أن تتناسل التعليقات "الفايسبوكية" التي وجدت في عبارة "معارضة صاحب الجلالة"، المناسبة للتحامل على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعلى كاتبه الأول- بعد أن عزلتها عن سياقها وأوَّلتها تأويلا مغرضا، ينسجم مع حجم الغل والحقد الذي تكنه صدور بعض الجهات لهذا الحزب ولتاريخه النضالي المجيد ولرموزه وأعلامه النضالية والتاريخية والفكرية والديمقراطية...- قد يبدو مفهوما إذا ما استحضرنا العقدة المستحكمة في بعض النفوس تجاه هذا الحزب الوطني العتيد وإذا ما استحضرنا أيضا طبيعة هذه الوسيلة التواصلية التي يجعل مهنا البعض، إما تحت اسم مستعار أو تحت اسمه الحقيقي، أداة لتصفية الحسابات الشخصية أو السياسية...
وليس في نيتي أن أتناول هذه التعليقات المغرضة، سواء من حيث كونها ردود أفعال جزء من الطبقة السياسية أو من حيث كونها نوعا من البلطجة "الفكرية" التي تتخذها بعض "النخب" أسلوبا ومنهجا في مواجهة خصومها، خاصة وأن الأخ والصديق "حميد العكباني" قد تصدى لتلك التعليقات في الحين، وعلى نفس الموقع، مبرزا تهافتها وتفاهتها وموضحا مدى تحاملها على الاتحاد الاشتراكي وكاتبه الأول، ومركزا على ما ينضح منها من غل وحقد... !!!
لكن، أن يُجمع ثلاثة زعماء لأحزاب سياسية يسارية (الحزب الاشتراكي الموحد، في شخص أمينته العامة، السيدة "نبيلة منيب" وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في شخص كاتبه الوطني الأستاذ "عبد الرحمان بن عمرو"، والنهج الديمقراطي، في شخص كاتبه الوطني، السيد "مصطفى البراهمة" ) على جعل لحظة صغيرة جدا (طغى عليها الانفعال ورد الفعل ومواجهة مزايدة بأخرى) في نهاية برنامج تليفزيوني (استغرق أكثر من ساعة ونصف من النقاش السياسي بين المعارضة والحكومة)، أن يجعلوا من ذلك الموضوع الرئيسي لتعليقاتهم وردود أفعالهم للحكم بـ"البؤس والانحطاط"على ما أسموه، حسب الموقع الإخباري"بديل"، العملية السياسية الرسمية في المغرب، فهذا ما يستحق ويستدعي بعض الوقوف لإبراز مدى التخلف الفكري و"الانحطاط" السياسي لدى النخبة السياسية المغربية (اليسارية، بالطبع، لأن اليمينية لا تهمني إلا بقدر قناعتي بحقها في الوجود وفي التعبير عن ذاتها ورأيها...مع الاحترام الواجب لذلك) التي تدعي الحداثة وترفع شعار الديمقراطية والتقدمية...
نعرف جيدا موقف (أو مواقف) هذه الأحزاب من الاتحاد الاشتراكي ونعرف أيضا الأسباب الشخصية والموضوعية (التاريخية والإيديولوجية) التي تؤطر هذا الموقف أو ذاك، والذي، غالبا، ما تحكمه وتتحكم فيه الضغينة والتحامل والأحكام المسبقة والجاهزة، الخ. وقد يكون للتحليل النفسي ما يقوله في هذا الباب، سواء تعلق الأمر بعقدة "الأب" أو بغيرها من العقد المستحكمة، بصفة خاصة، في الذين اعتقدوا يوما ما أنهم بخروجهم من هذا الحزب سيشكلون بديلا عنه، ليجدوا أنفسهم عاجزين حتى عن تجاوز بعض الممارسات التي ادعوا أنهم بسببها خرجوا من الاتحاد الاشتراكي، ناهيك عن عجزهم التنظيمي والسياسي في التجدر داخل الجماهير التي يدعون تمثيلها والدفاع عنها... فهل أذكر بالنتائج الكارثية للانتخابات التشريعية لسنة 2007 (مقعد واحد)، رغم خوضها باسم تحالف ثلاثي؟ وهل تسجيل تلك الانتخابات لأدنى مستويات المشاركة (37 %، بما فيها الملغاة)، لا يدحض كل ادعاءات البيانات السابقة التي كانت تُدَبَّج للتهليل باستجابة الجماهير لدعوات المقاطعة؟...
وهل يفلح، هنا، دور الضحية (الذي يبدو أن الأستاذة "منيب" قد استمرأته) في دفع المسؤولية عن النخب اليسارية، بالقول بأن مثل هذه التصريحات (تقصد "حكومة صاحب الجلالة" و"معارضة صاحب الجلالة"، رغم ما بين حمولتهما من اختلاف، يفرضه السياق)"باتت تبعث على التقزز وتنفر الناس من السياسة مما يهدد السلم الاجتماعي..."؟
من المؤكد أن لمسألة العزوف السياسي (والانتخابي، بالأساس) أسبابا تاريخية وسياسية، تتحمل فيها الدولة والحكومات المتعاقبة المسؤولية الأولي والكبرى بسبب التمييع والفساد والإفساد الذي تعرضت له بعض التجارب الانتخابية (بل أغلبها). لكن، هل ما ذهبت إليه السيدة "منيب" في تصريحها الأخير، على هامش برنامج "مباشرة معكم"، من أن "المشكلة العويصة للنخب اليوم أنها لا تريد أن تزعج الملك"، يعفيها ويعفي باقي النخب اليسارية من المسؤولية...فيما يعيشه الوضع السياسي...؟
يبدو لي أن غياب الشجاعة الأدبية والنزاهة الفكرية (والتواضع ؟ !!) عند قياديي اليسار، قد جعلهم يضعون جانبا مبدأ يساريا وديمقراطيا بامتياز، ألا وهو النقد الذاتي، ليعلقوا، بمناسبة وبدون مناسبة، أسباب فشلهم على مشجب الاتحاد الاشتراكي (باعتباره إصلاحيا، تارة، وحكوميا أو مخزنيا، تارة أخرى، ويساريا تقليديا، في أحسن الأحوال) . ويكفي المرء، خاصة إذا كان متتبعا بعض الشيء لتاريخ الصراع داخل الاتحاد الاشتراكي، أن يستمع إلى آخر حوار أجراه الموقع الإخباري"بديل" (badil.info ) مع الأستاذ "عبد الرحمان بنعمرو" (وذلك على سبيل المثال، لا الحصر)، ليكتشف حجم الأكاذيب والافتراءات والمغالطات والأباطيل (في حق التاريخ والمناضلين والقادة التاريخيين للاتحاد) التي أطلقها الرجل دون أن يرف له جفن ودون أن يشعر لا بالحياء ولا بوخز الضمير... بالمقابل، فقد أضفى على نفسه طهرانية نضالية إلى درجة قد يُخيَّل معها إلى المستمع- المشاهد (حوار مصور) أن المغرب لم ينجب من المناضلين إلا السيد "بنعمرو"... !!! الذي أصبح له لوحده الحق، تبعا لذلك، في تصنيف المناضلين إلى حقيقيين وغير حقيقيين.
ورغم أن الحوار المذكور ليس موضوعنا (وقد نعود إليه في مناسبة أخرى)، فإني أجد نفسي مضطرا للتذكير بأن كل محاولات الصحافي جر مخاطَبه إلى ما يمكن أن يشبه النقد الذاتي، قد باءت بالفشل. فقد بقي الرجل مصرا على أنه كان (ولا يزال) دائما على حق وعلى صواب وفي كل المحطات... !!! وهذا كاف للحكم على هذا النوع من العقلية بالجمود والتحجر والانغلاق...وغياب التواضع. وهي، على كل حال، صفة من صفات التطرف (فالمتطرف يعتقد، دائما، أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة)، سواء كان هذا التطرف سياسيا (ومعروف أن التطرف اليميني والتطرف اليساري يلتقيان في المواقف...) أو فكريا أو ثقافيا أو عقديا...
وبالعودة إلى عبارتي "حكومة صاحب الجلالة" و"معارضة صاحب الجلالة"، نستغرب القفز بالزانة على السياق، الذي مارسه زعماء الأحزاب الثلاثة؛ ذلك أنهم ركبوا على عبارة "معارضة صاحب الجلالة "، التي وردت في سياق تهكمي على موقف السيد "نبيل بن عبد الله' (الذي عَدِم القدرة على الجواب على ملاحظات وأسئلة المعارضة، فلم يجد أمامه سوى نموذج رئيسه في الحكومة، الذي يختبئ وراء الملك كلما ووجه بأسئلة حارقة) وبأسلوب تقريعي ("حشوما"، يقول "إدريس لشكر" لـ"بن عبد الله الذي فقد السيطرة على أعصابه وأصبح يردد بشكل هستيري هذه "حكومة صاحب الجلالة")، ليبنوا، انطلاقا منها، أحكاما أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها متحاملة وغير موضوعية، لأن فيها تعسفا متعمدا على المعنى وعلى السياق.
وهم، في هذا، لا يختلفون عن بعض "الفايسبوكيين" الذين رصد الأخ "حميد العكباني"، كما أسلفنا، تعليقاتهم خلال البرنامج ليستنتج أن الدافع وراء التعسف على المعنى وتجاهل السياق ومقتضيات المقام (لكل مقام مقال)، ليس سوى " ما يضمرونه من غل وحقد للاتحاد الاشتراكي عامة ولكاتبه الأول المنتخب ديمقراطيا على وجه الخصوص ...".
وهنا، لا بد أن أذكر الأستاذ "بنعمرو"( الذي عاد إلى قيادة حزب الطليعة، بعد مرض الأستاذ "أحمد بن جلون" شفاه الله؛ مما يطرح عدة أسئلة من قبيل: هل حزب الطليعة لا زالا يعيش على الشرعية التاريخية رغم رفعه لشعار الديمقراطية وتضمينه في اسم الحزب؟ وهل عودة "بنعمرو" لقيادة الحزب تعني غياب الديمقراطية فيه...؟ أم أن المسألة مرتبطة بالعقم التنظيمي والسياسي والفكري في هذا الحزب... ؟ على كل، هي أسئلة، أعتقد أنها مشروعة لمن يحاول أن يفهم وضعية نخبنا السياسية وخطابها البئيس)، أذكره أن الاتحاد قد تخطى مرحلة الشرعية التاريخية (رغم كونه تقليديا... ! حسب التصنيف الذي وضعه الأستاذ "محمد الساسي") ودخل مرحلة الشرعية الديمقراطية من بابها الواسع. ومن المؤسف، حقا، أن يردد الأستاذ "بنعمرو" (خلال الحوار المشار إليه آنفا)، بوثوقية، ما تناولته بعض المنابر المشبوهة للتشويش على التمرين الديمقراطي غير المسبوق في بلادنا الذي دشنه الاتحاد الاشتراكي.
كل المؤشرات تدل على أن استعادة المبادرة داخل الاتحاد الاشتراكي، لم يُنظر إليها بعين الرضا من جهات متعددة. فبعد أن أصبحت المسؤولية الأولي في الحزب مرتبطة بتنافس وتعاقد ديمقراطيين ( قائمين على أساس برنامج واضح المعالم)، انطلقت دينامية جديدة في هذا الحزب على جميع الأصعدة والمستويات، تمثلت في القرارات السياسية والتنظيمية التي اتخذتها القيادة المنبثقة عن المؤتمر الوطني التاسع. وهكذا، انخرطت في عمل سياسي (نُذكِّر، هنا، بالنشاطين السياسيين الكبيرين في أكتوبر 2013: التجمع الجماهيري الاحتجاجي بمركب مولاي عبد الله بالرباط يوم 5 أكتوبر وتنظيم يوم الوفاء للشهداء يوم 29 من نفس الشهر بدرب مولاي الشريف بالدار البيضاء...) ودبلوماسي (نذكر بما حققته جولات الكاتب الأول في أوروبا لصالح القضية الوطنية؛ كما نذكر بالدينامية الجديدة التي انخرطت فيها لجنة العلاقات الخارجية خدمة للقضايا الوطنية ...) وتنظيمي (انطلاق عملية إعادة البناء بالشروع في سلسلة المؤتمرات القطاعية والإقليمية التي أعادت للحزب حيويته...).
لذلك، لا نستغرب أن تأتي الضربات من كل الجهات، بما فيها الضربات الداخلية (وهي الأكثر إيلاما وأشد ضررا على الحزب ووحدته، لكونها تُستغل من قبل الخصوم، ما لم يكن هؤلاء الخصوم أنفسهم مندسين بيننا ويحملون قناع النضالية والغيرة على الحزب... في حين هم يشتغلون على تدميره من الداخل) التي تتخذ أشكالا متعددة وتتخفى وراء ذرائع ومبررات واهية، ظاهرها الدفاع عن الحزب وتاريخه ومبادئه، وباطنها إبقاء الحزب على ما كان عليه من جمود وتشتت وانتحار جماعي (كما قال الأخ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق)، خدمة للمصالح الشخصية (الحفاظ على المواقع)، على أقل تقدير، أو لمصالح جهات لا تريد للاتحاد أن يسترد عافيته؛ وهذا أخطر ما في الأمر، سواء تم ذلك بوعي أو بدونه...
وحتى لا يعتقد أحدهم، الذي "استقال" من اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي بسبب عبارة "معارضة صاحب الجلالة"، أنه معني بما ورد في الفقرة السابقة، أبادر إلى القول بأني استكثر عليه ذلك. وأستكثره عليه لكونه "سقط سهوا" على الجهاز التقريري الاتحادي؛ ذلك أنه لم يستطع حتى الحصول على صفة مؤتمر؛ بل فرضه صديقه "محمد بوبكري" فرضا في إطار الفعاليات، وأوصله، بعد ذلك، إلى اللجنة الإدارية؛ مما يعني أنه نكرة، تنظيميا ونضاليا...فأراد أن يستعيض عن ذلك بالمزايدة والهروب إلى الأمام، خصوصا بعد أن انقلب "محمد بوبكري" عن صديقه "إدريس لشكر"، بعد 35 سنة من الملازمة، لأسباب نجهلها.
وشخصيا، آليت على نفسي، وهذا تواضعا وليس تكبرا (عملا بالقول المأثور: التكبر على المتكبر تواضع، أو بالقاعدة الرياضية: - x - = + ، وهو ما ينسجم مع مضمون القول المأثور)، أن لا أناقش (بل سوف لن أذكر حتى اسم المعني بالأمر) كل تافه يضفي على نفسه صفات ليست فيه ويعتقد أنه بذلك يرفع من شأنه ويحط من شأن غيره. وإلا، فإن الرسالة، لو صدرت عن كاتبها الحقيقي والفعلي، تغري بالنقاش لما فيها من وقاحة سياسية وأخلاقية وما تحمله في طياتها من مظاهر الغباء السياسي...
ختاما، يبدو لي أن من علامات التخلف الفكري ومن تجليات تردي الفعل السياسي وتخلفه وضحالته وبؤسه - خطابا وممارسة-... أن يخدم شخص ما أو تنظيم ما مصالح (أو أجندة)، خصمه الحقيقي، بوعي أو بدونه، بسبب الحقد على الخصم الثانوي (إن جاز هذا التعبير) لدواعي قد تكون ذاتية محضة وقد تكون حتى موضوعية. إن الخطاب اليساري (أقصد اليسار غير التقليدي، حسب تعبير الأستاذ "محمد الساسي" أو اليسار الجذري حسب تعبير بعض الأدبيات السياسية)، يعبر، في واقع الأمر، عن وعي شقي وعن نفسية مصابة باكتئاب سياسي مزمن... مما يجعل بعض الزعماء والقياديين والمناضلين، ينخرطون في عملية هدم (ذاتي؟؟ !!) وهم يعتقدون"أنهم يحسنون صنعا". أليس هذا كافيا لتفسير ضعف اليسار، أو على الأقل، بعضا من جوانب هذا الضعف (الذي هو حقيقة، لا يمكن أن ينكرها إلا من فقد كل قدرة على التفكير والتمييز... !!!)…؟ فهل من مخرج لهذا الوضع البئيس؟...