في هذا البلد الحبيب الذي كل شيء فيه غريب و عجيب, أسطوانة لا تتقادم و لا تفنى, أسطوانة استمعت إليها أجيال و أجيال, و هاهو جيلنا اليوم يستمع إليها و يسمعها هو الآخر("حتى لا يبقى فيه الحال و يحس بالظلم"), و لا شك أن الأجيال التي ستأتي من بعدنا سيكون لها حظها هي الأخرى منها.
الأمر هنا عزيزي القاريء لا يتعلق بأغنية خالدة تتذوقها كل الأجيال شيبا و شبابا, و لا بمسرحية ظلت عالقة بالأذهان, و لا بفيلم دخل تاريخ السينما من أبوابه الواسعة, ولكن ب "نظرية" عجيبة تستعملها كل حكومة لتبرير فشلها في تحقيق ما وعدت به و إلصاق كسادها بالتي سبقتها,و هو ما سميناه بأسطوانة الحكومات السابقة.
هي أسطوانة عجيبة, غريبة, لماذا؟!
لأن أصحابها ينسبون كل "المساويء" و "الرذائل" و السلبيات لمن سبقهم, في حين يعتبرون كل "المنجزات" و "الإيجابيات" التي تحققت من إنجازهم.
هي أسطوانة عجيبة, غريبة, لماذا؟
لأنه في حالة الفشل, فالمبرر الذي يلجأ إليه سهل و موجود, و غير مكلف و يتلخص في السؤال الاستنكاري التالي: هل تريدون من الحكومة الحالية أن تصلح كل ما أفسدته الحكومات السابقة طيلة عقود؟
هي أسطوانة غريبة, عجيبة, لماذا؟
لأن متزعمي الحكومات السابقة يرون عكس ذلك تماما,يرون أن الفضل, كل الفضل يرجع لهم في الكثير من المشاريع و القرارات,التي كانوا على شفا حفرة من إخراجها للوجود,و أن الحكومة الحالية"لقاتها باردة",وأنها وجدت الطريق ممهدا أمامها و مفروشا بالورود بعد تضحياتها و نضالاتها(أي تضحيات و نضالات الحكومات السابقة), وهذا هو الحال اليوم مع نظام الراميد و "الزيادة"في منحة الطلبة التي يقول الاستقلاليون بأن الله لو أطال عمر حكومة عباس الفاسي لكانوا هم أصحاب هذه "الإنجازات" لأنهم العقل المدبر لها!
هي أسطوانة, عجيبة و غريبة, لماذا؟
لأنه في مقابل تحميل الحكومة الحاكمة وزر فشلها للحكومات السابقة,تجد وزراء من هذه الحكومة عندما يتعرضون للنقد إزاء مجموعة من القرارات التي اتخذوها يلجؤون إلى "هذا ما وجدنا عليه الوزراء السابقين", يعني أنهم ليسوا المسؤولين عن وضع تلك القوانين, فهي كانت موجودة منذ الحكومات السابقة و لا يتعدى دورهم مجرد تفعيلها"و لو كان الوزراء السابقين في ضلالهم يعمهون".هنا فقط تتحول الحكومة السابقة الفاسدة و المسؤولة عن فشل الحكومة الحالية إلى مثال و قدوة يحتذى بها,و السؤال المطروح هنا هو التالي: إذا كنتم تزعمون بأن الوزراء السابقين فاسدون, وبأنه لا يمكنكم أن تصلحوا ما أفسدوه,فلماذا تتبعونهم إذا؟و لماذا تتخذونهم قدوة لكم؟
هي نظرية عجيبة, غريبة, لماذا؟
لأنها من صنع مغربي, إذ لم نسمع يوما رئيسا أمريكيا أو أوربيا أو رئيس حكومة من أوربا أو أمريكا أو حتى إفريقيا يحمل مسؤولية فشلها للتي سبقتها,فكما يعلم الجميع هناك دول مرت بحروب و أزمات عالمية كبرى, كان السبب في إشعالها أشخاص متهورون, كما هو الحال مع ألمانيا هتلر, و إيطاليا موسولوني, و إسبانيا فرانكو...و لكن الرؤساء و الحكومات التي جاءت من بعدهم تمكنت من تجاوز كل تلك الكوارث,بل و تحقيق نجاحات باهرة و إخراج بلدانهم من براثن التخلف التي رماها فيها أولئك القواد دون أن نسمع يوما أحدهم يحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع تلك الدول إلى أولئك الأشخاص,و إن حصل,فإن ذلك يحدث فقط مع بداية الحملات الانتخابية أو مع نهاية الأزمة, و ليس أسطوانة تتكرر لعقود,لتنتهي,و لتشرع الحكومة المنصبة أو الرئيس الجديد بتطبيق برامجهم دون الالتفات إلى الوراء, حيث يصبح أكبر همهم-ليس البحث عن مشجب حكومات أو أشخاص سابقين منهم من أكله التراب ليعلقوا عليه فشلهم-, بل الاجتهاد لوضع لمستهم و تغيير أوضاع شعوبهم نحو الأفضل.
هنا يطرح سؤال آخر هو : إذا كنتم على علم مسبق بأن من سبقوكم كانوا مجرد فاسدين و مفسدين و هم السبب في كل الأزمات التي تمر بها البلاد اليوم...(كذا), فلماذا لم "تتحاسبوا"معهم قبل تسلم مفاتيح الحكومة؟ بل لماذا لا تقدمونهم للمحكمة قبل الشروع في عملكم؟ و لماذا دخلتم اللعبة مادمتم تعرفون بأنكم عاجزون عن إصلاح ما "أفسدوه؟
هي أسطوانة مكررة و رغم ذلك تبقى دائما عجيبة و غريبة, لماذا ؟
لأن من بين الأحزاب التي كانت في تلك الحكومات السابقة التي تتهم بالفساد من هي في التحالف الحكومي الحالي, و الأحرى أن منها أحزاب مترئسة لحكومات سالفة!
فكيف يقبل عقل أن تضم الحكومة المصلحة, الصالحة, التقية, الورعة, التي لا يأتيها الباطل من خلفها و لا من بين يديها, كيف تقبل أن تضم بين أحضانها من تتهمهم بالفساد بالأمس؟
هي أسطوانة عجيبة, غريبة, لماذا؟
لأنها تتطلب وفق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أن تستدعي المحكمة كل رؤساء الحكومات السابقة الأحياء منهم و الأموات,للنظر في المنسوب إليهم!
هي أسطوانة, غريبة و عجيبة لأن الحكومة الحالية, ستتحول هي الأخرى ذات يوم إلى حكومة سابقة, فتتعرض لنفس الاتهامات و تصبح موضوع نفس الأسطوانة الصالحة في كل زمان و لكن ليس في كل مكان,إلا مكان واحد اسمه المغرب!
هي أسطوانة عجيبة و غريبة, لأنها, وكما قلنا منذ البداية, لا تتقادم, فقد سمعها المغاربة و سيظلون يسمعونها أبد الدهر, لأنها أسهل الحلول للتهرب من المسؤولية و تبرير الفشل.
لسنا هنا بصدد تبرئة الحكومات السابقة, لكننا هنا لنتساءل:ما ذنب الشعب المغربي فيما فعلته الحكومات السابقة؟ إلى متى سيبقى يتحمل وزر "أخطاء" لم يرتكبها و لم تكن له يد فيها ؟