محمد بعدي
كثيرة هي الاختلافات بين مكونات أي مجتمع .وهي تتراوح بين ما هو عرقي، لغوي، اقتصادي، ديني وغيرها. لكن المجتمعات المتحضرة تستغل الاختلاف في البناء في حين تستخدمه المجتمعات المتخلفة في الهدم والقضاء على كل مكسب.
نحن من منطلقنا، لنقل تجاوزا، كأجيال مثقفة متشبعة بالثقافة الإسلامية وما تدعو إليه من تسامح وتقارب و ربط الصلات ،ومن كوننا منفتحين علي الثقافة الغربية بما تدعو إليه من عدل ومساواة .كل هذا يسائلنا الآن عن قدرتنا علي تقبل الاختلاف و المضي قدما يدا في يد ؟ هل نحن على أتم الاستعداد لتقبل الآخر الذي نعتقد زورا أنه مختلف عنا؟ وهل نحن مختلفون أصلا؟ وإذا كان الجواب ب "نعم" فما المانع من خلق شيء متناغم من الأشياء المختلفة ؟ وإذا كان الجواب ب "لا" فلماذا نضع تلك الحواجز الخرافية بيننا ؟ألسنا نضعها لنبرر بها أخطاءنا ونلقي باللائمة علي غيرنا ؟ ألسنا كلنا مسؤولين عما يحصل لنا؟
لنعترف أن مجتمعاتنا تعاني من العنصرية بشتى تلاوينها :
.............................
إذن، مع تعدد أنواع الإقصاء وتعدد مسوغاته، هاته التي نتستر بها علي أعطابنا المجتمعية، ألم يحن الوقت لفتح نقاش عام بيننا؟ نحن الذين نتبجح بأننا تقدميون مثقفون ومتفتحون؟ ألم يحن الوقت لنخرج من ذلك النفق المظلم الذي نخفي به عيوبنا؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى أليست عنصرية اللون غير ذات معنى، ما دمنا ليس فينا من أصله آري من أصله حقير. أليس البياض و السواد المشتركين في أعيننا هو سر إبصارنا؟
لماذا العنصرية ولماذا العنصرية المضادة إذن ؟ أليس الشخص العنصري شخصا ضعيفا؟ لو كان قويا لما آذاه اختلاف اللون أو أي شيء آخر؟ لكن من يمارس العنصرية؟ و على من ؟ ألسنا جميعا عنصريون بدرجات متفاوتة؟ اليس التعصب يولد تعصبا مضادا ورفضا متبادلا وانغلاقا على الذات لدى الطرفين؟
ولأكون منصفا، لابد أن أطرح أسئلة أخرى وفي اتجاه آخر،أسئلة تستفز ذهني ،من قبيل : ألم يكن الكلاوي ذي البشرة السمراء يوما ما باشا علي مراكش ، ومن تم على جزء مهم من المغرب ؟ألم يمارس التعسف و التنكيل على الجميع ؟ هل راعى اللون أو النسب أو أي شيء آخر للتفضيل بين من ينكل بهم ؟ هذا يدفعني إلى طرح تساؤل آخر :ما الذي يدفع الانسان الى أن يكون عنصريا؟ ماهي هذه الوصفة السحرية التي تجعل الانسان يتنكر للجميع حتى أبناء أمه وأبيه؟ امتلاك المال ؟المكانة الاجتماعية ؟ التخلف ؟ أم كل هذا؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أيستقيم أن يعفي من يدعي المظلمة نفسه من التزاماته وواجباته الأخلاقية تجاه مجموعته البشرية بدعوى انه يتعرض للإقصاء؟ لماذا ينأى بنفسه بعيدا في الحين الذي تختطو فيه الأغلبية خطى جريئة نحو نهاية النفق؟ أليس حريا بالجميع البحث عن نقط الالتقاء وعدم طرح العنصرية المقيتة ،أو على الأقل وضعها جانبا ولو مؤقتا، لكي لا تضيع فرص ذهبية للتقدم إلى الأمام في أمور تعود بالنفع على الجميع .هل لابد من تكرار أسطوانة العنصرية لنسف أي مجهود للتقارب ومن تم الهروب إلى الأمام لتجنب النقاش الجاد البناء.
هذه وتلك أسئلة تطرح نفسها علينا بإلحاح لنجنب أنفسنا منزلقات لن تفيدنا في شيء.
من هنا أدعو جميع الشباب الواعي بسمو رسالته لأن يعبروا عن حسن نواياهم ومحاولة درء أخطاء الماضي لبناء مجتمع يكون مثالا يحتذى به على صعيد منطقنا التي تعيش على وقع اختلالات المجتمعات القبلية المنكفئة على نفسها.
لنكن شجعانا في معالجتنا لمشاكلنا.
لنفتح جميع الأوراش المجتمعية .
لنناقش كل ما يسيء لصورة مجتمعنا بهدوء و بدون تشنج.
ليكن أول ورش نفتحه هو ورش المصالحة مع الذات .