يجب الإقرار، بداية، أن الاستبداد أصل لكل فساد؛ ذلك أن المستبد الذي يتوهم نفسه إلاها، حسب الكواكبي، في حاجة إلى جيش المُتمجدين العاملين له والمحافظين عليه، كما أن هؤلاء- المتمجدون- لا يهمهم الكرامة وحسن السمعة وإنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته.

من الواضح، إذن، أن الفساد صناعة سياسية بامتياز ترمي إلى تأبيد استمرارية نظام/ وضع شاذ يعاكس الحاجة الطبيعية والملحة لشروط ومتطلبات الاجتماع الانساني- المدني. غير أنه يجب الإقرار، أيضا، إلى تسرب الفساد، السياسي الأصل والصناعة، إلى الفضاء الاجتماعي والاقتصادي بما يجعله “ثقافة” سائدة  و”حية” تعيد إنتاج ذاتها في مستويات أدنى لضمان استمرارية أصل الفساد(= الاستبداد).

يبدو من المهم، في هذه الحالة، استعارة النقد المزدوج للراحل عبد الكبير الخطيبي، ليس لتناول “المهمة الأساسية للسوسيولوجيا في العالم الثالث” بل من أجل القيام بعمل نقدي مزدوج لمواطن الفساد والإفساد.

أ- لم يعد هناك مجال للتغطية على فساد السلطة بعد نهوض الشعوب المغاربية والعربية، في ما سمي بالحراك الاجتماعي والسياسي، إلى المطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد كشعار مكثف للمطالب المرفوعة، وكتعبير عن الوعي الجماعي والحاد بنمو الفساد في أحضان الأنظمة الاستبدادية.

ب- يجب الاعتراف، بكل وضوح، أن الفساد لم يعد مقتصرا، فقط، على المجال السياسي، حاضنته الطبيعية، بل إنه امتد إلى المجال الاجتماعي وأُعيد إنتاجه في مستويات مختلفة، حتى تحول إلى سلوك سائد ومقبول اجتماعيا، بل تسنده ثقافة لا تتوانى في إضفاء الشرعية  على أفعال الفساد وممارسات الإفساد.

وبالنتيجة، فإن السلطة أوجدت لها ما سماهم الكواكبي “جيش المتمجدين” في قلب المجتمع، مقابل استفادة هؤلاء من ريع غير مستحق نظير انخراطهم في أنشطة لا تقلق السلطة القائمة أو مقابل صمتهم عن فسادها.

فإذا كان الفساد السلطوي، في تجلياته السياسية، واضحا وظاهرا، فإن الفساد، الذي تغلغل في المجتمع نتيجة لفعل سلطوي مقصود، أكثر خطورة لأنه:

1- يمنع نمو المقاومة الذاتية في قلب المجتمع للتصدي للفساد السلطوي.

2- يضمن استمرار الفساد السلطوي من خلال إعادة إنتاجه اجتماعيا وثقافيا….الخ.

3- “التباس” حالة الفاعل الاجتماعي المستفيد من الفساد، واجتهاده في تمييع الصراع والمعركة ضد معسكر الفساد.

لقد تنبهت بعض القوى السياسية، بشكل مبكر،  إلى “تفاعلات” الفساد والاستبداد بصياغتها لأطروحة سياسية لا زالت تحافظ  على راهنيتها وحيويتها الاجتماعية والسياسية: دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع! وهو نفس الشعار الذي هيكل مطالب الشعوب المغاربية والعربية: إسقاط الفساد والاستبداد.