرها تعمل بما فيه الكفاية ولم تعد تصدر سوى صريرا كئيبا حزينا يوحي بأن شيئا ما ليس على مايرام قد أصاب هذه الآلة الصدئة.وصار كل ما هو ممتع في الماضي في طريقه الى التلاشي يبحر مع الذكريات الجميلة مع سفينة النسيان.ومالبث هذا العالم السحري القديم الذي رحل مع رحيل الاجداد بعمامات المجد والازدهار يروى مع القصص الخيالية الغريبة التي تحكيها الجدات للأطفال الصغارقبل نومهم وكأن الماضي نوع من الخرافات والاساطير التي لاتصدق. ولم يتبق للساكنة المغلوبة على أمرها سوى البكاء على أطلال مجد قصابتهم الغابر وندب حظهم الرمادي التعيس على أعجاز النخيل الخاوية المتساقطة واحدة تلو الاخرى تارة بلا سبب وأخرى حين ترسل عليها الزوابع الرملية الصيفية الهائجة شواط من النار من كل صوب وحدب .شواط تحرقها وتلسعها بشكل يوحي أن العالم في هذا الجزء المنسي المحترق من المغرب غير النافع يسير الى الهاوية وما أدراك ما الهاوية.
بعد هذا المدخل التمهيدي الضروري لفهم ما سيأتي، أود أن أتوغل قليلا في عمق المشكلة وأدفع بسكين الحقيقة قليلا الى حد الألم حين أعرض عليكم باقة من السخافات التي ساهمت في تعطيل الفعل الإجتماعي في أجزاء كثيرة من منطقة النيف التي شملتها ملاحظاتنا، لأقول أنه منذ الثمانينات من القرن الماضي تبين للجميع أن دورة الامطار تغيرت وأن الجفاف قد احكم قبضته على المنطقة وعلى حوض المعيدر الكبير الى غير رجعة .جفت عيون الانهار،وصارمياه الفرشة الباطنية غورا ،وبعد بناء سد” أشبارو”بالنيف ،حدثت تلاعبات قيل عنها الكثيرة في ملف بناء سد آخر الذي هو “سد تنزميت” على وادي صاغرو بحصيا ، وبدأت الهجرة الى اوربا والهجرة الموسمية الداخلية للفلاحين الفقراء المتضررين الى مدن الشمال.وهذا جانب اول من المشكلة الذي أحدث كسرا كبيرا في صندوق موسيقى المنطقة التي تغير لحنها القديم الى لحن آخر كئيب وحزين يثير الكثير من الشجون في نفوس أغلب الساكنة المغلوبة على أمرها . الجانب الثاني إذا اردنا ان ننظر من زاوية أخرى، يمكن القول على أنه مدى هذه السنوات الطويلة العجاف، كان المجال العام في جزء كبير من المنطقة تحتكره لوبيات الريع المنظمة عشائرياومصلحيا والتي تعمل لمصلحتها الخاصة على حساب المصلحة العامة ،ويحدث هذا برعاية أحزاب فاسدة تطلق المال العام الذي لايلتقطه الا الإنتهازيين وعديمي الضمير.وما كان لهذه الشبكات الرجعية الفاشلة في حياتها الخاصة ان تنجح في تعطيل التنمية وتتصدر المشهد العام بالمنطقة لولا الأمية المتفشية بشكل فظيع بين أوساط الساكنة وهذا جانب ثالث في المشكلة. فرغم اننا في زمن السماوات المفتوحة كما يقال ،فلايزال في المنطقة عدد المغفلين الجاهلين اكثر بكثير من العارفين.وهذا مايشكل تربة خصبة لنمووإنتعاش طبقة رجعية طفيلية إنتهازية محلية تستفيد من الوضع المختل، طبقة من القطط السمينةتحميها بعض العفاريت والتماسيح الذين استمرأوا التناوب على حلب البقرة الحلوب.فمعلوم لدى الجميع أن العمل السياسي كزراعة البذور ،فلا يكفي أن تكون البذور صالحة لضمان مردودية الزراعة بل يجب أن تكون التربة كذلك ،وأن تكون هناك ملاءمة بين البذور والتربة من حيث طبيعة التربة والماء ومن حيث متطلبات البذرة .وإلا فلن تزهر شيئا ،أو سنزرع المبادىء النبيلة والنيات الحسنة والمواقف النقية ،وتنمو العقارب والأفاعي ،نزرع القمح والشعير والذرة وينمو الشوك والقطرب والحنضل..
ففي كل مرة ، يتحد افراد من شبكات عصبيات الريع الذين هم رجالات من القش والكارتون وورثة خردة العهد البائد التي تفتقر الى ثقافة التطوع وأدبيات ثقافة التنمية ، تتحد بمكر وخداع لإبطال الحق، وإحقاق الباطل... وفي كل مرة تسعى الى تصدر المشهد العام بكل وقاحة، وتسعى دائما لتجدير مكانتها وحضورها الطفيلي في المنطقة، وهي ترعى مشهد الجمود والتخلف بما يخدم مصالحها الريعية الإنتفاعية ضدا على المصلحة العامة،وضدا ايضا على كفاءات وشرفاء المنطقة الذين همهم الأساسي أن تشرق عليهم يوما شمس التنمية. بل ووصل الأمر ببعض هذه الكائنات الانتخابية الريعية المضرةالتي لسعت أجزاء كثيرة من المنطقة وسببت على جلدها حكة فظيعة الى حد الهذيان الى تسخير كل إمكاناتها للتحكم في مخرجات الإنتخابات لكي لاتفرز من يحمل على رأسه ورقة تنوير خضراء يسعى الى التغيير ويعارض تجارتهم الريعية..لقد عملوا اكثر من مرة على إرباك وطمس الطريق الى الإصلاح في المنطقة بتقزيم أصحاب الهامات والقامات من ذوي الكفاءات والإلتفاف عليهم ،ومن ثم تعتيم الرؤية التي تنشد الإصلاح بتنظيم برامج وحفلات تقام على إثرها ولائم شتم وتشويه سمعة كل من يفضح الاعيبهم الابليسية و لايبارك أو لايجاري لعبتهم القذرة ومحاولة سرقة الاضواء منهم للإنفراد بالساحة التي يعبثون فيها في مجتمع قبلي يفتقد الوعي المدني السياسي ولا يملك الثقافة الديموقراطية وسريع الإنجرار والإنسياق والتعرض للإشاعة والتأثر بها.تشويه سمعة وشتم كل من لايسير في خطهم بلغة إسطبلية فجة فظيعة تكشف عن عقلياتهم الساقطة.تشويه سمعة من لايسير في خطهم المنحرف بشكل يهدف الى قتله سياسيا حتى لايسرق منهم الأضواء وتنقلب عليهم شر أفعالهم التي أضرت بالتنمية وثقافة التنمية بالمنطقة منذ عقود. وأخشى ما يخشاه هذا التحالف المصلحي الفاسد ، المدركون لما تنطوي عليه مطامعهم وأفعالهم من ظلم وإجحاف في حق المنطقة وساكنتها ، ان يفتح عوام الناس أعينهم يوما على الحقيقة التي يحرفونها ويسعى هؤلاء الى الإنقلاب عليهم.
فإذا كانت الإنتخابات تسعى الى فرز شخصيات نزيهة تعمل بنكران الذات من أجل المصلحة العامة وتقدم المنطقة والبلاد، وإذا كانت المجالس التمثيلية في كل دول العالم تفرز أغلبية ومعارضة بناءة تسعى الى خير الوطن، فإن الانتخابات في منطقة الدراسة والملاحظة بعيدة كل البعد عن هذا المبتغى بسبب عمل مجاميع رجالات الريع التي قلبت الموازين بما يخدم مصالحها، وهي تعمل كل مرة على التحكم في مخرجاتها والقضاء المسبق على كل معارض نزيه محتمل.وهي انتخابات في كل مرة لاتعبر في غالبيتها الا عن تحالف انتهازيين من الطابور الخامس تسترزق بامتطاء ناصيتها ، للنفاذ الى المكسب المادي او المبتغى الرمزي سواء بسواء ولو على حساب المصلحة العامة. ومع كل موعد انتخابي تراهم يتسابقون ويتنافسون بطريقة محمومة وبسوقية منقطعة النظير حول الكرسي كأنهم في سياق مسابقة توظيف وليست مسابقة تمثيل الناس الذي يعد أمانة من الامانات التي عرضها الله على السماوات والجبال وابين ان يحملنها واشفق عليهما ..دون ان يعني هذا ،والحق يقال، ان كل الذين تفرزهم الإنتخابات كلهم انتهازيون. فحتى لوكان أحدهم نزيها فوصوله الى كرسي مكسر القوائم او كنبة مهترئة في بعض المجالس الجماعية لايمكن ان يتم دون التزلف والتودد بكل سفالة ودناءة الى افراد اللوبي ومراعاة حساباتهم العشائرية وأجنداتهم النفعية الخاصة كأولى الاولويات ،أجندات من بينها الالتزام بدعم سياسييهم والعفاريت الذين يدعمونهم كل مرة من وراء حجاب من غرف الفنادق المكيفة والفلات الفخمة ،وإلا فلا، فالعصا ستوضع في عجلة ترشحه كما وضعوها للذين من قبله وما أكثرهم. وهذا ما يجعلنا نقولوبمرارة وأسف كبير أن أغلب الانتخابات في مجال الدراسة والملاحظة التي عرفت هذه اللعبة لم تكن ابدا أداة من أدوات التعبير الشعبي الحر والاختيار الديمقراطي ، بل هي الأخرى مظهرا من مظاهر التلاعب السياسي والفساد العشائري والإقصاء الإجتماعي. فلا غرابة ان تمضي الانتخابات كل مرة ولا شيء تغير في أجزاء كثيرة من المنطقة سوى حالة تجارها وسماسرتها من الغوغاء والدهماء ومصاصي الدماء الذين يكسبون من ريعها أرباح مادية معتبرة تتبدى على شكل رساميل مادية يتباهون بها أمام المستضعفينّ المغفلين ، رساميل تجذب اليهم بعض الفئات الرثة وضعاف النفوس الأميين الذين يلهثون مثلهم وراء المال الإنتخابي السائب ليوظفوهم كقطع الطوب لبناء بيوتهم الخاصة ويعززوا بهم صفوف شبكتهم بما يخدم ماكينة مصالحهم وأطماعهم الخاصة.
ومع هذا العالم من القذارة والإنحطاط والخواء،لاغرابة أن تجد المزاج العام السائد في العديد من دوائر المنطقة لدى عوام الناس المخدوعين مع استفحال وباء الجهل والأمية والفقر والهشاشة هو مزاج العبث والتحايل وإعلاء من شأن أصحاب الخبرة في التحايل والفساد وأصحاب الوجوه الخمسة المتقلبة الذين نعتهم القرآن الكريم بالمنافقين .بل ومن الناس، وما أكثرهم، وهذه أم المصائب، من بات يطالب علنا ليس بمحاربة الفساد، بل بحقه في كعكته المحروقة بعد ان يئسوا من الإصلاح وأعلنوا تحالفهم مع الشيطان مادام ان طريق الحق والنزاهة والديموقراطية لم يعد يكفل للإنسان لقمة العيش الكريم في هذا البلد الذي انقلبت فيه الأية. ومثل هذه السلوكات هي التي جلبت الشؤم والمشاكل للمنطقة.مثل هذه السلوكات كانت سببا في تفشي جميع الظواهر السلبيةوتنمي الفقر والهشاشة والوصولية وأضرت كثيرا بثقافة التنمية وتسببت في نزيف هجري حاد الى حد نتساءل فيه إن كان هذا الفعل مقصودا ومدبرا لتغيير طبيعة المنطقة النائية و تدميرها نهائيا قصد تهجير ساكنتها للإستحواذ على باطن اراضيها الغنية بالمعادن النفيسة من نحاس وذهب وفضة وحديد وما لايعلمه إلا الله . ومثل هذه السلوكيات راكمت وفاقمت نوعا من الخلل و الإضطراب في العلاقة بين المجتمع وبين الدولة .وكان من الطبيعي ان تظهر أكثر من مرة ردود افعال غريزية وفطرية من الجيل الجديد من الشباب ، من خريجي الجامعات والعاطلين والعائدين من المهجر والمتضررين عامة ، ردودعلى شكل احتجاجات عفوية غير منظمة لأول مرة في تاريخ المنطقة المسالمة بعد ان وصل السكين الى العظم. أحتجاجات كلها ذات اسس سوسيو إقتصادية تجوب المنطقة تارة ،وتقطع الطريق الوطني تارة أخرى، منها مسيرات قطعت أكثر من 30كلمترا على الاقدام ،وهي تطالب بمحاربة اخطبوط الفساد الذي مافتىء يهدد الامن والإستقرار والسلم الإجتماعي بين مكونات المنطقة المتلاحمة منذ القدم..أخطبوط له امتدادات الى خارج المنطقة ،أخطبوط يديره عفاريت وتماسيح تعتمد على افراد محليين متشبعين بالعصبية والوصولية،أفراد لايعرفون معنى مفهوم المواطنة والتطوع ولا معنى الدستور الجديد و لامعنى التسامح ولا المقاربة التشاركية .أخطبوط لايعرف سوى الفلوس والفلوس والمكاسب الشخصية ومستعد لحرق المنطقة بما فيها من أجل الفلوس ومصالحهم فقط. أخطبوط بعقلية إقصائية يستهدف شرفاء المنطقة واطرافا من الفروض ان تكون هي حاملة مشعل التغييروالتنمية بالمنطقة.إقصاء له عواقبه الوخيمة على المدى البعيد والمتوسط سواء على المنطقة أوعلى الأخطبوط نفسه.ومن أجل هذا ندق ناقوس الخطر كمتتبعين لهذه اللعبة القذرة التي انكشفت مسرحياتها للجميع مثلما ينكشف طيز القرد للريح. لأن هذه الحركات المشكلة من أطراف عمادها الشباب المتعلم والمهمش والمتضرركرد فعل طبيعي لن تخبو ولن تختفي كما يتمنى ذلك تحالف قوى الفساد والإستبداد ومن يقف وراءهم، بل أنها ستزداد زخماً وستنتشر بحكم تراكم التجربة وستظهر في كل مرة مع أبسط هبة ريح، وهي حركات تؤمن بالحريات لأنها ولدت أساساً في ظل العهد الجديد وولدت أساسا في ظل مواجهة غريزية من أجل الحريات والحقوق على شبكات التواصل الإجتماعي وفي ميادين بلداتهم وأزقة المدن التي يهاجرون اليها قسرا بحثا عن لقمة عيش افتقدوا كل اسباب تحصيلها في منطقتهم. إن هذه الحركات غير المؤطرة لاحزبيا ولانقابيا ولاجمعويا ستظهر بلا زعمات بسبب سياسة الإقصاء الذي ظلت ينهجها التحالف الفاسد الدي يتزعمه الاميون والمتعلمون الانتهاويون منذ عقود. و ستؤدي محاولات التحكم بها ومنعها من التعبير عن نفسها سلميا إلى تعميق تصميمها على تطوير برامجها وأهدافها ووسائلها، أو قد تتخد اشكال غير منتظرة وغير معروفة قد تحول عن مسارها مثلما حدث حين تم اقتحام ثلة من الشبان الغاضبين مكاتب إحدى الجماعات القروية.أوحين استقبلت إحدى بلدات المنطقة مسؤولين حكوميين بالصراخ والعويل..وبعدها استقبلوا مسؤولين من العمالة بصناديق وحاويات وأكياس الازبال والقمامة التي أثتوا بها طريقهم تعبيرا عن سخطهم على الاوضاع المزرية ،وتعبيرا عن رفضهم للوبيات الفساد ومن يدعمها من تماسيح وعفاريت واباطرة المال واقتصاد الريع.استقبالات انحرفت وتحولت مراسيمها بشكل غير منتظر مثلما تتحول شعارات مسيرة التضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي في شوارع الرباط او البيضاء الى انتقادات لاذعة للحكومة ، أو مثلما تتحول التشجيعات أثناء متابعة مبارة رياضية لكرة القدم في ملعب من الملاعب الرياضية الى التعبير عن الغضب الشعبي من التهميش والإقصاء وانسداد أفاق الشغل وعسر الحال.
وعليه، فالاحتجاج الاجتماعي بشكل عام في منطقة النيف والجنوب الشرقي عامة لن يكون إلا محصلة نهائية لشروط وظروف أوضاع جديدة ،وتجاوز القائم منها، بشكل يعكس الحرمان النسبي أو المطلق ،هناك المثير والاستجابة أو الحرمان والعدوان كما تقترح بعض المدارس في علم النفس ،هناك اوضاع وممارسات مفتوحة على الحرمان تثير الحنق لدى الساكنة المهمشة وتقود نحو التوتر والإختلال،وهناك استجابة تتراءى في شكل عنف واحتجاج الشباب وخروج على القائم بغية تقويضه وإعادة بنائه من جديد وذلك بالمستوى الذي يتيح الحد المناسب من المشاركة في اقتسام الخيرات وصناعة القرارالمحلي بالمنطقة الذي ينبغي ان يكون قرارا يشارك فيه الجميع بالاعتماد على المقاربة التشاركية دون ميز أو إقصاء،وليس قرارا يخدم أطرفا رجعية متشبعة بفكر الوصولية والعصبية القبلية صنعها العهد البائد لأغراض في نفس يعقوب.
فثمة في السنوات الماضية أكثر من مرة إحتجاجات عفوية في أكثر من مكان جرت متابعتها ورصدها عن كثب بمنطقة النيف وحوض المعيدر الكبير من تيسمومين ومجران وايت سعدان واعشيش مرورا بالنيف المركزوصولا الى بلدة فزو بمسيسي ، إحتجاجات لها مايبررهااجتماعيا واقتصاديافي هذه المناطق القبلية المهمشة ،إحتجاجات لاتصل الى مستوى التداول الجماهيري،إما بواسطة تمكن السلطة المحلية في شخص القايد والمقدمين من الإنتهاء منها في أول خروج لها باستثمار آليات التهميش والتطبيع والإدماج ،أو أنها تخبو من تلقاء نفسها بسبب غياب عناصر التوجيه والتأطير لأن العالم القروي يمثل مشهد جمود تديره وترعاه النخب المحلية المدجنة بالمال الانتخابي السائب والامتيازات الخاصة ،ويتوجب عليهم في كل حين العمل على تكريس هذه الجمادية والميوعة ومقاومة كل ممكنات التغيير أو المطالبة به لإبقاء المنطقة داخل شرنقة الجهل والتخلف والجمود بما يخدم مصالح ريعية لكمشة من الإنتفاعيين و”الجرايين” ذوي النزعة الشفونية الذي لايحد طمعهم وجوعهم وجشعهم حدود.
ففي الوقت الذي تتطلع فيه الساكنة الى تجاوز الوضع القائم الجامد وتغييره بما يتناسب مع المعطيات الجديدة التي تساير العصروالعهد الجديد وبما يتناسب والاصلاحات والتغيرات سواء المؤسساتية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الدولة مع مجىء الدستور الجديد لسنة 2011الى تحقيقها لإرساء دعائم دولة الحق والقانون ،تصطدم بثلة من الخدام الاوفياء من المحافظين على الوضع الجامد المتعيشين به من ورثة خردة العهد البائد والذين يسعون الى تأبيده بما يخدم اطماعهم وأطماعهم فقط. وبين هذا الطرح وذاك تحدث صراعات بين أنصار الجمود والتخلف والتعتيم وانصار التغيير والتنمية والتقدم.صراعات تظهر على شكل احتجاجات شبابية تظهر تارة وتخبو تارة أخرى حسب الظروف والحيثيات…