انتهت كلمات اللغة العربية عند كلمة استنكار, وتوقف لسان الأمة العربية عند مرادفات الاستنكار في البيان, واستغل الحكام العرب غنى اللغة العربية بالمرادفات ليخدعوا أنفسهم بأنهم غيروا الخطابات وبدلوا الخطوات واتخذوا شكلا أخر في تقييم الأوضاع, وأنهم على شفة حفرة من التدخل الجدي في هذه الكارثة, في حين أن الأمر لا يتعدى تزينا وتزويقا للخطابات.
قطر تدين, سوريا تستنكر, العراق غير راض عن الأوضاع, مصر تندد, السعودية تدعوا إلى وقف إطلاق النار, قطر تدين, الأردن تستنكر, الإمارات غير راضية عن الأوضاع, البحرين تدعو إلى وقف إطلاق النار, وهكذا دواليك حتى ينتهي السيناريو الموجه إلى الممثلين في هذه الحلقة, والجميع يدعون إلى عقد المؤتمرات لتصوير العباءات والكرافتات وبث بعد الخطابات على الفضائيات لإظهار مدى العزم والجدية في الموضوع وحفظ ما يمكن حفظه من ماء الوجه المسكوب ,وإسرائيل في الضفة الأخرى تقوم بما لم تقم به أي واحدة من هذه السيدات ,وبالجدية المطلوبة والعزم المطلوب و بكل برودة دم تقصف شعبا بأكمله ,فتقتل الأطفال وتيتم من بقي منهم, وتخوض حربا بطرف واحد, لتأتي أخر الليل و دماء الأطفال لا زالت عالقة بها, فتفتح القناة الفضائية وتشاهد المسرحية العربية في مؤتمر "الاستنكار" التي كتبت حواره بيدها, وتمتع بمدى براعة الممثلين العرب ومدى أداء الأباطرة الرائع, وبضحكات وابتسامات تنهي يومها الممتلئ بالقتل والتصويب.
أما فلسطين, فقد تعودت على برودة العرب والمسرحية حفظتها عن ظهر قلب لتوالي الإعادات في جميع المناسبات الدامية , والممثلين تعودت على أدائهم ولم تعد تنتظر من الكاتب أن يبدل الحوارات لأنها فطنت بهويته الحقيقية, رجولة العرب حظرت جنازتها فلسطين منذ عشرات السنين, وليس الموت ما تخشاه فلسطين لكن هو الخوف من ترك المكان خاليا دونما رجال, فتستطيع المدرعة الإسرائيلية التجول فيه دونما اعتراض, ويستطيع فيه المستوطن أن يختار مكان الاستقرار دونما خوف من أصحاب البلاد .
لا حياة لمن تنادي ,يا جريحة بجرحين, ثانيهما أعمق من أولهما, يجرحك المحتل بنزع تراب وطنك من تحت قدميك ونجرحك نحن بالمباركة العربية له عن طريق "الاستنكار الميت الخال من أي حياة" طعمه أقرب بكثير إلى طعم التهنئة منه إلى طعم المواساة, فهو استنكار أمام الإعلام وتقديم للمساعدات لإسرائيل خلف الأضواء .إسألوا إسرائيل من أين لها بالبترول الذي حركت به طائراتها العسكرية ؟ من أين لها بالبترول الذي حركت به مدفعياتها ؟ من أي لها بالغاز الطبيعي والنفط والذهب الأسود ؟ كيف صنعت تلك القنابل ولمن يعود الفضل في تحريكها ؟ إسألوا إسرائيل هل كانت لتكون لولا خيرات البلدان العربية وخدماته الجمة عليها, وتزويدهم سوقها بجميع الاحتياجات العسكرية والمدنية, كيف نقلوها من لا شيء إلا أعظم شيء في المنطقة الشرقية, كيف ساهموا في رفع إنتاجها و تقوية اقتصادها ودعم منتجاتها باسترادها , كيف تقاسموا معها كؤوس النجاح ونخب التفوق على حساب الأخت الفلسطينية, كل معاني الخيانة والغدر جمعناها , وجميع أوصاف الذل اشتريناها, وكل أمثال الشهامة والرجولة بعناها بأرخص الأثمان.
من شرقها إلى غربها هي أمة لا معنى للحياة فيها, ماتت قيمها, ماتت مروءتها, وانتهت فيها العروبة مع الرجال الأوائل ,وتوقف نبض الإنسانية فيها منذ زمن بعيد ,فكيف تكون إنسانا و الإنسانية لا تنسب حقا إلا للذي يشعر بألم غيره ,وينجرح بجرح الأخر, ليست الرجولة في "الاستنكار" بل هي أقوى من ذلك بكثير, حتى استنكارك يا أمة العرب ليس باستنكار الرجال, فالبرودة ملئت حروفه و كسرته مع سكونه وفتحاته .
أستغرب من حالنا نحن العرب نملك ترسانة وجيوشا حربية وطائرات و أساطيل عسكرية أقوى وأعظم بكثير مما عند الدولة الإسرائيلية, فبمعدل الأرقام" تمتلك الجيوش العربية عشرين ألف دبابة و عشرة ألاف طائرة حربية و تسعة ملايين جندي جاهز للحرب" وهو عدد يضاعف ترسانة إسرائيل بعشرات المرات, إلا أننا لا نستطيع أن نرفعها في وجهها أبدا ,كما لو أننا اشتريناها بملايين الدولارات فقط لنحارب بها بعضنا البعض فقط ,والطائرات النفاثة والقنابل بعيدة المدى غير قابلة للاستعمال إلا لقتل شعوبنا وتدمير أوطاننا, سحقا لك يا قنابل ومدافع وجيوش عربية غير قادرة على تحرير القدس , لكنها قادرة على تدمير الوطن العربي .
نقتل بعضنا في سوريا ولبنان والعراق واليمن ومصر وغيرها من البلدان العربية, والعدو يقتلنا جميعا بتحريك هذه الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية, لماذا لا ننسى جميع الاختلافات الدينية والعقائدية والعرقية ونتوحد عند كلمة مشتركة وهي "عرب" فكلنا عرب وحدتنا اللغة قبل كل شيء فل ندافع عن هذه العروبة قبل أن يأتي يوم نجد فقط أظلالها, لأن ما لم تتمه إسرائيل أتتمناه نحن بقتلنا لبعضنا البعض.
فلسطين حرة وستبقى حرة