أذكر منذ نعومة أظافري أني وجدت آبائي و أجدادي يصلون خمس صلوات، فصليت، يصومون شهر رمضان، فصمت، يزكون ما تيسر من المال و الحب للفقراء، فزكيت، يحتفلون بالعيدين، فاحتفلت. يفعلون...، ففعلت ...، و قلدت كل ما يعتقدون و ما يتبعون من شريعة. و إني لأحمد الله على هذه النعمة. نعمة الإسلام.
من منا (و أبدأ بنفسي أولا) اعتنق الإسلام بالتدبر في الكون والتفكر في آيات الله في خلقه؟ من منا توصل لحقيقة وجود الله بالقناعة المستخلصة من العلم و المعرفة؟ من منا أعطى نفسه فرصة الاطلاع على الديانات و الشرائع الأخرى ليجزم أن الإسلام هو خاتم الرسالات؟ أم أننا سنجيب بما أجاب السابقون منا، هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
و أتساءل مع قرارة نفسي دوما، ماذا لو ولدت في بلد غير بلاد الإسلام؟ كيف أهتدي له؟ ما كان ليصبح ماًلي؟ إشكالية لو وجدت حلها، ما شاركتكم هذا المقال.
فكيف يهتدي الغريب للإسلام و صحون مثبتة غزت أسطح المعمور، مرت على الأخضر و اليابس، تروج لقنوات علمانية أسرت قلوب الجهال لتزيد في جهلهم، و المثقفين لتلقي بهم في الدرك الأسفل من الجهل، تبث كل ما يرضي الأذواق، إلا ما يرضي الله عز و جل، تصور لعالم واقعي بئيس و كأنه مدينة أفلاطونية فاضلة، تسقي المشاهد من جعة الانحلال الأخلاقي و الرذيلة، تحت غطاء التفتح على الثقافات و العولمة الشاملة، فتتركه تائها عن ماهيته، و هائما في أحلام لا تتحقق إلا في مخيلة مخرجي الأفلام الهوليودية أو البوليودية.
كيف يهتدي الغريب للإسلام، و ديانته تشتت لأديان يصل حد الاختلاف بينها للمبادئ العقدية التي من المفروض أن تبقى ثابتة مهما وصلت درجات الاختلاف، اختلاف تطور لخلاف في الكثير من البقاع إلى أن وصل لحد حمل السيف ضد بني العمومة. و ما يحدث في سوريا و العراق لخير مثال.
كيف يهتدي الغريب للإسلام و شيخ طويل، عريض، و سمين، كل ما يطيب من الملذات و حياة الترف ظاهر على محياه، بيمناه ساعة من أجود الماركات السويسرية و بيسراه خاتم فضي يلمع، يأمر و ينهي و كأنه رب العالمين، منزه عن الخطايا و الذنوب، يريد أن يجعل ممن يسمعه "روبوت" مبرمج لتنفيذ الأوامر و فقط، و إلا نار جهنم في الشرفة هناك بالانتظار.لكن بحلول ساعة الحقيقة حيث يحتاج الأمر لمواقف رجولية، و حيث من المفروض أن يكون من كان بالأمس القريب الآمر و الناهيأول زعيم للمعارضين، تراه يتحول لماسح أحدية الجبارين، و يبيع دينه مقابل العيش في أمان من المناضلين الذين يرفضون بطش حكامهم المستبدين. و لكم بما يحدث بأرض الكنانة ألف برهان و دليل.
كيف يهتدي الغريب للإسلام و كتب السيرة و تفاسير القرآن لازالت مكتوبة على طريقة المتنافسين من الشعراء في سوق عكاظ، بها من المصطلحات و الكلمات، كلمات ليست كالكلمات، منها ما قل تداوله، و منها ما لم يعد متداولا بالمرة و انقرض من كتب اللغة الحديثة، من يريد فهمها عليه أن يكون ضليعا بلغة الضاد، و كأن هذا الدين حكر على نخبة النخبة من المثقفين في الشريعة و الدراسات الإسلامية.
كيف يهتدي الغريب للإسلام وتجد داخل الدولة المسلمة من يحارب الإسلام جهرا تحت رداء الديمقراطية و حقوق الإنسان، بل و تجد من يشيع الفتنة بإصدار فتاوى تعافها النفس و تشمئز من صاحبها، تهوي بمن عمل بها إلى مرتبة يترفع الحيوان عنها، كفتوى الممارسة على الميتة، و فتوى الجزر، و ما أدراك ما الجزر. و في الجماعة صراعات عرقية و طائفية تفرق بين أبناء الوطن الواحد، الذين يجمعهم دين يأمرهم بالنهي عن التفرقة، و أن لا فرق بينهم إلا بالتقوى.
كيف يهتدي الغريب للإسلام، و هو يتابع في كل المنابر الإخبارية مسلمين يعنفون أمام عدسات الصحفيين بأبشع أساليب التعذيب و أحقرها و تشن ضدهم حملات منظمة للتطهير العرقي، دون تحريك ساكن و لو بتنديد للذكرى و حفظ ماء الوجه، بل يحدث هذا و حراس البترول ينعمون بحياة البذخ و يصنعون أقوى أفلام الجنس في دول حيت السياحة الجنسية أصبحت تعتبر عصب اقتصاداتها.
كيف يهتدي الغريب للإسلام، و هو يتابع دول الخليج تصرف مليارات الدولارات لإسقاط ثورات الربيع العربي لكي لا تنتقل إليها العدوى، و لتثبت أن حكمها هو الأمثل و الأفضل. متغافلة و متناسية ما يخلفه هذا الدعم من تقتيل و نتكيل لمن يفترض أنهم إخوانهم في الدين.
هذا الدين دين تفكر و تدبر، ليس دين يورث بالجنسية أو الهوية و التواتر ، و خاتم المرسلين و النبيئين دعا بالحكمة و الموعظة الحسنة. أفرادا و جماعات، فلنتفكر...حتى لا يشملنا المقصود من القول المأثور، الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.