سأنطلق لو تسمحون من مقولات تمهيدية أغلبها معروف لدى الجميع؛ العلم نور و الجهل عار، اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، كاد المعلم أن يكون رسولا، بالعلم و المال يبني الناس ملك لم يبنى ملك على جهل أو إقلال، فضل الله على عباده العلماء إنها مقولات تحمل دلالات متعددة وعمق واحد يتجلى في الحث على طلب العلم كما تمجد العالم و ترفع من شأنه. غير أنه، تصطدم تلك المقولات بواقع مر يفضل فيه الفرد، أحيانا، أن يكون جاهلا و ذا مال مادمت الدولة لا توفر له الشغل و الحق في الحياة و العيش الكريم، بالرغم من كون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص على مجموعة من الحقوق خاصة الحق في التعليم و الحق في الشغل، أما الدستور الجديد فقد نص في الفصل 31 على دور مؤسسات الدولة التي تعمل على قدم المساواة على تيسير الحق في الشغل أو البحث عنه و هي طريقة مغايرة تماما للطريقة التي نص عليها في كل الدساتير السابقة بحيث اعتبر الحق في الشغل حق للمواطنين على السواء. إن نسبة البطالة و تجارب المعطلين التي تجاوزت عقد من الزمن اضطرت بعض الأسر إلى التحكم في المسار الدراسي لأبنائها خاصة أولئك الذين يعتبرون متوسطين في مستواهم الدراسي و بذلك تفضل توجيههم إلى المسار المهني و الحرفي .
أسر متوسطة الدخل و أخرى فقيرة لديهم تلاميذ أو طلبة في مستوى دراسي متواضع كلها عوامل تتفاعل فيما بينها فيتخذ قرار البحث عن اكتساب مهنة معينة تضمن له المستقبل مادامت تلك الشهادة التي سيحصل عليها جوفاء من حيث الفائدة المادية . و هذا القرار الذي يتخذ غالبا ما يكون له تمهيد من قبل الطالب الذي كلما وضع الحروف الأخيرة على ورقة الامتحان سواء الدورة العادية أو الاستدراكية وجد نفسه ملزما مساعدة إخوته أو أبيه في الدكان أو المقهى أو البحث عن عمل و لو كان لا يناسب قدراته الجسمية و الذهنية لتغطية بعض نفقات الدراسة للموسم القادم بالدرجة الأولى. و من ثمة يضع لنفسه مخرجا صغيرا سرعان ما تجعله الأسرة كبيرا كلما قررت انقطاعه عن الدراسة. تلك إذن هي حالة من غادر الدراسة دون حصوله على شهادة معينة، أما الذين تابعوا دراستهم و توج مسارهم العلمي بشهادة فوضعيتهم أشد قلقا من الحالة الأولى نظرا للنظرة الدونية لأسرته و قبيلته إليه و نظرة المجتمع بصفة عامة. فبعدما تصبح معطل تلوم الأسرة خيارك المتعلق بمتابعة الدراسة عوض تعلم مهنة أو اكتساب حرفة ستضمن المستقبل كما هو الشأن بالنسبة للحالة الأولى التي أشرنا إليها من قبل، كما تقوم بقطع المساعدات المادية التي يتلقاها قبيل أن يصبح معطل اللهم إذا استثنينا مساعدات الأم التي تتم بسرية تامة و بطبيعة الحال خارج ضوابط لعبة الدعم المادي العادي.
و في ظل هذا الانقطاع الشبه المطلق للدعم المادي يصبح المعطل(ة) أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما و يتعلق الخيار الأول بالبحث عن عمل معين و اكتساب جهاز مفاهيمي جديد يدور في فلك الفأس و المسمار و السلك والكلمات ذات الصلة بما سبق، و بذلك سينسى كل ما تعلم لأنه ولج عالم جديد و الحال أن المعلومة تموت بعد مدة معينة فالفقيه مثلا لو لم يكن يقرأ القرآن لمدة معينة لنسيه. أما الخيار الثاني فيتعلق بالاستنجاد ببعض الأصدقاء الذين حالفهم الحظ في ولوج سوق الشغل لعله يجد مخرجا لأزمته المادية. إلا أنه و كما يقال عند الشدة يصبح الفرد أصلع بدون أصدقاء و بالتالي يتنكرون لللحظات الجميلة و الصعبة التي قد يكونوا مروا بها جميعا و لا يتذكرون و لو ذرة من الصداقة و أجزم أنه تواطؤ ضمني لبعض الأصدقاء مع أنياب الأسرة و مخالب البطالة. و على سبيل الذكر كان أستاذ ضد المعطلين منذ مدة و شاءت الأقدار أن يخوض الأساتذة إضراب مراطوني في الرباط دام حوالي ثلاثة أشهر عندئذ أحس أنها تدور . ففي الوقت الذي لم يحاول فيه و لو مرة واحدة تلبية طلب أحد المعطلين وقع في طلب المبيت لديهم و إلى ذلك الحين لست أدري إلى أي حد تفهم وضعية المعطل الذي يتقاتل مع القمع من جهة و لقمة عيش من جهة أخرى في ظل الأزمة المادية و الأسعار المشتعلة للمواد. في الواقع الخيارين السابقين موجودين فهناك ثلة توجهت للأعمال الشاقة هربا من عصا القمع و غلاء الأسعار و قلق الأسرة و ثلة أخرى قررت الصمود في وجه كل ذلك و في كلا الخيارين تظل المنزلقات الخطيرة في منعرجات ليلية بدون إشارات الطريق هي عنوان حياة المعطل ( ة ). لكن، في الحقيقة المعطلة هي التي تعاني كثيرا من الأنياب الممتدة للأسرة خاصة وأن المجتمع " لا يرحم " الأنثى، فبالإضافة إلى القمع الذي تتعرض له أمام البرلمان فإنها تصفع من طرف الأسرة و المجتمع فأما الأسرة فتلومها من حيث السن و المصاريف التي أثقلت كاهلها و المجتمع من زاوية العنوسة و كل ذلك يسمى في أدبيات بيير بورديو بالعنف الرمزي.
أمام هذا الواقع المتعفن المتسم بالقمع المتنوع و المختلف للمعطلين يمكن أن نتوقع الأبعاد النفسية لذلك. فالمعطل أو المعطلة سيصبحان أكثر ميلانا للصراع عصبيان من شدة العنف الرمزي للأسرة من جهة و من شدة الاصطدام مع الأجهزة القمعية أمام البرلمان و ساحة البريد و المراقب في القطار أو في حافلات المدينة. فكل اختلاف بسيط سيؤدي إلى السب و القذف و العنف أحيانا. إن حالة المعطلة شائكة و معقدة مقارنة مع المعطل و كل ما أوردناه من قبل سيشكل ، بما لا يدع مجالا للشك ، للإثنين، عقد نفسية و توثر دائم. و بناءا على التحليل الذي قمنا به يتبين أن المتحكمين في زمام الأمور يؤسسون للجهل بلغة محمد أركون مادام المعطل " يركل " أمام البرلمان و مادامت معظم الأسر تحسم في مصير أبنائها متشبثين بجهلهم خاصة أمام غياب الشغل و انتشار العنف من داخل الساحة الجامعية بين المكونات الطلابية بحيث وصل إلى درجة وضع حد لحياة طالب خلال الأسبوع المنصرم بفاس من طرف عصابات إرهابية على حد تعبير تقرير منظمة التجديد الطلابي و الجانجويد العروبي في أدبيات الحركة الثقافية الأمازيغية.
كما يؤسسون لمجتمع يعاني من اضطرابات و عقد نفسية و مع كامل الأسف فعدد علماء النفس يحسب على رؤوس الأصابع. و على ضوء ما تقدم و في إطار ملف معطلي محضر 20 يوليوز الذين حكمت المحكمة لصالحهم، و القاضي الذي أصدر ذلك الحكم تم إيقافه عن عمله من طرف وزير العدل و الحريات لأسباب يعتبرها البعض تتعلق بالحكم لصالح المعطلين ( المعارضة ) و بالتالي المساس باستقلالية القضاء و البعض الأخر أرجع أسباب الإيقاف إلى خاطرة للقاضي التي تمس مدير مديرية الشؤون المدنية( الحكومة)، يمكن تصور فخ جديد شبيه بالذي وضعه حزب الميزان لحزب المصباح بحيث سيكون هذه المرة حزب العدالة و التنمية من سيضع الفخ بعد تسوية وضعية معطلي محضر 20 يوليوز لحزب الجرار الذي سيقود مرحلة ما بعد المصباح.
خاتمة مقالنا نجعلها جملا ثقيلة من حيث المضمون ، نحيي من خلالها كل زملائنا الذين وقفوا معنا في السراء و الضراء . لا يهم في داخلنا سوى أولئك الذين غرسوا زهرا جميلا في طريقنا أولئك الذين منحونا العزم تلو العزم، لنتخطى الصعاب، و نقف واثقي الخطى ....نشاطرهم الإبداع حـــــــــرفا و لــــــــــــــــــغة.