بعد الجدل الطويل الذي عرفته الساحة السياسية مع مطلع الانتخابات الجماعية السابقة حول تعديل نصوص القوانين الانتخابية، لاسيما مدى قانونية تحديد المستوى الدراسي للمترشحين والمترشحات، والذي أفضى في النهاية إلى إسقاط مستوى شهادة التعليم الابتدائي التي نص عليه سابقا الميثاق الجماعي لرئاسة المجالس الترابية، بمبرر أن ذلك يمس بحق دستوري للمواطنين يتعلق بالحق في الانتخاب والترشيح، على الرغم من كون أن النجاحات التي تحققت في تدبير وتسيير الشأن المحلي والوطني في دول متقدمة كان من ورائه كفاءات وفعاليات ونخب سياسية.
من بين المستجدات الأخيرة التي عرفتها الساحة السياسية استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة لـ 7 أكتوبر 2016، ذلك الجدل الذي حصل بين الأحزاب السياسية حول رفع أو خفض أو الحفاظ على نسبة العتبة الانتخابية، منها من طالبت برفع النسبة إلى 8٪ أو 10٪ فما فوق كحزب الاستقلال، منها من طالبت بخفضها بعدما أن طالبت سابقا برفعها بعد الهزيمة التي لحقت بها في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، أما حزب العدالة والتنمية فقد اكتفى بالحفاظ على نسبة 6٪ مستشعرا بالخطر الذي يهدده في الانتخابات التشريعية القادمة نتيجة القرارات المجحفة التي اتخذها في حق الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ليفصل ويقرر مؤخرا المجلس الحكومي على خفض نسبة العتبة إلى 3٪، وهي التي سيعتد بها من أجل فرز الأحزاب السياسية التي ستتنافس على المقاعد المخصَّصة لكل دائرةٍ انتخابية.
بتحليل بسيطة فمفاد مطالب رفع العتبة يتناقض تماما من مقتضيات الفصل 7 من دستور المملكة الذي ينص على أن من بين أدوار الأحزاب السياسية هو تأطير وتكوين المواطنين والتعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع، والغاية من مطلب رفع العتبة ما هو إلا للظفر بحصة الأسد من عدد المقاعد البرلمانية. مما يضرب عرض الحائط مبدأ التعددية السياسية والتناوب ويفسح المجال أمام الهيمنة والإقصاء، وهي بمثابة مشنقة للأحزاب “الصغرى” غير الممثلة بالبرلمان، ويريدون أن يكمن دورها فقط في تأثيث المشهد السياسي المغربي. وبعدما أن طالبوا بإلغاء أو خفض العتبة اتهموا ببلقنة المشهد السياسي بالبرلمان الذي هو مبلقن أصلا ولو بعد تطبيق عتبة 6 ٪، فعدد الأحزاب الممثلة بالبرلمان وصل 18 حزبا. مما يتضح أن رفعها ليس بحل ناجع كما يسوق له. بل المراد منه هو وأد الأحزاب السياسية “الصغرى”.
لتوضيح علاقة خفض العتبة بالتعددية السياسية واحترام الفصل 7 من الدستور، أقترح عليكم التمعن في مثال لدائرة انتخابية معينة تتبارى فيها 17 حزبا على 4 مقاعد برلمانية. ونفترض أن بعد فرز الأصوات تم الحصول على 50000 صوت صحيح (معبر عنه)، إذن الحاصل الإنتخابي بهذه الدائرة هو: 12500= 4/50000 صوت. كما نفترض أن بعد فرز أصوات كل حزب وتطبيق عتبة 3 ٪ التي صدق عليها تم الحصول على النتائج التالية:
الحزب | عدد الأصوات الصحيحة | النسبة المئوية |
الحزب A | 14000 | ٪28 |
الحزب B | 13500 | ٪27 |
الحزب C | 6000 | ٪12 |
الحزب D | 1600 | ٪3.2 |
الحزب E | 1500 | ٪3 |
باقي الأحزاب الأخرى (12) | 1116 صوت لكل حزب | (٪2,2 ) نسب أقل من العتبة 3 |
مما سيؤدي إلى سقوط لوائح 12 حزب، والاحتفاظ بـ 5 أحزاب التي تجاوزت العتبة الانتخابية وهي التي ستشارك في تقاسم المقاعد الأربع للبرلمان وهي (Aو Bو Cو Dو E) على النحو التالي:
–المرحلة الأولى: توزع المقاعد على الأحزاب التي تجاوزت الحاصل الإنتخابي (12500 صوت)، أي سيحصل الحزب A على مقعد ليتبقى له 1500 صوت ويحصل الحزب Bعلى مقعد ويتبقى له 1000 صوت. الأحزاب الأخرى الثلاثة (Cو Dو E) لم تصل الحاصل الإنتخابي، لكنها بلغت العتبة.
–المرحلة الثانية : استعمال قاعدة أكبر البقايا، وهي موزعة كالآتي: الحزب ( A) 1500 صوت، الحزب (B) 1000 صوت، الحزب( C) 6000 صوت، الحزب (D)1600 صوت و الحزب ( E ) 1500 صوت. باستعمال قاعدة أكبر البقايا سيحصل الحزبان ‘C’ و ‘D’ على مقعد لكل حزب، وسبب حصول الحزب D “الصغير” (حسب تعريف المهيمنين) على المقعد هو خفض العتبة إلى حدود ٪ 3 ، ولو أبقينا على نسبة العتبة في٪ 6، ستتغير النتائج بحصول الحزب A على مقعدين ومقعد لكل من الحزبين B وC، وكلما تم رفعها إلا وستزداد نسبة الهيمنة وإلغاء التعددية السياسية مما سيفضي في الأخير للتحضير لنظام الحزب الوحيد المرفوض دستوريا مما سيهدد المسار الديمقراطي لبلدنا.
بفضل هذا المثال البسيط يتضح جليا أن رفع العتبة يتناقض مع دستور المملكة في فصله 7 لأنه سيؤدي فقط إلى هيمنة الأحزاب السياسية التي بسطت نفوذها على المشهد السياسي بطرقها الخاصة باستقطاب الأعيان وشراء للذمم واستغلال للدين وليس على نتائج تطبيق برامجها السياسية، مما سينتج عنه نسب خطيرة للعزوف عن المشاركة في الانتخابات التشريعية وسرقة أصوات وإرادة مجموعة من الناخبين. عكس نتيجة خفضها أو إلغائها سترفع من التنافسية والتمثيلية والتعددية السياسية وبالتالي إشراك وحشد المزيد من المواطنين في العملية الانتخابية للظفر بمقعد بالبرلمان، وإدماج عدد أكبر من الأحزاب في المؤسسات السياسية وفي مجال التشريع انسجاما مع مقتضيات الفصل 7 من دستور المملكة. فالتعددية والتناوب والاختلاف نعمة وليست نقمة. ولكم دليل في تصدير الدستور لروافد الهوية المغربية.
ما يجب الرفع في عتبته هو مستوى وعي قيادات الأحزاب السياسية التي تدعوا للهيمنة بضرورة فسح المجال أمام الشباب وتزكيتها للفعاليات والكفاءات للتباري على المقاعد البرلمانية وألا تزكي من هب ودب بغية حصد عدد أكبر من المقاعد، للظفر بعدد أكبر من الحقائب الوزارية للنوم في آرائك البرلمان واللعب بالهواتف الذكية و”بالكارتة” وحماية المصالح الشخصية. الجدل كان ينبغي أن ينصب حول تحديد عتبة المستوى الدراسي للبرلمانيين لأنه لا يمكن لأمي أن يشرع، وخفض وتوحيد العتبة الانتخابية على الصعيد الوطني وليس على صعيد المحلي بالدائرة الانتخابية، وتوحيد الدعم المالي الذي يقدم للأحزاب السياسية، والمدة المخصصة لكل حزب في مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية، لأن هذا التفاوت في حد ذاته يهدد التعددية السياسية ويؤسس للهيمنة وخطره أكبر من خطر وتجليات رفع العتبة الانتخابية. فعلى الدولة أن تقطع مع فكرة الأحزاب الكبرى والأحزاب الصغرى الغير الممثلة بالبرلمان ويمكن تسميتها على هذا المقاس بالأحزاب النافعة والأحزاب الغير النافعة كما المغرب النافع والغير النافع.