استفاق البارحة نواب أراضي الجموع لقبيلة أوشان التابعة إداريا لقيادة ودائرة النيف بعمالة تنغير بجهة درعة تافيلالت، على خبر يرمي بتأجيل الشروع في عملية تحديد العقار الجاري على ملك القبيلة الذي كان مقررا يوم 3 ماي 2016 حسب المرسوم رقم 2.16.21 (8 فبراير 2016) الصادر بالجريدة الرسمية رقم 6441 بتاريخ 22 فبراير 2016. والسبب الظاهر لحد الساعة وبمقاربة استباقية ربما راجع إلى تنظيم قبيلة "أيت خباش" وبعض أفراد من قبيلة أيت اسفول التي تدعي حقا من الحقوق في الأراضي موضوع التحديد، لتظاهرة رفعت فيها يافطات وشعارات تنم عن الجهل بفحوى الظهير الشريف المنظم للتحديد الإداري، والرغبة في الانتقام من أوشان وأخد حقهم بأيديهم كأننا في قانون الغاب، وإحياء لنعرات قبلية بأرفود مستمدة من بلد يتربص بقضية الوحدة الترابية للمملكة (شعارات غرداية الجزائرية) شعارات قطع معها المغرب منذ الظهير البربري المفتعل، بدستور 2011 الذي أسس لدولة الحق والقانون والمساواة والمؤسسات، وكرس هوية مغربية متعدد الروافد تنبني على قيم الاختلاف والتعددية والتسامح.
انطلقت مسيرتهم الغير المرخص لها من باب قيادة النيف في اتجاه ولاية درعة تافيلالت، وبعدما أن قطعت عدة كيلومترات شلت السلطات العمومية حركتها على مشارف مدينة تنجداد، تكبد هذه المعاناة تحت شمس حارقة والصياح بلا هوادة، هذا كله ضدا على تطبيق الظهير الشريف لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله المنظم لكيفية تحديد أراضي الجموع كالتي هي موضوع المقال، حيث ورثتها قبيلة أوشان بصفة جماعية أبا عن جد، وخضعت في تنظيمها واستغلالها لعدة قرون لأعراف القبيلة إلى أن تم ترجمة بعض هذه الأعراف إلى نصوص قانونية تؤرخ لسنوات قبل زمن الحماية. وهي التي اعتمدت في مطلب التحديد الإداري كحجج دامغة تبين مدى استغلال القبيلة لأراضيها منذ قرون مضت.
وبعد ذلك تعددت مظاهر الحماية القانونية لأراضي الجموع بالمغرب من خلال النصوص القانونية المنظمة لها، من قبيل جعل الأراضي الجماعية غير قابلة للاكتساب بالتقادم و لا للتفويت مبدئيا و كذا الحجز عليها ، وكذا مقتضيات الظهير 1.69.172 بتاريخ 10 جمادى الأولى 1389 الموافق 25 يوليوز 1969 بشأن المحافظة على المياه في الأراضي الجماعية الواقعة داخل النواحي الشبيهة بالجافة، أيضا تتجسد مظاهر الحماية في كل من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غت 1913 كما تم تعديله و تتميمه بقانون 07.14 ، و كذا ظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية الذي اعتمد عليه.
ووعيا من نواب أراضي الجموع لقبيلة أوشان بهذه النصوص القانونية فقد حاولوا منذ 1992 غير ما مرة ترجمة هذه الإرادة في أرض الواقع ، لكن التحديدات المطلوبة آنذاك لم يتجاوز صداها قيادة النيف، وكانوا دائما يصطدمون بعقليات لا تعرف سبيلا لطريق التنمية المحلية وكان همها الوحيد هو خلق صراعات هامشية تفضي إلى عدم تحصينها مما جعلها عرضة للترامي والاستغلال غير المعقلن ونهب غاباتها وسرقة واستنزاف معادنها ومقالعها ومستحاثاتها ومياهها، وجعلها عقارا عقيما وعائقا أمام التنمية البشرية الشاملة والمنشودة كما يريدها صاحب الجلالة، والذي بفضل تعليماته السامية مكن مؤخرا الجماعات السلالية بالمغرب من امتلاك أراضيها الجماعية المسقية لاستغلالها على الوجه الأمثل والاستفادة من برامج التنمية والأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب.
ووعيا كذلك بأهمية تثمين القبيلة لرصيدها العقاري بتعيين صورته ومشتملاته من الوجهة المادية، فتم التفكير في تسوية وضعيته القانونية ليلعب دورا رياديا في خلق تنمية اقتصادية واجتماعية بالمنطقة تبعا لتوصيات محضر اجتماع ما بين ممثلي القبيلتين تحت اشراف السلطة الوصية على أراضي الجموع حول كيفية جعل مثل هذه الأراضي رافعة للتنمية المحلية في ظل الجهوية الموسعة، وكذا استثمارها فلاحيا للمساهمة في إنجاز مشاريع مذرة للدخل تندرج ضمن مخطط المغرب الأخضر، والاستغلال الغابوي والنباتات العطرية، والاستغلال لأغراض تجارية وصناعية وسياحية.
وتنويرا للرأي العام والمحلي حول هذا المشكل المفتعل، فمفاده هو تعطيل مسطرة هذا التحديد الإداري، واستنادا إلى المرسوم أعلاه فوزير الداخلية أكد بالحرف أنه “لا يوجد داخل العقار المدعو أراضي الجموع لقبيلة أوشان أي حصر خصوصي ولا أي حق للاستغلال أو غيره من الحقوق الثابتة والقانونية” وهو ما يؤكد قانونيا وعمليا أن لا حقوق للقبيلة التي تدعي الحق في هذه الأراضي غير قبيلة أوشان طالبة مسطرة التحديد الإداري كآلية ضامنة للحماية ولضبط حدود أراضيها الجماعية لتحصينها من الترامي ودحض افتراض أن الأصل في الصفة الجماعية للأرض عند النزاع هو أنها جماعية، وما يضمن حقوق الغير هو إشهار عملية التحديد في مختلف الأماكن والمؤسسات وفتح مجال أمامهم لتلقي التعرضات، وإذا كان أحد يدعي حقا من الحقوق في الأراضي موضوع التحديد، يتعين عليه أن يقدم تعرضه في عين المكان إلى اللجنة التي تعمد إلى تحرير تقرير بشأن هذا التعرض، كما أنه يمكنه أن يرفع الأمر إلى ممثل السلطة المحلية بواسطة تصريح كتابي يضمن فيه موضوع تعرضه والحجج التي يستند عليها طبقا للفصل 5 من الظهير الشريف أعلاه، أما أسلوب المسيرات والاحتجاجات فلا يبطل الظهائر الشريفة ولا حتى المراسم المنفذة لها.
والجدير بالذكر أن بعد نشر المرسوم المحدد لمساحة وحدود أراضي جموع قبيلة أوشان بفزو في الجريدة الرسمية بمقتضى الفصل 11 من ظهير 18/2/1924 يترتب عنه منع عقد أي رسم يتعلق بتفويت حق الملكية أو الانتفاع بشأن الأراضي الخاضعة لأعمال التحديد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في ظهير 27 أبريل 1919، وذلك من تاريخ نشر المرسوم الذي أذن بعملية التحديد إلى حين نشر المرسوم المتعلق بالمصادقة على التحديد، وإلا كان هذا العقد باطلا حتى في ما بين المتعاقدين، هذا مع العلم أن الفصل 11 من ظهير 18/2/1924 قد ربط تطبيق أثر هذا المنع بالنسبة للقطع المتنازع بشأنها إلى نهاية النزاع. وطبقا للفصل 18 من ظهير 18 فبراير 1924 الذي يبين على أن أعمال التحديد تباشر من طرف لجنة من بينها نائب أو نواب الجماعة السلالية صاحبة الأرض (أوشان)، فيرجى من السلطة الوصية إخبارهم كتابيا وليس هاتفيا بالموعد الجديد في أقرب الأوقات لانطلاق أشغال عملية التحديد الإداري للسهر على وضع الأنصبة، وتوقيع محضر التحديد والحصول على نسخة منه، والذي سيوضع بمكاتب السلطة المحلية والمحافظة على الأملاك العقارية مع قيام المحافظ بنشر إعلان بهذا الإيداع بالجريدة الرسمية.
وأختتم هذا المقال بمناشدة قبيلة أيت خباش التي تدعي حقا من الحقوق في الأراضي موضوع التحديد الإداري بتحكيم العقل وضبط النفس وسلك مسطرة القانون الواضحة وضوح الشمس في النهار، مع الابتعاد عن أسلوب استفزاز القبائل المجاورة، لأن ذلك لن يزيد إلا احتقانا وتمزيقا لقبائل كانت في العهد القريب لحمة واحدة وواجهت المستعمر وضحت من أجل طرده بالغلي والنفيس من هذه المناطق. والتفكير في كيفية استثمار كل قبيلة لوعائها العقاري بعد تسوية وضعيته القانونية طبعا، كي لا تجرأ دول شقيقة على استغلاله لإنشاء محميات للطيور والغزلان أو تحفيظها كأراضي في ملك المياه والغابات. ولقطع الطريق أمام المزايدات السياسية والتحريض من أناس همهم الوحيد هو اشعال فتيل النزاعات القبلية التي تسيل لعابهم الانتخابي كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية والتشريعية وعلى سبيل المثال 7 أكتوبر 2016 وينظرون لهذه المناطق بمثابة خزان لا ينضب للأصوات الانتخابية.
في الصورة نسخة من المرسوم رقم 2.16.21 (8 فبراير 2016) الصادر بالجريدة الرسمية رقم 6441 بتاريخ 22 فبراير 2016 :