اعتدت حضور خطبة الجمعة بمسجد بن عشير، و دائما و أبدا ما أخرج منه بزاد من الأحاديث النبوية و العبر و الدروس، كيف لا و خطيبه دكتور فصيح اللسان، قوي الحجة والبيان، و الأهم – بالنسبة للدولة - أنه لا يرتدي أي عمامة حزبية أو سياسية.
لكن اليوم، هناك أمر مختلف، خطبة ركيكة من حيث الشكل، وضيعة من حيث المعنى، ذكرتني بـ "إنشاء" تلميذ مجتهد بالابتدائي، أو لنقل الإعدادي حتى لا نكون قساة على كاتبها، و حاشى لله أن أقصد بذلك دكتورنا الخطيب، فالأمر واضح وضوح الشمس، الخطبة معممة على جميع مساجد المملكة، و هي خاصة بعيد العرش المجيد.الشوكة التي بقيت عالقة في حلقي(خطبة اليوم)، هي من جعلني أكتب هذا المقال.
قبيل أيام ليست بالبعيدة، صدر ظهير ملكي بشأن تنظيم مهام القيمين الدينيين، والذي يقضي بمنع أئمة المساجدوالخطباءمن ممارسة أي عمل سياسي أو نقابي، و خلفيات هذا الظهير-رغم الجدلية حوله- معروفة لدى العامة، نلخصها في ترسيخ الوسطية و الاعتدال كمنهج اختاره المغرب لتسيير شؤونه الدينية .فإذا بوزارة الأوقاف التي من المفروض أن تكون الساهر الأول على تطبيق هذا الظهير، تصبح أول من يخرقه بتوظيف المساجد للبيعة و التذكير بمناسبة اسمها عيد العرش المجيد، متغافلة بذلك مناسبة أعظم عند الله اسمها عيد الفطر"المجيد".و هنا أفسدت الوزارة ما كانت تود إصلاحه، و انطبق عليها المثل المغربي القائل(جايحبلو و اعماه) ، نعم يا وزارة التوفيق، لقد أفسدتم كل شيء، و أذكركم أن الضغط يولد الانفجار.
الشعب المغربي يا وزارة التوفيق لا يحتاج خطبة الجمعة ليؤكد بيعته و ولاءه لمحمد السادس نصره الله، فهو على دراية تامة بجميع أطيافه و مكوناته أن لا مخلص له إلا الملكية كنظام، خصوصا و أنه يعاين مآل الثورات العربية و حالة الفوضى و انعدام الاستقرار التي تعيشها، بل و يزداد تشبثا بها، و قد أنعم الله عليه بملك محبوب من الخارج قبل الداخل. إنما ممارسة هذه التفاهات كالخطبة التي تليت على مسامعنا اليوم ستأجج الصراع بين الشعب و مؤسسته الملكية، و إني لأحمل المسؤولية لهذه الوزارة التي تلعب بنار مشتعلة بهشيم وسط رياح عاتية.و قد لمست ذلك من خلال الضجر و الملل الذي أصيب به المصلون و هم يستمعون لخطيب مكره لا بطل يلقي أحد دروس التربية على المواطنة من تأليف موظف من ذات الوزارة يبدو أنه ألف الكسل حتى الثمالة، و فرض عليه نسج هذه الخطبة، فخاطها برقع من مصطلحات بالية بقيت عالقةفي ذهنه.
هذا العبث ليس بالخطأ الأول و لعله لن يكون الأخير لهذه الوزارة، و إنما زلاتها المميتة تعددت، كان آخرها منع المسلمين من الاعتكاف بمساجد الله خلال العشر الأواخر من رمضان حسب ما ذكرته بعض الصحف و المنابر الإعلامية، أضف لذلك التضييق الخانق على الواعظين و المراقبة الصارمة للخطباء و الأئمة بالإضافة إلى توقيف عدد منهم(بسبب كلمة حق غالبا). و في المقابل مباركة نجوم الخرجات الإعلامية الساخرة من الدين كـ(فقيه) الجزر، أو تلك المتطرفة كـ(مفتي) قتل" الكفار". هؤلاء الذين تسخرهم الدولة لجس النبض تارة، و لضرب هذا بذاك و إشاعة الفتنة تارة أخرى أو لصرف الانتباه و تشتيته مرات عديدة لتمرير ما أرادت من القوانين الشاذة، يعيشون في رخاء بعيدا عن كل المضايقات.
الضغط الذي تمارسه هذه الوزارة سيؤدي حتما بأولئك الذين كان المسجد متنفسا لهم، و الاستماع لدرس ديني سكينة على قلوبهم، و الخشوع لصوت شجي في بيت الله ينسيهم هموم الدنيا و قسوتها، كل هؤلاء بعد هذه الإجراءات الزجرية مؤكد أنهم سيبحثون عن البديل، و الأكيد أنهم سيجدون ضالتهم في تنظيمات سرية، أو بمعنى آخر مصانع سرية للدواعش و الخلايا الإرهابية التي لا تميز بين وزارة التوفيق و غيرها، بما في ذلك عامة المواطنين. فالدواعش قوم يأتون على الأخضر و اليابس. فحذاري يا وزارة التوفيق.