تخليدا للذكرى السابعة من الاعتقال السياسي و تنويرا لرأي العام لما نراه حقيقة و موضوعي, بعيدا عن الذاتية, ارتأينا التذكير و مواكبة مستجدات الملف و تقييم سبع سنوات من الاعتقال السياسي .
فقد تم اعتقالنا يوم 22/05/2007 على أساس خلفية اعتبارات سياسية, كضريبة لنضال "اعترافا بالحق" وليس " تعبيرا فجا عن مصلحة قائمة " بتعبير الفيلسوف الألماني سبينوزا، فنضالنا كان رهينا للانتماء الهوياتي و الثقافي للقضية الأمازيغية, متشبثين بأفكار و قناعات الديمقراطية داخل الحركة الثقافية الأمازيغية من قيم الحوار, النسبية, التعددية , الاختلاف, ونبد العنف ....
في يوم 16 أكتوبر 2008 أصدرت محكمة الاستئناف بأمكناس أحكام جائرة في حقنا حددت في 12 سنة سجنا نافدة و خمس ملايين, في غياب دليل قاطع لا يرقى إلى الشك, فرغم قوة حجية الأدلة العلمية في عدم إدانتنا و براءتنا المطلقة , إلا أننا فوجئنا أمام مسرحية هزلية لمخرج فيلم محبوك بأحكام جائرة, لم تتوفر فيها قط ضمانات محاكمة عادلة فتم اغتصاب براءتنا ...
بتاريخ 25/01/2009 تم تخفيض الحكم الابتدائي إلى عشر سنوات والحفاظ على بقاء الغرامة في 5 ملايين و هو الحكم الذي تم التمهيد له في الحكم الابتدائي مع تشديد العقوبة و بنفس فصول المتابعة .
ويوم 16/12/2010 تلقينا ردا من المجلس الأعلى للقضاء سابقا حول الطعن المقدم لهذا الأخير برفض طلب النقض.
و في الأخير لهذه المسطرة القضائية تقدمنا بعريضة ترمي إلى طلب إعادة النظر مرفوعة لدى محكمة النقض بتاريخ 23/12/2013، بعد أن كان مقررا دفعها يوم 23/03/2012 لانعدام المسؤولية و التلاعب على الملف . ولم يتم التوصل لأي جواب إلى حدود كتابة هذه الأسطر.
فساد القضاء
إن إصلاح المنظومة القضائية في اتجاه الانتقال الديمقراطي يشوبه معيقات و اكراهات ويبقى بعيدا كل المنال لما يعرفه هذا القطاع من منزلقات خطيرة في عدم إنصاف ضحايا فساده من ملفات سياسية و حقوقية ..فالتشاؤم هو سيد الموقف السائد فيما يتعلق بميثاق إصلاح العدالة, لكون انطلاقة هذا الإصلاح عرف صراعات و تشنجات و تجادبات مخاطية داخل نفس البيت القضائي، مما سيحثهم إلى ولادة قيصرية لهذا المشروع . فرغم الادعاءات و شعارات الإصلاح و طي صفحة الماضي، فهذا الأخير له امتدادات في الحاضر وبأشكال متفاوتة ومختلفة في توظيف القضاء من أجل إضفاء المشروعية على انتهاكات حقوق الإنسان في استمرار الاعتقال السياسي .
سبع سنوات من الاعتقال السياسي
نحن في السجن لأنه أمنا بقضيتنا العادلة وتحملنا مسؤولياتنا النضالية, وقد تبدو الإدانة بالنسبة للبعض في صنع و فبركة الجريمة رغم عدم توفرها لعناصرها المادية و المعنوية, الاعتقال تم وفق ظروف و على خلفية اعتبارات سياسية وانعدمت ضمانات المحاكمة العادلة, بالإضافة إلى البواعث السياسية لخلفية الاعتقال الذي استهدفت الخصم في الشخصية المعنوية للحركة الثقافية الأمازيغية كمكون طلابي من أجل الترهيب و القمع و إعادة هندسة الساحة الجامعية . لكن في الأخير انكشف قناع النظام و ظهر زيف الادعاءات في صنع الملف, رغم المؤامرة المدسوسة, لتوريط إيمازيغن في العنف و تفنن النظام في صنع مشروعية الاعتقال .
نعم نحن اليوم اغتصب ثلث 1/3 من حياتنا في السجن , مورست في حقنا مختلف أنواع التعذيب, حرمنا من دفئ الأسرة , طوال هذه السنوات مرضنا و عانينا و تألمنا مرات و شهور و سنوات داخل الزنازين .حياة لا تكتفي بالحرمان من الحرية فقط , بل هي حياة أليمة , ومعانات حقيقية أمام غياب أبسط ظروف الإنسانية و الحاجيات الأساسية . تساءلنا مرات عديدة عن ما كان ذنبنا في كل هذه المعانات , فكان في كل مرة نصنع من الألم الأمل معتبرين القضية الأمازيغية فوق كل اعتبار , متشبثين بالسلمية و الحق في الدفاع عن الوجود و تحصين المكتسبات مهما كان الثمن .
نعم نحن في السجن, فأجسادنا رهن الاعتقال و عقولنا متحررة , بالفعل نتعايش يوميا وسط فئة من المنبوذين في المجتمع, فئة تتميز بنزعة عدوانية و إجرامية , فئة تفتخر ولا تعترف بالرجولة إلا فقط كرمز للجريمة .
أذيال المخزن
كأن التاريخ يعيد نفسه في الأحداث الأليمة التي عرفتها الجامعة بفاس , و يتضح مرة أخرى كيف لشرذمة من أذيال النظام التي تفرخ أراء متشددة وتعلن العنف و إراقة الدماء , تارة باسم الشرعية التاريخية و تارة باسم العنف الثوري، باعتباره "ضرورة موضوعية وليس رغبة ذاتية " لزرع بذور الفتنة في أوساط الجامعة .
العنف لا يستمد مشروعيته من حيث المبدأ ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال , لأن جوهره يقوم على التدمير, و الاغتصاب , و الإبادة ... فهو شر في كل أشكاله و هذا ما يسعى إليه "غاندي " بدعوته إلى" اللا عنف " و نبذه في المجتمع و النضال السلمي وسيادة الحوار وهو مبدأ الحياة الكريمة . فالحركة الثقافية الأمازيغية كانت السباقة في رفع الشعار " ميثاق شرف ضد العنف و الإقصاء "بين المكونات الطلابية سنة 1999 , وكان فشل بلورة هذا الميثاق على أساس أن خلفية الاختلاف حول العنف يعد في حد ذاته كآلية. ليكون الخيار الوحيد في نهج أسلوب العلمية بدل الانفعال و احتذاء النهج الموضوعي لمواجهة هذه الآراء الشاذة و التي ستفضي إلى نتائج ايجابية حتمية .
المشهد النضالي الأمازيغي
في غياب منظور شمولي و استراتيجي للدولة في تدبير ملف القضية الأمازيغية بشكل ديمقراطي وفعال تسخيرا للوبيات في وضع عراقيل في كل ما يتعلق بالأمازيغية من تعليم , تنمية , اقتصاد , تجميد ملف الاعتقال السياسي , و نهج سياسية التهميش, موازاة مع ذلك إطلاق حملات مسعورة في المنابر الإعلامية بوصف مناضليها بالنعوت القدحية، ومنع استعمالها في البرلمان، و المحاكم و كل المؤسسات الرسمية ... حيث تجد الأمازيغية مقاومة شرسة داخل دواليب الدولة من حيث الخفاء، ويتم إحراز العكس و الليونة في الظاهر قصد التمويه و اللعب على ورقة حقوق الإنسان .
فأمام هذه الأحداث و الوقائع من انجازات , خيبات , اعتقالات و تراجعات , و أمام حربائية أسلوب النظام في تدبير ملف الأمازيغية المزعج لتوابثه السياسية وفي استمرار هذه الأشكال و السلوكيات، يتبين بالملموس أنه ليس هناك نية حسنة للنهوض بالأمازيغية، بل مجرد تكتيك ظرفي, و أنه من العبث السياسي جعل الأمازيغية رهينة بالتسويات الظرفية لتبقى مجموعة من الأسئلة المشروعة تفرض نفسها في السياق الرسمي .
وأمام هذه التحديات والرهانات فليس هناك أي مبرر على الإطلاق في خلق هوة لتشتت النضال الأمازيغي مهما بلغت درجة الاختلاف، فالمرحلة تستدعي رص الصفوف ومواصلة الجهود وتقعيد الفعل النضالي وتجاوز الاختلافات والعمل على تفعيل الأمازيغية هوية, ثقافة و لغة ’ عوض الانشغال بصراعات جانبية غير مبنية على أسس سلمية ،لأنه عندما يتعلق الأمر بالقضية فجميع الخلافات كيفما كانت يجب أن تتراجع إلى الوراء لتترك المكان لمصلحة القضية , فلا مكان للإديولوجية , ولا مكان لمصلحة شخصية , ولا صوت يعلو فوق صوت الأمازيغية، فالتخبط في وحل الفوضى و الصراعات الداخلية و الخارجية يؤدي إلى الدمار و خلق هوة في العلاقة الإنسانية بعد انحباس الروافد الأخلاقية.
فأملنا في بلورة مشروع سياسي مجتمعي ثقافي نقدي , اختلافي على مستوى الخطاب و الإنتاج من أجل تحريك الكيان الاجتماعي و أجرأة العمل الميداني و العمل على حصانة المكتسبات وتتبع الانجازات مجندين بالصبر و الوعي بالمسار الديمقراطي الحداثي العلماني الأمازيغي، لوضع الأصبع على قضايا أساسية تم تجاهلها من قبل عدد من الفعاليات التي ركزت كل جهودها في خلق صراعات هامشية وتقديم انتقادات مجانية لتلميع صورهم و خدمة مصلحتهم الخاصة , الظرفية الأزلية أمام انعدام بناء جسر نضالي تواصلي مع أجيال يتنفسون الحرية.
إن التنوع هو سبب التكامل و الظرفية تحتم علينا جميعا التكتل و لم الشتات بين كل القوى النضالية و الديمقراطية من أجل الضغط في اتجاه التغيير المنشود.
كما لا يخفى على الجميع إستراتيجية التسلط الممنهج من طرف النظام ، التي تقوم على ضرورة نسيان المعتقلين السياسيين في السجن مما يتطلب كسرها باستراتيجياتنا في استحضار المعتقلين في كل مناسبة و في كل مجال و مكان , فإلى جانب تبني السياسي و الفردي و المهني يجب توظيف كل المناسبات و القيام بأشكال التضامن و المساندة.
ومما لا شك فيه أنه سنبقى أمانة في أعناقكم و الدفاع عنا هو دفاع عن كرامة كل واحد منا أولا و قبل كل شيء.
حرر في 04/05/2014 بأمكناس
سجن تولال 1