ليلى تنحدر من أحد قصور منطقة تافيلالت التابعة ترابيا لقصر السوق ( الرشيدية )، و تبلغ من العمر 20 سنة لم يسبق لها أن زارت إحدى مدن المغرب نظرا لحالة العائلة المادية و باعتبارها تتواجد بقصر، بل منطقة بكاملها، لا تعترف بما يسمى بالعطلة خارج نطاقها الجغرافي .
انقطعت عن الدراسة بعد نجاحها في امتحان السنة السادسة ابتدائي لتتفرغ إلى أعمال البيت لمساعدة أمها. بعد مدة زمنية شاء القدر أن تتزوج إلى قصر السوق ( الرشيدية ) و أن تدخل عالم المدينة و حركيتها كما هو الشأن بالنسبة لعائلة زوجها التي استقرت بدورها بذات المدينة لمدة عشر سنوات حيث التحقت بهم ليلى للسنة الثانية.
ليلى و أم الزوج صداقة كبيرة و ثقة متبادلة تعتبرها كابنتها الصغيرة تدافع عنها أمام زوجها لا تكف عن تقديم النصائح لها تتعاونان في إعداد و تقديم الوجبات تتكلفان بكل ما يتعلق بالسوق خاصة كل ما له علاقة بالمطبخ و والمصبنة و غير ذلك.
بيد أن ليلى لا تعرف المدينة وتبدو لها علم جديد يجب العمل معه بحيطة و حذر شديدين لأنها غابة متوحشة و لأول مرة ترى فيها أمور جديدة مخالفة تماما لعادات و تقاليد مسقط رأسها. و من سمات هذه الزوجة هو الرزانة و السكوت بحيث لا تطرح الأسئلة كثيرا عن مشاهد و وقائع تحدث لها الدهشة و الغرابة.
تلك الغرابة و الدهشة ستزداد مع تدشين لمشروع أسيما واشتياق ساكنة المنطقة لإنطلاقه بفارغ الصبر.
أسيما ذلك المشروع الذي سبقته مشاريع ضخمة، كالذي يتواجد بالقرب من كلية العلوم و التقنيات، و فرملت لأسباب تتعلق بثقافة المنطقة فتح أبوابه خلال أبريل المنصرم بعروض بهلوانية و أثمنة متواضعة . إذن، باعتباره أول مشروع من هذا النوع و في ظل تلك العروض البهلوانية و الأثمنة المتواضعة و أمام الإشهار لهذا المشروع، لم تتوانى ساكنة قصر السوق لزيارة و اكتشاف أسيما و ما بداخله.
ليلى و أم زوجها لم تشكلان الاستثناء و لم تترددان في زيارة أسيما. إلا أنه في الوقت الذي سبق للأم الزوج أن زارت مثل هذه الأسواق خاصة مرجان في أمكناس و أسواق السلام بطنجة و كارفور بسلا لم يسبق لليلى ولو زيارة سوق تافيلالت القريب منها و لم يسبق لها أن تبادر إلى ذهنها وجود أسواق مثل أسيما و كل ما في الأمر أنها تعرف ثلاث دكاكيين بالقصر كافيان لتلبية حاجيات سكان القصر و تدرك أنه بمجرد استلام حاجة معينة إلا و تطلب الأمر الأداء المباشر.
باب أسيما مليء و لولا أجهزة القمع ( القوات المساعدة) الحاضرة لضبط الأمن و السهر عليه خاصة أمام العدد الهائل من الساكنة التي حجت لهذا السوق لعمت الفوضى و العنف. و أمام هذا الازدحام قررت أم الزوج تأجيل الزيارة، لكونها تختنق و متقدمة في السن و لم تعد قادرة على تحمل الدفع بسبب الاكتظاظ ، لعل الأمر يصير أحسن .
لكن، المشروع جديد و العروض البهلوانية مستمر و التجربة حديثة و بالتالي استمر الازدحام و استمرت الزيارات و استمر تدفق نفس الأعداد الهائلة و بذلك قررت ليلى و أم زوجها اختيار وقت لا يعرف ازدحام و من معلومة بعض جيرانهم فإن الأمر ينحصر بالضبط أثناء الواحدة و الثانية زوالا.
بعد تناول وجبة غداء معجلة التوقيت اتجهتا نحو أسيما فوجدت هذه المرة الأمور كما يرام و بذلك دخلتا و ليلى في دهشة مستمرة و ضجيج السكوت المتكون من عدة أسئلة لا يمكن طرح واحدة دون الأخرى لأن طرح السؤال الأول يستوجب طرح السؤال الثاني، لذلك اختارت السكوت أمام أم الزوج التي اعتبرت الأمر عادي جدا لديها.
و أخدت سلة الأشياء و كلما رأت كل الحاجيات الامتناهية للمطبخ تأخذها لترميها في تلك السلة و هو ما أثار انتباه ليلى و بدأت تقول في نفسها لم يكن في الحسبان أن أم زوجي قادرة على السرقة و ليس سرقت حاجة واحدة بل عدد كبير من الأشياء . و من ثمة اعتبرت نفسها مساهمة في جنحة السرقة و بدأت تستحضر في نفسها سيناريوهات القبض و الزج بهما في السجن و نظرة قبيلتها اتجاهها كسارقة من داخل أسيما و نظرة أسرتها و بدأت تحس في نفس الوقت بالخوف و بخطورة الأمر مع التزام الصمت التام . كل ما تصورته ليلى كان من منطلق ثقافة العلاقة المباشرة بين البائع و المشتري فبمجرد أن يتسلم متطلباته يؤدي مباشرة المشتري المبلغ . إن ما دفع ليلى للشك في ثقتها التي وضعتها في أم زوجها نابع من ثقافة قصرها الذي يعتمد فيه بمبدأ الأداء المباشر و لم يكن في حسبانها تواجد مكلفات و مكلفين بالأداء قبل الخروج من جهة و آليات المراقبة من جهة أخرى.
ازداد شعورها بالخوف ودقات قلبها تزداد سرعة بل أصبحت خطواتها في اعوجاج غير متحكم فيه، جراء الخوف من السجن بالرغم من برائتها من تهمة السرقة التي ستلفق لها ، بعدما استشارتها باقتناء كل حاجياتهما و أنه حان الوقت للخروج قبل أن يمتلئ باب أسيما بالساكنة.
بيد أنه باقترابهما من الباب وجدتا زبونين قبليهما و هو يؤدي ثمن كل ما أخده لسيدة مكلف بالأداء. عندئذ عاد قليل من الأمل و امتزج الخوف بالفرح على اعتبار أن الزبونين اللذان سبقهما إما أنهما تم القبض عليهما و هما بصدد أداء ثمن الحاجيات أو أن الأمر يتعلق بمكان الأداء ...
عادتا إلى البيت و بعد مرور أسبوع كشفت ليلى لزوجها عن سرها المكنون و تلك اللحظات العسيرة ...